الرئيس الأميركي الذي صرف نصف ولايته على «فكرة» وتراجع

روزانا رمّال

بالحديث عن الحل السياسي المفترض ان يسلك طريقه نحو الشرق الاوسط بمهمات باتت محكومة بالاتفاق على الحد من نفوذ التنظيم الإرهابي داعش وغيره من الجماعات الإرهابية التكفيرية إذا حصل اتفاق واضح على تصنيفها غربياً ضمن لوائح الإرهاب ومحكومة ايضاً ببدء الانتخابات الرئاسية الأميركية وما يعني هذا من تجميد قدرات الرئيس الأميركي على تقديم أي جديد في مجال حل الملفات العالقة بعد تشرين الثاني المقبل عملياً فيصبح «الوقت» هو اللاعب الأبرز الذي يحسم التوصل إلى حلول جدية.

لم يعد الرئيس الأميركي قادراً على شراء الوقت الذي كان قادراً على منحه لحلفائه الغربيين والعرب حجة لتقديم رؤيتهم لسوريا الجديدة من دون الرئيس بشار الاسد، وذلك عبر اقتراحات عملية نفذت على الأرض السورية بين مساعي شق الدولة من مسؤولين وعسكريين وإنشاء جبهة تواجه الأسد بكل ما من شأنه إضعافه حتى السقوط الكامل لنظامه، فكانت تركيا والسعودية أكثر الاطراف مطالبة بالمزيد من الثقة والدعم الاميركيين حتى ان واشنطن كانت قد حوكمت اكثر من مرة بتلبية رغبات المتورطين بالأزمة، حفاظاً منها على وضعهم السياسي في بلادهم وتماسكهم بوجه الهجمات الشعبية، مثل تلك التي حصلت في تركيا وكادت أن تهدد اردوغان اكثر من مرة بسحب البساط من تحته بالانتخابات النيابية الأخيرة، وهي التي شهدت دورتين أكدت اولها عجزه عن تشكيل حكومة ما استدعى طوارئ أميركية تثبت أقدام اردوغان بالحكم في ما يشبه تجييراً لحلفاء واشنطن في انقرة مع اتحادات او كتل شعبية الأصوات لأردوغان فعاد إلى الحكم. انتظرت واشنطن ايضاً مرحلة ما بعد وفاة الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز وقدمت الحكم الجديد على أساس انه نظام حليف يستكمل ما كانت قد بدأته معه في حياة الملك عبدالله.

استكملت واشنطن لملمة النظام الحاكم السعودي بعد وفاة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية المخضرم الذي قاد الحرب على الاسد بما لم يكن ممكناً لمسؤول سعودي قيادته في تعبير عن انخراط كبير في مهمة التخلص من الاسد مهما كان الثمن، مكلفاً وهذا كله صرف أكثر من خمس سنوات من التكاليف المالية والمعنوية.

أمضى أوباما نصف ولايته عملياً وهو يعمل على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، حتى بات ذلك غير ممكن في ظل إجهاز إدارته على الرحيل وبات الفريق الذي قدم للرئيس الأميركي كل ما يمكن ان يعتبر مخرجاً او حلاً يسقط الاسد او احد حلفائه في فخ يصبح ممراً لسقوط البقية محسوماً بالفشل. وهنا كشف اوباما في ما يعتبر أهم ما صدر عنه من وثيقة تكشف حقائق المرحلة هذه بعقيدة اوباما التي أجراها مع الصحافي «الأميركي الإسرائيلي» جيفري غولدبرغ لجريدة إتلانتيك معه عما وقعت فيه إدارته من رشى وإغراءات جيرتها لتمرير مصالح خاصة كان يتعرض اوباما على اساسها لضغوط لقصف سوريا والتدخل العسكري المباشر والتخلص من الاسد في ما اسماهم «المستشارين». وعبّر عن فرحه من انه لم يخضع لتلك الضغوط رغم دقتها.

ليس سهلاً أن يصرف الرئيس الأميركي اكثر من نصف ولايته على فكرة التخلص من أمر ما أكان رئيساً او مشروعاً او غيره مما كان ممكناً أن يقدم للرأي العام الأميركي حتى ضعفت الحجة امام هول تداعياتها، فإسقاط الرئيس الاسد لم يعد مادة مقنعة للأميركيين الذي باتوا ينظرون إلى الخطر المقبل من جهة الجماعات التكفيرية وليس من الرئيس السوري الذي بدا حليفا للروس وبدا يقاتل معهم في نفس ميادين القتال بوجه داعش.

جاء التحالف الروسي السوري على أرض المعركة ليكسر ما كان التحالف الإيراني السوري منفرداً قد أرخاه من تطرف لجهة امتداد ديني او داعم لقوى الإرهاب المتمثلة بحزب الله وغيره من قوى المقاومة بالحساب الأميركي حتى نجح بوتين في سحب الاصطفاف الدولي تدريجياً من بين القوى الغربية الكبرى التي كانت تتسلح بما يشكله الاسد من عزلة وتطرف داخلي وخارجي.

يخرج اليوم الناطق باسم البيت الأبيض جوش أرنست لينفي فكرة أن يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما خطط لإسقاط الحكومة السورية» أي الدولة والسلطات السورية، قائلاً إنه «ليس على علم بأن واشنطن كانت يوماً قريبة من تبني سيناريو استخدام القوة العسكرية لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتأكيد لم يؤكد أوباما يوماً هذا السيناريو».

يؤكد البيت الأبيض على تراجع الرئيس الأميركي عن فكرة إسقاط الرئيس السوري بالقوة، لكنه يؤكد أيضاً للحلفاء على ضرورة الابتعاد عن هذه الفكرة التي أصبحت محسومة عند إدارته حتى عند أكثر من طالبوه باستخدام الآلة العسكرية ضد الأسد وهو وزير خارجيته جون كيري كما كشف في «عقيدة اوباما»، حيث ضمّه للمستشارين الذين ضغطوا بشتى الوسائل. هؤلاء المستشارين الذين كانوا على موعد مع إغراءات خليجية عند كل استحقاق يدركون اليوم ضعف هذه القوى واقترابها من الأزمات المالية المعقدة، ويدركون ايضا ان الخليج يتوجه نحو افق جديد بعد توقيع الاتفاق النووي مع طهران حتى ان اكثر المرشحين الرئاسيين تشدداً بخصوص الاتفاق، مثل هيلاري كلينتون ودونالد ترامب غير قادرين على نسف الاتفاق، خصوصا ترامب رجل الاعمال النافذ الذي يجد في الانفتاح الاقتصادي على إيران مساحة هامة للتعاون مستقبلاً والذي وعد مئات آلاف الشبان الأميركيين بتخليصهم من كابوس البطالة في أول مهامه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى