هولاند في لبنان وسط أول تعاون سعودي – إيراني غير مباشر

روزانا رمّال

يدرك الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن لا رئيس للجمهورية في لبنان، في الوقت الذي يعلن فيه عن نيته زيارة لبنان بعد أيام، منتصف الشهر الحالي، حسب أوساط فرنسية مطلعة، ويدرك أنّ الأولوية اليوم بالنسبة لفرنسا ليست التوجه نحو ترف سياسي وخلق أدوار وحلول أو حتى لملمة نفوذ قد ضاع في الشرق الأوسط منذ ما بعد حقبة جاك شيراك واغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وإمعان الرئاسة الفرنسية بالانضواء تحت العباءة الأميركي، بالرغم من التكلفة الباهظة الثمن التي ترجمت اليوم.

لا تريد فرنسا استعراض قوتها في تقديم حلول لدول تنتظر الأزمة السورية لكي تتوضح فيها أشكال المخارج مثل لبنان، جار سورية الأصغر، لكنه الأكثر تدويلاً في هذا الإطار، وهو المقصود اليوم من قبل وفود غربية وأوروبية وأممية من دون ان تستطيع كلها تقديم الحلّ لمعضلة الرئاسة بالحدّ الأكثر ضرورة.

تتوجه المنطقة اليوم نحو التهدئة، وليس التصعيد في رؤية تبحث المنطق المشترك بين الأزمتين السورية واليمنية. فالأخيرة تحط رحالها ضمن منطق اقتسام السلطة في البلاد بين مناصري السعودية والحوثيين أنصار الله حلفاء إيران ويسلك وقف إطلاق النار الطريق ممهدا للبحث بالعملية السياسية بالكويت فتبدأ المنطقة بتفسير أول شراكة سعودية إيرانية غير مباشرة تؤكد انعكاسها على باقي الملفات مهما ازدادت تعقيداً.

وعلى أنّ التوصل إلى اتفاق نهائي على التواصل المباشر بين إيران والسعودية لحلّ الأزمات وبث انفراجات حول الاستحقاقات المترتبة في سورية والعراق ولبنان بعد اليمن غير واضحة التاريخ، تبقى الأولوية الفرنسية اليوم رفع منسوب الجهود في إطار مكافحة الإرهاب بعد التفجيرات التي دقت أبواب باريس وكانت مفصلاً في التعاطي والرؤى الفرنسية مع الأحداث في سورية، والتي أفرزت تعاوناً روسياً فرنسياً لمكافحة الإرهاب وعززت نيات فرنسية جدية لقتال الإرهاب، بعدما كانت أحد أهمّ جسوره العابرة نحو الدولة المتطرفة.

قبل تحرّك هولاند إلى بيروت والمنطقة توجه وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان إلى العراق لإجراء محادثات حول الحرب على تنظيم «داعش» و«القوى الجهادية»، معلناً من هناك أنه من «الضروري استعادة الرقة والموصل في العام الحالي». تبدو فرنسا هنا مستعجلة لحسم مصير هذا التنظيم، وبالتالي تبدو مهتمة لتكريس أرضية مجاورة ملائمة لهذا الإنجاز المنشود في فترة زمنية قياسية نسبة لما كانت تروّج له أروقة الاستخبارات ووزارة الدفاع الأميركي سابقاً، أبرزها شهادات ليون بانيتا عن أنّ «داعش» قد تبقى أكثر من 30 سنة، بينما كان الأكثر تفاؤلاً في الأوساط الأميركية يرجح القضاء عليها في عشرة أعوام.

من هنا، يفسّر اختيار هولاند الأردن ومصر بعد لبنان لاستكمال جولته.

كلام الوزير الفرنسي لودريان أعقبته إشادة بدور روسيا في العمليات العسكرية في سورية، واعتبار أنّ «موسكو قد توقفت عملياً عن قصف المعارضة السورية المعتدلة»، بالتالي فإنّ المزيد من التعقيدات يزال تدريجياً للوصول لتحرير المحافظات المتبقية الواقعة بيد «داعش» في سورية والتي تحتاج فرنسا فيها إنجازاً مثلها مثل واشنطن.

في هذا الوقت يتحدّث الرئيس هولاند عن «تكثيف الضربات ضدّ تنظيم «داعش» الإرهابي في سورية والعراق»، لكنه يتحدث أيضاً عن إمكانية اتخاذ كلّ الإجراءات اللازمة لحماية لتنفيذ المهمة، وتحديداً عن إمكانية مراجعة الدستور الفرنسي لضمان استخدام حالة الطوارئ بشكل جيد، أيّ أنّ كلّ شيء متاح أمام هذا الاستحقاق.

لا تغيب الرغبة الأميركية في كلّ هذا عن القرارات الفرنسية المتحمّسة لجهة قتال الإرهاب، ففرنسا لا تزال تترجم حتى الساعة في كلّ ما ذكر قرارات الإدارة الأميركية بشكل غير مباشر، وهي تؤكد عنوان المرحلة الأميركية في الأشهر المقبلة. وفي هذا الإطار ينسف وزير الخارجية الأميركي جون كيري توقعات أوباما وبانيتا بداية الأزمة السورية، ويؤكد بالأمس أنّ أيام «داعش» باتت معدودة في العراق وسورية.

في لبنان إذاً، لا تحتمل زيارة الرئيس الفرنسي المفترضة استباق الحدث الإقليمي الذي ينتظر نضوج تفاهم إيراني – سعودي على الحلّ في سورية، والذي من شأنه فرض الحلّ الرئاسي في لبنان، وبالتالي تنصرف فرنسا في جهودها ضمن جدول أعمال الرئيس هولاند في بيروت للاهتمام بما من شأنه تعزيز مواجهة الإرهاب ودعم الحكومة اللبنانية بكلّ ما أمكن وما من شأنه إعادة التفكير بمساعدات للجيش اللبناني، فقلق فرنسا من عدم حسم معركة عرسال حتى الساعة مطروح بشكل كبير لما لتدهور الأوضاع في لبنان وفتح جبهة فيه من مخاطر على أوروبا، بعد كلّ المخاوف الفرنسية من نزوح الإرهاب الواقع ضمن منافذ بحرية إليها.

لا يحمل الرئيس الفرنسي أيّ جديد للبنانيين لجهة حسم الملف الرئاسي، لكنه قادر على لعب دور مؤجّل يمكن لزيارة هولاند أن تشكل فكرة استطلاعية بشأنه، هذا إذا أرادت فرنسا استعادة دورها الضائع في لبنان أو مشاركته مع روسيا التي تتقاسم معها اليوم رفع اولوية مكافحة الإرهاب.

وسط كلّ ذلك يبقى الأمل في إدراج السعودية ضمن منطق الانضواء «المستجدّ»، تحت عنوان مكافحة «داعش» من البوابة اللبنانية ممكناً، إذا تمّ وضع ملف الهبة المخصصة للجيش مجدداً على طاولة البحث عبر الفرنسيين.

استثمار لبنان للعلاقة الجيدة بين الفرنسيين والسعوديين لا يقتصر على مساعدة الجيش بل قادر أن ينسحب على وساطة فرنسية بين إيران والسعودية حول الملف الرئاسي في الأشهر التي تلحق وضوح حسم العملية السياسية في سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى