هل بات «التقسيم» من الماضي؟

معن بشّور

تعيش الأمة هذه السنوات أكثر أيامها دماراً ودموية يواكبه تضليل إعلامي غير مسبوق يسعى إلى تصوير العدو صديقاً والصديق عدواً. لكن ما أخطر من التضليل الإعلامي هو تلك الفوضى الفكرية والتحليلية التي يتمّ تصنيعها في مراكز أبحاث استعمارية وصهيونية ويروّج لها «محللون استراتيجيون» يلبسون أردية فكرية متعدّدة، لكنها تخدم غرضاً واحداً يسعى إلى فرض إرادات مشبوهة وإلى تعميم اليأس في العقول والنفوس.

من هذه الأفكار التي جرى ويجري الترويج لها بغرض فرضها كأمر واقع هي فكرة تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ من أقطار، مستفيدة دون شك من إدارة بالغة السوء لشؤون بعض الأقطار، ومن بعض الوقائع، كتقسيم السودان، ودعوات الانفصال في شمال العراق، وجنوب اليمن، ناهيك عن الإمارات المتحاربة في ليبيا وإخراج بعض المناطق عن سيطرة الدولة في سورية.

بل وصل الأمر ببعض «المحللين» إلى أن رأوا في الدعم الروسي لسورية تكريساً لتقسيم سورية في إحياء لمشروع استعماري فرنسي قديم سعى إلى قيام دويلات في سورية أسقطتها ثورات الساحل والداخل، وثورتا جبل العرب والجولان المتكاملتان مع الثورة في الغوطتين والقلمون.

اليوم، وبعد 13 عاماً على احتلال العراق و5 سنوات على ما يُسمّى «الربيع العربي» ماذا نجد؟!

نجد تعثراً لمشروع الانفصال الكردي في شمال العراق ليس بسبب معارضة الأحزاب الكردية لمشروع السيد مسعود البرزاني بإجراء استفتاء على الانفصال فقط، وليس بسبب إعلان الاتحاد الأوروبي معارضته فحسب، بل لأنّ أبسط الحسابات المحلية والإقليمية، السياسية والاقتصادية، تظهر استحالة تنفيذ هذا المشروع.

فأغلبية الكرد في العراق إذ يرفضون ظلم المركز لهم، فإنهم يرفضون أيضاً فصلهم عن وطنهم الأمّ العراق الذي أقرّ لهم منذ آذار عام 1970 بحقوق لم يحصلوا عليها في أماكن وجودهم الأخرى، كما أنّ أغلبية الدول المجاورة والبعيدة لا تنظر بارتياح إلى دولة كردية مستقلة في شمال العراق تلقي بظلالها على الدول المجاورة حيث الوجود الكردي يفوق عدداً وجود الأكراد في العراق.

أما في جنوب اليمن فقد ضاعت دعوات الانفصال بين أزيز طائرات العدوان وقعقعة سلاح قوى التشدّد والغلو الدموي التي تسيطر على المحافظة تلو الأخرى من محافظات الجنوب، غير مبالية بإجراءات حكومة الرئيس هادي في الرياض، ولا بشعارات أهل الحراك الجنوبي، وقد تعدّدت ولاءاتهم وتوزّعت ارتباطاتهم، فيما يدخل اليمن كله في حرب كبرى، فيه وعليه، لن تنحصر تداعياتها باليمن وحده.

وفي جنوب السودان لم تنته «حرب الاستقلال» بالانفصال إلا لتبدأ حروب قبائل الدنقا والنوير وما بينهما لتمتدّ شظاياها إلى أوغندا الجارة المحرّضة دائماً للجنوبيين على الشماليين، وقد ظن بعضهم بـ«خيرات» التخلص من الجنوب، فإذا بالشمال يدفع اليوم غالياً من استقلاله وسيادته وكرامته ودماء جنوده من أجل حفنة من الدولارات خسرها يوم خسر نفطه في الجنوب.

أما في سورية، حيث واسطة العقد في الأمة، فإذا حصل الانهيار لا سمح الله – فسيعمّ الانهيار في الوطن العربي الكبير كله، فالتطورات الميدانية في الأسابيع الأخيرة تتجاوز في أهميتها المكاسب التي حققها الجيش والدولة في سورية. إذ إنّ الأمر تعدّى فك حصار عن مطار عسكري صمدت حاميته صموداً أسطورياً لأكثر من 3 سنوات، وفاق الأمر في أهميته إنقاذ حياة أكثر من 70 ألف مواطن واجهوا على مدى 4 سنوات أقسى أنواع الحروب والحصارات، إذ أكدت هذه التطورات أنّ المعركة التي يخوضها الجيش والدولة السورية وحلفاؤهما هي معركة الدفاع عن وحدة سورية، كما عن استقلالها واستقرارها وأمنها وموقعها وموقفها.

لقد أربكت التطورات الميدانية في شمال سورية، كما في جنوبها، في ساحلها، كما في ريف عاصمتها، تحليلات أولئك المنخرطين عن وعي أو عن جهل في الترويج لخرائط افتراضية يسعى البعض إلى جعلها خرائط واقعية على الأرض.

ربما لا يملك العرب اليوم القوة الكافية لتحقيق وحدتهم القومية، ولكنهم يمتلكون من القوة ما يصون وحدة أقطارهم الوطنية. وهذا ما ستثبته الأيام ليس في سورية وحدها بل في أقطار الأمة كلّها على طريق تحرير فلسطين.

المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى