كيف تنظر «إسرائيل» إلى موضوع جزيرتَيْ صنافير وتيران؟

شارل أبي نادر

من الطبيعي أنّ «إسرائيل» لم تهضم أبداً الواقعة التي حدثت أواخر شباط من العام الحالي في مجلس الشعب المصري حين أقدم النائب كمال أحمد على ضرب زميله توفيق عكاشة بحذائه بسبب استقبال الأخير في منزله السفير «الإسرائيلي» في مصر، وحيث أردف النائب الضارب فعلته بكلام في غاية الأهمية عندما قال بالحرف: «عبّرت عن رأي الشعب المصري، وهذا الحذاء ليس على رأس عكاشة ووجهه فحسب، لكن على الكنيست والكيان الصهيوني».

أيضاً لم تهضم الولايات المتحدة الأميركية أبداً ومن خلفها «إسرائيل»، ما حدث حول قيام وحدات من البحرية الإيرانية بتوقيف بحّارة أميركيين شمال مضيق هرمز كانوا قد خالفوا القوانين الدولية وقوانين البحار ودخلوا المياه الإقليمية الإيرانية، حيث تمّ توزيع صور لهم راكعين على ظهر مركبهم البحري العسكري يخضعون للتفتيش من قبل البحّارة الإيرانيين، كما ولم يكن مرحّباً فيه في «إسرائيل» أكثر من الولايات المتحدة الأميركية طريقة تعامل السلطات الرسمية العسكرية والحكومية الإيرانية حيال الحادثة بإظهار الحزم والثقة والاحترام الواضح للسيادة الإيرانية.

قد لا يكون في الظاهر للحادثتين أية علاقة مباشرة، حيث تختلفان في الوقائع والتواريخ وفي العناصر وفي أمور كثيرة، ولكن يمكننا إجراء عملية ربط بين الحادثتين وذلك على خلفية تحليل حيثيات ووقائع قيام مصر بتسليم المملكة العربية السعودية الوديعة التاريخية جزيرتي تيران وصنافير ، حسب المستندات التي ظهرت للإعلام حول المراسلات الرسمية بين الدولتين، والتي ترافقت مع حروب مصر بمواجهة «إسرائيل» سابقاً وبعدها إثر توقيع «اتفاق السلم» بينهما كامب ديفيد .

في الحقيقة، أظهرت «إسرائيل» في البداية دلعاً وغنجاً حول الموضوع، حيث أوحت حكومتها ووسائلها الإعلامية أنها سوف تدرس الموضوع، حيث قد لا يكون ذلك من مصلحة الأمن القومي «الإسرائيلي»، وهي ستتابعه مع مصر مباشرة أو من خلال الولايات المتحدة الأميركية والتي رعت اتفاق «كامب ديفيد»، وستتابع الموضوع أيضاً مع الأمم المتحدة ضامنة الاتفاق المذكور وبنوده الملزمة بشكل عام، أو في ما يتعلق بالتدابير الخاصة بالجزيرتين بشكل خاص، ليلاقيها من جهة اخرى وعلى الأقلّ عبر الإعلام في الظاهر، وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بتصريح يطمئننا فيه أنّ المملكة لن تتصرّف الا بما يؤمّن تقيّد مصر والتزامها بتدابير وإجراءات الاتفاق مع «إسرائيل»، ولن يغيّر استبدال سيادة مصر بسيادة المملكة على الجزر شيئاً حول ذلك، وقد تبيّن لاحقاً، ومن خلال التصريحات الرسمية «الإسرائيلية»، أنّ «إسرائيل» كانت على علم مسبق بعملية استعادة سيادة المملكة على الجزيرتين، كما يمكن الاستنتاج ومن خلال معطيات ووقائع متعدّدة انّ القرار المصري السعودي غير بعيد عن إرادتها وهي داعم أساسي له ومستفيد اول منه وذلك من خلال ما يلي:

لقد عبّر النائب المصري كمال أحمد، وكان صائباً وصريحاً في ذلك، بكلامه الذي أرفقه برمي الحذاء على زميله بأنّ الشعب المصري لم ولن يندمج بفكرة «اتفاق السلام» مع «إسرائيل». وهذا الأمر أصبح واضحاً ومعلوماً في أغلب الأوساط الرسمية المصرية و»الإسرائيلية» وأيضاً في الأوساط الشعبية في مصر ولدى كيان العدو الصهيوني، ولذلك ترى «إسرائيل» بأنّ النظام السعودي دون الشعب السعودي طبعاً، حيث لا رأي أو قرار للأخير في ذلك هو ضامن لأمنها أكثر من الشعب والسلطة والجيش في مصر، وحيث لا مجال للشك في أنّ للشعب المصري كلمة فاعلة ورأياً مؤثراً على قرار سلطته، وتجارب الثورات الأخيرة في مصر تثبت ذلك، الأمر غير المتوفر أو غير الوارد، أقله في المدى المنظور، في المملكة العربية السعودية.

– لقد رأت «إسرائيل» في سيادة المملكة على الجزيرتين بدلاً من مصر، مصلحة استراتيجية وعملانية لها، وذلك امتداداً للتفاهم الضمني أو السري مع الأولى، والذي تجلّى في الحرب على اليمن من خلال مساعدة طيران التحالف السعودي رصداً واستعلاماً وإدارة لمنظومة الحرب الجوية، حيث لـ»إسرائيل» خبرة مميّزة تراكمت تاريخياً في استهداف الأطفال والبنى التحتية، والذي تجلّى أيضاً في حربها على سورية، حيث لعبت دور «الأمّ الحنون» لمسلحي «جبهة النصرة» وغيرها من الفصائل المتشدّدة في معارك هؤلاء ضدّ الجيش والدولة في الجنوب السوري، ففتحت معابرها لدخول أسلحتهم وعتادهم ومستشفياتها لمعالجة المصابين منهم، وكلّ هذا التنسيق الضمني والمشترك لن يكون مضموناً حصوله مع مصر بالتأكيد.

– تنظر «إسرائيل» دائماً بعين القلق إلى النفوذ الإيراني العسكري بشكل عام والبحري بشكل خاص في البحار والمحيطات الحاضنة لأهمّ الممرات المائية الاستراتيجية والحيوية ما بين قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز، وحادثة توقيف البحّارة الأميركيين والمعبّرة عن الجدية الإيرانية في احترام سيادتها وحضورها الإقليمي، والمناورات الإيرانية البحرية التي تنفذها دائماً الجمهورية الإسلامية الإيرانية تزيد وتعزز هذا القلق، ولذلك ستجد «إسرائيل» في قواعد عسكرية غربية محتملة، حيث ستكون بالتأكيد معادية لإيران، في جزيرتي تيران وصنافير على مدخل العقبة وفي نقطة وسيطة بين الممرات المائية المذكورة، ضرورة حيوية جداً لأمنها القومي والاستراتيجي، وهذا يمكن تأمينه بطريقة أسهل وأضمن في سيطرة المملكة على الجزيرتين، حيث تفتح الأخيرة أكثر من قاعدة لوحدات عسكرية غربية على أراضيها، الأمر غير المتوفر في مصر حالياً، كما ترتاح «إسرائيل» للتوتر في العلاقات بين المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث العلاقات الدبلوماسية مقطوعة، وحيث تعتبر وهي مصيبة في ذلك بأنّ المملكة لن تضيّع أية فرصة للضغط على إيران أو لتحدّيها وإظهار العداء لها، وهذا يمكن أن توفره الجزر المذكورة عند أول مناسبة في مواجهة الأخيرة.

قد لا تكون مصر بعيدة عن هذه الاستراتيجية المذكورة حول جزيرتي تيران وصنافير وانتقال السيطرة عليها الى المملكة العربية السعودية، وقد تكون مصر استفادت في ذلك من الناحية المادية، حيث تعاني أزمات مالية ليست ببسيطة على خلفيات متعدّدة أولها ما يتعرّض له قطاعها السياحي من انهيار بسبب الإرهاب الذي يضربها، ولكن تبقى فكرة ارتياح العدو «الإسرائيلي» لسيطرة المملكة على الجزر المذكورة بدلاً من سيطرة مصر تشكل شهادة قومية تسجل لمصلحة مصر عبد الناصر ومصر العروبة، وتشكل من ناحية أخرى نقطة إدانة وشك تسجل على المملكة العربية السعودية.

عميد متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى