صدفة

بلال شرارة

حسب البنك الدولي، فإنّ الكلفة الاقتصادية للحرب السورية تبلغ 35 مليار دولار، هذا الأمر يؤكد أنّ الحرب ليست وحدها التي تجبر السوريين على مغادرة وطنهم، بل أيضاً مختلف أنواع فرص الحياة وبداية حقّ الحياة، وحقوقهم في الحصول على فرص: العمل، التربية، الصحة، السكن والأمن والأمان والمشاركة الكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وباختصار في كلّ ما يصنع حياة بلدهم ومجتمعهم، لذلك فإنّ التوصل إلى وقف إطلاق النار أمر لا يكفي وحده، إذ إنّ المطلوب إنهاء كلّ أشكال النزاع المسلح والتفاهم على أنّ الإرهاب يشكل خطراً وجودياً على سورية، وأنه لا بدّ من الاتفاق على القضاء على الإرهاب وصياغة شكل الدولة ارتكازاً إلى دستور جديد، لذلك فإنّ مؤتمر الدول المانحة الذي عُقد في لندن بحضور حشد دولي كبير، والذي قرّر جمع 20 مليار دولار حتى العام 2020، أشار بذلك إلى تمديد الحرب السورية لسنوات إضافية، إذ يكفي أن نتذكر أننا في مطالع العام 2016؟ وسورية بفضل الرعاة الإقليميين والدوليين ستبقى «لا معلّقة ولا مطلّقة»، إذ لا مصلحة بداية لتركيا أو لـ»إسرائيل» على الأقلّ في انتهاء الحرب السورية، وتصريحات وزير الدفاع الروسي عن الاشتباه بوجود تحركات توحي بالاستعدادات التركية لغزو سورية، وإعلان السعودية استعدادها للمشاركة في عمل برّي ضدّ «داعش» كلها توحي بوجود مباحثات حول عمل عسكري برّي محتمل، والموقف السلبي لبعض المتدخّلين في المسألة السورية.

ولا بدّ من الانتباه إلى أنّ تقدّم الجيش السوري وحلفائه على عدد من المحاور واستعادته المبادرة منذ تشرين الثاني 2015، وتقدّم وحدات حماية الشعب الكردي على محاور أخرى، أمر أثار حفيظة تركيا، وهو أمر لا يعجب «إسرائيل» بالطبع، فهي لا تريد للجيش السوري أن يُحرز انتصارات على مختلف محاور الحرب السورية ومحاور الجنوب تحديداً وامتدادها على جبهة الجولان، ولا تريد للجيش السوري أن يكون قوياً، وقد اكتسب كلّ هذه الخبرة والمهارة.

اذن مشاهد «جنيف 3» وخلال الأشهر المقبلة انطلاقاً من 25 شباط وانعقاد اجتماعات جنيف المقبلة ربما تؤسّس لتفاهمات سورية، ولكن ليس لاتفاق ناجز الاتفاق في أقطار دول الشرق ممنوع سنتوصل في سورية والعراق واليمن وغيرها إلى فيدراليات وكونفيدراليات أتذكّر أني كنت برفقة مرجع عربي كبير في مؤتمر لمؤسسة الفكر العربي عُقد في القاهرة أنّ رئيس وزراء الأردن آنذاك قال للمرجع: أما بالنسبة لنا – الأردني والفلسطيني – فنحن أمام مشروع كونفدرالي: ملك واحد وجيش واحد ومجلسين للنواب .

على القاعدة نفسها ربما تحلّ مشكلة غزة سياسياً، أما أمنياً فهي ستخضع لحلف الأطلسي لأسباب تتعلّق بالنفط والغاز في بحر غزة طبعاً مع مراعاة المصالح الإسرائيلية ولبنان من الواضح أنه كونفدرالية طوائف.

أما الخليج، فالعلم عند الله والمخفيّ أعظم، أزعم انه لا يوجد نموذج عربي نقلّده ولا توجد شخصية قائدة على سدّة قيادة أقطارنا لا صلاح الدين الأيوبي ولا الظاهر بيبرس ولا جمال عبد الناصر ليشحننا بالغضب كي نتوحّد في قتال مشروع السيطرة على مواردنا البشرية والطبيعية باسم الشرق الأوسط الجديد. إذن، أين سيقف الانهيار؟ هل سنحافظ على غبائنا ونصدق أنّ الحرب هي ضدّ «داعش»، إذ إننا يجب أن ننتبه إلى أنّ «داعش» هو الأداة التي تمثل «الفوضى البناءة» التي تحدث في أقطارنا، وهذا الموت المتمادي؟

الآن يأتي أحد للقول إنّ «داعش» يملك صواريخ باليستية يمكن أن تصيب بيروت أو عمّان، وهي كانت وشوشة بصوت مرتفع أنّ «داعش» يملك مخزوناً من المواد الكيماوية؟ القصد من ذلك تحصين استمرار «داعش» على جغرافية ما، أيّ استمرار وضع القرد على بركتنا ، طالما يلزم ذلك ليس باتجاه الشرق فقط فالمغرب العربي ليبيا والجوار الليبي بات على منظار التصويب، وكذلك أوروبا التي تتعرّض لموجات المهاجرين براً وبحراً. أنا لا أنتظر جنيف، لا 3 ولا 4 ولا الأرقام كلّها، أنا أنتظر فرج الله وأسأله، ونحن نعيش في الفتنة، أن لا تدخل كلّ بيت، عدا ذلك فأنا أنتظر من يمنحنا نحن العرب، الناس، المهمّشين، المقتولين، المدمّرين فرصة، مجرد فرصة، هل تراها تلك التي تلتمع على حدّ سكين، مجرد سكين مطبخ يطعن الاستيطان أو صفحة حجر فلسطيني يمخر عباب الفضاء ويصيب خوذ جنود الاحتلال؟ لنا أمل واحد: حجر أسود حجر أسعد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى