زيارة أوباما إلى كوبا: من الذي تراجع هافانا أم واشنطن؟

حميدي العبدالله

المعجبون بالغرب، وتحديداً المعجبون بالولايات المتحدة، يجادلون دائماً مؤكدين أنّ الولايات المتحدة قوة لا تقهر. وعلى الرغم من أنّ الموضوعية تفرض التسليم بأنّ الولايات المتحدة قوة عالمية تمتلك من عناصر القوة ما يجعلها الدولة الأولى في العالم، إلا أنّ مقولة إنّ الولايات المتحدة قوة لا تقهر تحتاج إلى تدقيق.

زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلى هافانا، تماماً مثلها مثل الاتفاق مع إيران حول ملفها النووي، تشير إلى حدود القوة الأميركية.

مرّ أكثر من 45 عاماً على انتصار الثورة الكوبية، وطيلة هذه الفترة الممتدّة على أربعة عقود لم تتوقف جهود الولايات المتحدة وإداراتها المتعاقبة، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، عن ممارسة كلّ أشكال التآمر والحصار والضغوط لإسقاط النظام القائم في كوبا، لكن كوبا صمدت في وجه كلّ ذلك، لم يتغيّر النظام القائم في كوبا الذي كان وراء كلّ مؤامرات وضغوط وحصار الولايات المتحدة في الغرب. فإذا كان الاعتراض على ماهية النظام الاجتماعية إنْ لجهة دور الدولة في الاقتصاد، أو ملكية وسائل الإنتاج فإنّ أيّ شيء لم يتغيّر في كوبا، وإذا كان مبرّر العداء لكوبا من قبل الولايات المتحدة عدم قبول كوبا لأن تكون حليفاً للولايات المتحدة، من هذه الناحية أيضاً ليس هناك أيّ تغيّر في الموقف الكوبي. وإذا كانت مزاعم الولايات المتحدة والغرب أنّ سبب عدائهما لكوبا وجود نظام الحزب الواحد وغياب الديمقراطية، علماً أنّ الغرب يقيم علاقات مع أنظمة العائلة الواحدة وهي أقلّ ديمقراطية بكثير من نظام كوبا، فإنّ طبيعة النظام الكوبي من هذه الناحية أيضاً لم يطلها أيّ تغيير.

في ضوء كلّ هذه الوقائع يمكن الاستنتاج بوضوح أنّ من تراجع هو الولايات المتحدة وليست كوبا. منذ البداية لم تعارض كوبا إقامة علاقات طبيعية وندّية مع الولايات المتحدة، كما أنها لم تقل مرة واحدة إنها تسعى لقلب نظام الحكم في الولايات المتحدة، واشنطن هي التي سعت وجاهرت بالدعوة إلى قلب نظام الحكم في كوبا.

اليوم عندما تقرّر الولايات المتحدة إعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، ويقوم رئيس الولايات المتحدة بزيارة كوبا، ويسعى إلى تطبيع العلاقات معها، وتجاوز ما يقرب نصف قرن من القطيعة، فهذا يعني أنّ الولايات المتحدة، التي هي أكبر دولة في العالم، وبمقاييس القوة العسكرية والاقتصادية، ومستوى التأثير السياسي العالمي والإقليمي لا تضاهيها أيّ دولة أخرى في العالم، تتراجع عن مواقفها الخاطئة، في حين تتمسك كوبا في مواقفها المبدئية، وهذا التطور إنْ دلّ على شيء فإنه يدلّ على حدود قوة الدول مهما امتلكت من عناصر القوة.

لا تزال قيم الاستقلال والحفاظ على المصالح الوطنية بما ينطوي عليه ذلك من مبادئ هي أقوى بكثير من عناصر القوة إذا استخدمت هذه القوة بشكل غاشم وعلى غير وجه حق. وما آلت إليه علاقات الولايات المتحدة بكوبا تأكيد قاطع على صحة هذا القانون الموضوعي في العلاقات الدولية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى