فرّقهم «الإخوان» وجمعهم سفك الدم!

مصطفى حكمت العراقي

لا يمثل انتخاب جامعة الدول العربية وزير الخارجية المصرية الأسبق أحمد أبو الغيط أميناً عاماً جديداً لها خلفاً لنبيل العربي شيئاً مهماً يمكن التعويل عليه في حلّ قضايا الأمة المُمزَّقة إلى أمم مُتفرِّقة لا يكاد يجمعها إلا اللغة الموحّدة فيما بينها، ولا يمكننا التفاؤل كثيراً في تقليل مساحات الخلاف العربي وتوسيع زوايا التشارك والبناء عليها كما تعهد الأمين العام الجديد في أول تصريحاته بعد إتمام انتخابه المتعثر، بعد إرجاء التصويت لعدم التوافق عليه، إذ أعلنت الدوحة تحفظها على اختيار أبو الغيط بحجة «مواقفه العدائية» السابقة ضدّها وهنا يمكن القول إنّ منظومة الدول تؤكد تحيزها وأتباعها للرياض فيما تربو إليه إذا انقلبت الدنيا ولم تقعد على لبنان بحجّة الخروج عن الإجماع العربي لمجرد تحفظ وزير خارجيته جبران باسيل على قرار يدين حزب الله الذي يُعتبر مكوناً لبنانياً أساسياً ومُشاركاً في الحكومة اللبنانية، باعتباره إرهابياً.

أما الآن وبعد أن خرجت قطرعن الإجماع العربي في ملف مهم كاختيار أمين عام جديد للجامعة، فإننا لم نسمع الأصوات التي تباكت كثيراً على ما يُسمى القرار العربي الموحّد بل على العكس سمعنا أصواتاً مرحبة بالتحفظ القطري، باعتباره دليلاً على حرية الاختيار الموكل لكلّ دولة من الدول.

وبالعودة إلى التبرير القطري للتحفظ فهو غير دقيق إلى حدّ يمكن اعتباره دليلاً آخر على حجم التفكُّك الخليجي وعدم قدرة دول مجلس التعاون على التفاهم في صغائر الأمور وكبائرها كما أنّ تضارب المواقف بين القاهرة والرياض والدوحة يُعتبر حلقة جديدة في سلسلة الخلافات المتصاعدة تدريجياً فيما بينها على خلفية إسقاط حكم الإخوان في مصر ودعم الرياض لذلك ووقوف الدوحة، ومن خلفها أنقرة، مع جماعة الإخوان المسلمين بشكل سياسي وإعلامي واجتماعي.

إنّ المناكفات والخلافات التي رافقت انتخاب الأمين العام الجديد للجامعة العربية لا يمكن وضعها إلا في خانة ترسيخ ما حدث ويحدث من تضارب في المصالح والأهداف والتفكير والخلاف العميق بين مصر، المدعومة سعودياً، وقطر الحليفة للأتراك ورئيسهم «الإخواني» رجب طيب أردوغان، وهذا يشير، حُكماً، إلى أنّ حجم التورُّط المشترك لهذه الدول، باستثناء مصر، حول هدف إسقاط الدول السورية لم يكن كافياً لإخماد نار الخلاف بينهما، بل على العكس تماماً نجد أنّ ما حصل في غرف الجامعة المُظلمة بين الدوحة والقاهرة والرياض يُمهِّد لصفحة خلاف جديدة فيما بينها، وهنا يمكننا القول إنّ خيوط التحالف والخلاف متشابكة جداً بين هذه الدول الأربع والتي تشكل محور الدول السنية في المنطقة والتي وكلت نفسها بأن تكون ضدّاً وندّاً لما أسمته، وهماً، بـ«الهلال الشيعي» الممتد من إيران إلى العراق فسورية ولبنان وصولاً إلى الحوثيين في اليمن حتى امتدوا في طغيانهم إلى حدّ شنّ عدوان على اليمن بقيادة سعودية، كما شاركوا مؤخراً في مناورات أسموها «رعد الشمال» بحجة محاربة الإرهاب الذي تدعمه الرياض وأنقرة والدوحة علناً حتى كان موعد ختامها حافلاً بالمؤشرات التي تعزِّز حجم الخلاف الرباعي بين هذه الدول. فمن خلال متابعة المرحلة الختامية من المناورات يمكن أن نخرج بحصيلة مفيدة لنعرف أين وصلت الأمور بين الدول الأربع إذ كان لافتاً عدم حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حليف السعودية الأقوى والأبرز خصوصاً في الحرب على سورية، ورئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو الذي قام بزيارة إلى طهران تمخّضت عن اتفاق بزيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين إلى أكثر من 30 مليار دولار مع التشديد على حرص البلدين على وحدة الأراضي السورية…

هذه الزيارة قد تكون وراء غياب أوغلو ورئيسه عن حضور اختتام المناورات كذلك وجود الرئيس المصري الذي تستعديه حكومة أنقرة علناً قد يكون سبباً آخر لغيابهما عن مناورات دعمتها تركيا في البداية، كإشارة إلى ما كانت تسعى إليه أي التدخل برياً في سورية.

توسّط الملك السعودي جلوساً في اختتام المناورات وموقعاً في حلف ممتلئ بالتناقضات إذ يشكل الخلاف المصري ـ التركي ـ القطري عقبة كبيرة في جمع حلفاء الرياض المتضادين على كلمة سواء فهناك تباين كبير في وجهات النظر بينهم حول الملف المصري، خاصة مع تمسُّك أنقرة بموقفها بشأن عدم الاعتراف بشرعية الرئيس السيسي إلا بشروط، في حين تقدم الرياض الدعم السياسي والاقتصادي للنظام المصري منذ سقوط الإخوان وهذا التباين قد يشكل عقبة كبرى في طريق زيادة التعاون الاستراتيجي بين أنقرة والرياض، خاصة مع زيادة الحديث عن قيام الأخيرة بدور كبير من أجل تقريب وجهات النظر بين القاهرة وأنقرة لتحقيق مصالحة بينهما، وهذا الخلاف ناتج عن خلاف حول بعض الملفات المهمّة والحيوية بين الرياض وأنقرة وحتى الدوحة، لا سيما ملف الإخوان المسلمين حيث يمثل هذا الملف ووضع الجماعة من قبل السعودية على قوائم الإرهاب والتي تعدّ المرجعية الفكرية لحزب أردوغان عقبة كبرى أمام استمرار التحالف بين الرياض وأنقرة، فرغم حالة التقارب بين الإسلاميين في اليمن ونظام الحكم في الرياض منذ وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم مطلع عام 2015، إلا أنّ الجماعة لا تزال محظورة وبين الحين والآخر يتم التضييق على أفرادها بشكل كبير في الداخل السعودي، تُضاف إلى ذلك الرغبة السعودية في استمرار دعم النظام المصري الذي ترفض أنقرة الاعتراف به وهو نفسه الموقف القطري. خلاصة القول، إنّ الحرب على سورية جعلتهم يختلفون حول أمور عدة ولم يجمعهم سوى سفك الدم السوري…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى