«ثورة ثوار».. فسيفساء وكوارث

نظام مارديني

لا يمكن وصف ما تشهده سورية منذ آذار 2011 بـ «الثورة» بل بالفوضى، هكذا بكل وضوح. التي يفترض أنها بدأت بعدما أدى تراكم الإحباط والاستياء من أداء الدولة إلى ارتفاع صوت النقد السياسي شيئاً فشيئاً، ثم تطوّر هذا النقد إلى فعل احتجاجي بدءاً من تظاهرات، ولكن ولأن الأخيرة لم تلبِّ الحاجة إلى مَن دفع لهذه «الثورة» كان لا بد من استخدام السلاح وإطلاق النار على الشرطة والجيش وفتح الأبواب أمام جرذان المجارير التي جاءت من كل أصقاع الأرض لتقاتل باسم «الثورة» و»ثوارها»، خصوصاً وقد وصل عقل «الثائر»، بعد ست سنوات من انفجار «ثورته المزمعة» إلى إطلاق مشاريع متعارضة مع وحدة نسيجه المجتمعي الذي يُراد له أن يفرط كحبة المسبحة.

الأصح أن سورية تمر بالنسخة 3 المحدثة من الفوضى الخلاقة التي شهدها لبنان في نيسان 1975، كما شهدها العراق منذ نيسان 2003. فطيلة العقود الماضية عشنا في عالم افتراضي من صنع الفوضى الخلاقة بنسختها رقم 1 و 2 لقد تأسس هذا العالم على المحاصصة الاثنوطائفية في كل من لبنان والعراق التي أسلمتنا بدورها إلى حكومات فاسدة أهدرت ثروات البلاد، وحكومات فاشلة تكاد تفقد سيادتها، بل يُراد لها أن تفقد سيادتها، بسبب نفوذ خارجي، وها هي تفقد جزءاً من إقليمها الداخلي على يد تنظيمات إرهابية في عرسال والموصل وبعدها في الرقة.

ولو اقتصرت نتائج «الثوار»، على «صراخهم» من أجل الحرية والديمقراطية، لكان الأمر هيناً ومحتملاً، بالنسبة لهذا الهلال السوري الخصيب، الغني بنسيجه الاجتماعي الذي تحمّل جوع السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحصارها، وشوائبها المعروفة.

لكن هذه «الثورة» و»ثوارها الخلاقين جداً» برؤاهم «التنويرية»، أسهمت بشكل ممنهج ومدروس في ترسيخ الانقسامات المذهبية والإثنية، وأصبح الحديث عن لوبي «سني» وآخر «ماروني» و»شيعي» و»كردي»… الخ، أمراً طبيعياً في مفارقة خطيرة لمن «ثاروا» بداعي التغيير، وها هم يكرّسون مخاوف نسيجهم الاجتماعي، عبر إجراءات غير قانونية ستؤدي في حال استمرارها في انفراط العقد الحقوقي الذي سيؤدي بوحدتنا «الفسيفسائية» في دروب ملتوية مثقلة بدماء أسلافنا العنصرية، المذهبية والعرقية، المتوثبة بمشاريعها للموت والانفجار.

من المعيب، وأنا أتابع «درر» بعض مثقفي «الثوار» في أوروبا والذين يُفترض أن تكون هذه الدول الأوروبية مثالاً لهم في تطوير مناهج وعيهم وتفكيرهم لقيام أنظمة سياسية عادلة، غير أنهم، أظهروا حالة نكوص مخيفة من حيث تأكيد غرائزهم العنصرية، المذهبية ـ الطائفية منها والعرقية.. حالة نكوص نحو الانعزالية التي ارتدتنا وارتدناها، كأننا نذهب إلى المقاهي العامرة بالسموم، فالجميع ما بين نائم ومتناوم ويائس ومتيائس، ويُراد منا أن نصبح بلا أمل في القريب العاطل من العمل ولا في المستقبل المستقيل عنا.

في ظل هذا المناخ المشوَّه سياسياً واجتماعياً، الذي فُرض ورُسِّخ بشكل وبآخر، «ثوار» العالم الافتراضي، يريدون تغييب الهوية الجامعة لمصلحة الهويات الفرعية. فلم يعُد هناك من هوية وطنية، بل أفراد بهويات فرعية، مذهبية وعرقية، يقطنون وطناً اسمه الهلال السوري الخصيب.

ختاماً: أوجدت «الثورة» عنصريات فضحت أهداف تشكيلها عُصابات مدمِّرة!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى