«فوبيا اللجوء»… بين محنة الخيارات ومسامير الحلّ

فاديا مطر

لا شك في أن أزمة اللاجئين السورية وضعت الدول الأوروبية عموماً، والإقليمية خصوصاً، في عنق الزجاجة، وهي تحاصر بضغطها الدول التي امتدت أصابعها بالاعتداء على سورية بحرب تقارب نهاية عامها الخامس.

الأزمة التي شكلت حداً يفاقم عجز القدرة على متابعة التحديات السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية، أرخت بظلالها على ملفات نقلت خروج بعض اللاجئين من ضفة اللجوء إلى ضفة التحوّل إلى عمالة وافدة غير معروفة الهدف والوجهة، فهو واقع حال يطرح تساؤلات عدة أمام دول كانت قد دعمت الهجرة السورية إليها، ودعمت في الوقت نفسه المجموعات المسلحة التي كانت تدفع القاطنين في أوطانهم إلى الخروج منه، وبدأ الصمت عن الالتزامات التي طُرحت، وبدأ معه الصراخ بدعوات للأطراف السورية في معادلة الطاولة التفاوضية يعلو لكن لا حلول يلمع ضوؤها في الأفق، خصوصاً بالنسبة للحكومة التركية التي أصبح الملف من أخطر ما يقلقها ويتوج سلسلة مواقف وإرباكات تضاف إلى ما بحوزتها، بعد النصر الدراماتيكي للجيش السوري وحلفائه في الشمال السوري وتنامي دور الفاعلية الكردية بالسيطرة على قرى ومحاور تقطع يد الدعم التركي للمسلحين وهو بدوره ما يزيد من أزمة اللاجئين المنتظرين على المعابر التركية لجهة إيجاد الأمكنة والإمكانات لآلاف الهاربين من المعارك المحتدمة، مع سقوط فكرة «المناطق العازلة» التي كانت إحدى أجندات العمل العسكري والاستخباري التركي في سورية، وبالتالي تطور وضع جديد على الحدود التركية المقفلة بوجه اللجوء العارم بعد إغلاق الحدود المشتركة في 5 شباط الجاري في مدينة «كيليس» التركية الجنوبية وفي منطقة «أونجو بينار» المقابلة لمعبر باب السلامة مع سورية وهو ما يحتم على رئيس الوزراء التركي «داؤود أوغلو» القيام بجولات إقليمية لعلها تجدي نفعاً، فهو ما عُقد بإطاره مؤتمر لندن للمانحين في 4 شباط الجاري والذي تلقى لبنان الذي يضم أكبر الأعداد اللاجئة دعوةً منه، ما سيمهد النقاش حول استجابة الأسرة الدولية للأزمات ويُحضر لمنتدى رفيع المستوى هذا العام بحضور الأمم المتحدة والبنك الدولي لعقد قمة العمل الإنساني المزمع عقدها في اسطنبول في أيار المقبل.

ولكن لبنان مازال الرازح الأكبر تحت سياسة مشروطة من قبل الدول المانحة، كما وصفها وزير العمل اللبناني «سجعان قزي» في 1 كانون الثاني المنصرم «بأن منظمات دولية مدفوعة من بعض الدول تسعى لفتح سوق العمل أمام النازحين السوريين، وهي مخططات مشبوهة تؤدي إلى تثبيت النازحين وربما إلى توطينهم، وأن مبدأ اشتراط الدول المانحة تقديم مساعدات للبنان مقابل فتح سوق العمل للاجئين السوريين هو مرفوض»، فهو موقف يصد مؤامرات تحاك ليلبسها لبنان تحت ثيابه، فمؤتمر لندن للدول المانحة يهدف في دواخله لتهدئة المخاوف الأوروبية عموماً والتركية خصوصاً اتجاه أزمة اللجوء وتخفيف بعضها عن أوروبا وعن تركيا التي تحاول عبره الحصول على مصالح جيوسياسية تربط معها المكانة الإقليمية والعمق في تحالف واشنطن والناتو، لكسب امتيازات يتحمّل تداعياتها الإقليم في ظل المستجدات اليومية.

فتركيا أمام محنة خيارات استراتيجية كبيرة تحاول فيها «الأردوغانية» الهروب للأمام لمحاولة الخروج من عباءة تظافر دلائل الخسارة التي تلاحقها على المستويين الداخلي والخارجي، بعض سقوط ملفات كانت تصبّ في أجندتها الإقليمية التي تتجاوز الحرب على تنظيم «داعش» إلى أهداف سياسية وجيوسياسية، وهو ما قد يدفع تركيا إلى الانضمام لحلف «الرياض العسكري» الذي أعلنته «مملكة آل سعود» منذ أيام، في محاولة لتهريب بعض الأوراق الجغرافية والديموغرافية التي قد ترميها في أيدي الهلاك، وربما بعض التعنت العسكري والسياسي قد ينفع في كسر المعادلة الحدودية الجديدة التي، إذا ما أقدمت تركيا والسعودية عليها، فإنها ستكون قد أطلقت على نفسها «رصاصة الرحمة»، كما عبر وحذر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني «محسن رضائي» في 6 شباط الحالي، فهل ستستطيع أنقرة تحمل خسائر استراتيجية إضافية تضيفها إلى ما خسرته حتى الآن؟ أم أن الإنجازات الميدانية في سورية ستضيف «فوبيا» جديدة تشتعل تحتها الحدود التركية؟ فمقبل الأحداث يُنبئ بالأخبار..!!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى