احذروا المخطط الصهيوني الاستعماري الجديد!

أسامة العرب

لقد كان من أعظم إنجازات التاريخ الحديث نشوء المحور المقاوم المصري ـــ السوري، وأقصد به الوحدة المصرية ـــ السورية برئاسة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والتي أعلنت في 22 شباط 1958 لمواجهة المخطط الصهيوني الغربي المتعلق بإقامة دولة عنصرية يهودية في فلسطين، والذي تمّ وضع أول ملامحه في المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية بقيادة تيودور هرتزل في العام 1897.

ومن ثم جاء إنجاز الثورة المُقاوِمة الأخلاقية والإسلامية في إيران، والتي حظيت بتأييد الشعب العربي بأكمله لكونها أطاحت بحكم الشاه، حليف «إسرائيل» وأميركا الأول في المنطقة، مكرّسةً بذلك حقّ الشعب الإيراني بتقرير مصيره بنفسه، وبرفضه للسياسات الصهيونية الاستعمارية كافة.

أما اليوم فالمستقبل الواعد هو بيد المحور المقاوم الإيراني ـــ السوري ـــ العراقي ـــ اللبناني ـــ الفلسطيني الموحَّد، انطلاقاً من أنّ مبادئ الإسلام المتسامحة القائمة على أساس الأخلاق والقيم والمبادئ تتوحَّد مع مبادئ العروبة المنفتحة اللاعنصرّية واللاعرقيّة، لا سيما لجهة نبذها مفهومَيْ الإرهاب والتكفير وأشكال العصبيّة الطائفية والمذهبية وجميع السياسات الاستعمارية الصهيونية في المنطقة. ففي حين أنّ العروبيّين اللاعنصريّين يقولون إنّ العروبة والإسلام يتكاملان، في مقاربة موضوعية حول التجربة الإسلامية الأولى بقيادة النبي محمد وابن عمّه الإمام علي بن أبي طالب كحالة نهضوية فريدة يمكن تكرارها بطريقة مشابهة، فإنّ أحكام الإسلام الأصيل تؤكّد، في المقابل، أن «لا إكراه في الدين» وأننا لا ننتصر إلا بنبذ أشكال العنصرية كافة، لا سيما تلك القائمة على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي، ذلك أنّ العرب والمسلمين عموماً يواجهون عدوّاً غير عادي، يحاربهم في أقطارهم كافة بأساليب متنوّعة وأشكال مختلفة، وهذا ما يسهّل قدرته على إذكاء الحروب الأهلية والفتن الطائفية والمذهبية، كما شاهدنا خلال السنوات الأخيرة في العراق وسورية ومصر. ويخطئ مَن يظن أنّ العدو «الإسرائيلي» لم يكن طرفاً فاعلاً في تلك الأحداث كلّها، أو مؤجّجاً لها أو حتى مطلقاً شرارتها الأولى، كونه حالة صهيونية أخطبوطية متمدّدة في أرجاء العالم كلّه، وهذا ما يجعل الحرب معه أشبه بحرب عالمية.

وتكمن فَرادة المشروع المقاوم الجديد، في أنه أول محاولة من نوعها تنجح في جَمع المقاومة العربية في سورية والعراق ولبنان وفلسطين مع المقاومة الإسلامية في إيران والعراق ولبنان وفلسطين، ضمن إطار مقاوم موحّد يواجه الصراع المصيري مع المشروع الصهيو ـــ أميركي وحلفائه. ذلك أنّ لا مبالاة البعض بالقضايا الأساسية للأمة، لا سيما مقاومة الإرهابَيْن الصهيوني والتكفيري، هي طريق في اتجاه واحد يؤدّي بالنتيجة إلى التعاون مع العدو أو على الأقلّ مساعدته على تدمير المنطقة وبناها التحتية بغية تقديمها هدية مجانية له.

من جانب آخر يُخفي التحالف الروسي ـــ الصيني الجديد في طياته رغبة فعلية في مواجهة السياسات الأميركية الاستعمارية، التي لا يقتصر تهديدها الاستراتيجي على روسيا وأمنها ومصالحها فحسب، بل يطال الصين أيضاً ومناطق النفوذ التقليدي لبكين. لذلك تتوقّع بعض المصادر المطلعة أن تبدأ مرحلة التعاون الروسي ـــ الصيني في مجال الصناعات البحرية والصناعات العسكرية بشكل عام، مع تركيز على الأساطيل العسكرية التي من شأنها تعزيز قوة الصين العسكرية في آسيا والمحيط الهادئ من جانب، وتأمين دعم مالي لمجمع الصناعات العسكرية الروسي تضمن له استمرار تطوّره بفضل استثمارات صينية عملاقة متوقعة في هذا المجال. هذا التطوّر الهامّ على الساحة الدولية، يجعل الغلبة في الشرق الأوسط لمحور المقاومة، لا سيما بعدما عزّزت روسيا قواعدها العسكرية التي تهدّد حلف «ناتو» في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية، فحتى الآن توجد 10 قواعد عسكرية روسية تحاصر «ناتو»، كما تمتلك روسيا قاعدة عسكرية بحرية على الأراضي السورية، تحديداً في مدينة طرطوس الساحلية، بالإضافة إلى قاعدة عسكرية جوية داخل مطار باسل الأسد في مدينة اللاذقية.

وبذلك لم يعُد المحور المقاوم للصهيونية وللإرهاب التكفيري محوراً إقليمياً وحسب، إنما أصبح محوراً عابراً للقارات، خصوصاً بعدما عقدت البرازيل وروسيا والهند والصين وجمهورية جنوب أفريقيا أول قمة بين رؤساء الدول المؤسّسة في ييكاتيرينبرغ ــــ روسيا في حزيران 2009، وأعلنت عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. أيّ أنّ القوى الحيّة اليوم باتت ذات نفوذ إقليمي ودولي، وهي تتصدّى ببسالة لمهمّات المواجهة مع العدو الحقيقي للأمة، حتى أنها باتت تتجرأ عليه وتتحدّاه في عُقر داره، بل وتتفوّق عليه لأول مرّة في التاريخ، مُحييَةً بذلك الصراع العربي ـــ «الإسرائيلي» التاريخي، ومُزيلةً ظواهره الانهزامية السابقة كافة.

وأمام هذا المشهد الشرق أوسطي المُتألق، وَلّى زمن التشتّت والفوضى والفراغ، والذي كان سببه الأول والأخير شعور البعض بخزي الهزيمة والضعف والخوف والعجز، وجاء زمن الانتصارات. وها هو محور المقاومة اللاطائفي واللامذهبي يصنع المعجزات فيُحارب في الجولان وفي غزّة والقدس والضفة الغربية، ويُحرّر المزيد من البلدات السورية والعراقية المُحاصَرة، ويُدافع عن المسجد الأقصى، ويصون الأعرَاض ويَبني المستقبل الحرّ للأجيال الصاعدة.

وأخيراً، وبعد الفوز الميداني الأخير في سورية، فإننا وعلى النهج الوسطي نفسه الذي اختطّه أُستاذنا الكبير دولة الرئيس سليم الحص، ندعو العُقلاء من أصحاب القرار الإقليمي والدولي لأن يعوا مخاطر الاستمرار بسياسات التأزيم العبثي للوضع بسورية، ذلك أنّ الوقوف إلى جانب سورية لتحقق مزيداً من الانتصارات على الإرهاب هو السبيل الوحيد للوصول إلى حلّ نهائي لكافة الأزمات الوجودية المنتشرة في الشرق الأوسط ابتداءً من الأطماع «الإسرائيلية» الشرق أوسطية وصولاً إلى تمدّد الإرهاب التكفيري، لا سيما أنّ إعادة بناء الشرق الأوسط بأكمله من جديد تتطلّب منا جميعاً الخروج من مصالحنا الفئوية الضيقة، ما سوف ينعكس إيجاباً على الحلّ السياسي المُستدام في العراق واليمن.

فخيار الحرب على سورية عِوضاً عن إقامة أفضل العلاقات معها، معناه دخولنا جميعاً في حروب إلغاء إقليمية ودولية لا تُحمَد عُقباها، كما أنّ حصيلتها أيضاً ستكون وخيمة على الجميع، لا سيما بعدما أصبح محور المقاومة محوراً ذا نفوذ دوليّ، وبالتالي فإنّ تداعيات صراعاتنا الداخلية سوف تكون أكبر بكثير مما نتوقع، بل إنها ستفتّت من دون أدنى شك الدول العربية والإسلامية كافة، لتقضمها لاحقاً «إسرائيل» كما تشاء وترتئي، كما أنها سوف تؤدّي حكماً إلى امتداد أذرع الإرهاب التكفيري إلى كافة الدول التي حاولت أو لا تزال تحاول أن تستثمره، ما يعني ترقب حدوث انهيار شامل للأنظمة الحاكمة الشرق أوسطية كافة، أو على الأقلّ تقويضها وضعضعتها!

وهذا هو بالضبط المخطط الصهيوني الاستعماري الجديد، والذي يعمل بشكل حثيث لتحقيق حلمه بإقامة دولة «إسرائيل الكبرى»، والدليل على ذلك أنّ اللوبيات الصهيونية الحاكمة في أميركا اتخذت قرار دعم التجديد للرئيس باراك أوباما لولاية ثانية عام 2012 في الوقت نفسه التي كانت تصفه بالعاجز والضعيف، وبالرغم من تأكيدها أيضاً أنه فاشل في مجال السياسة الخارجية، أيّ أنّ المنظمات الصهيونية دعمته فقط لتتفاقم حالة الفوضى الشرق أوسطية وتتمدّد! ولذلك، علينا جميعاً أن نعي المخاطر وأن نحاول قدر الإمكان أن نُفعّل سياسات الانفتاح والحوار مع العُقلاء، لكي ندرأ كلّ عدوان على سورية ولنُكرّس نصرنا الميداني باعتراف دولي! ولكن لا يراهنَنّ أحد على تأجيج النار في سورية متوهّماً بقدرته على جعلها تدور في الفلك الأميركي وتتوقف عن متابعة مشروعها المقاوم!

محام، نائب رئيس

الصندوق المركزي للمهجّرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى