أنقرة وواشنطن تنسّقان بعد ردم الخلافات

د. هدى رزق

تعتبر تركيا انها قد وفت بوعدها للاتحاد الاوروبي وخفّضت عدد اللاجئين السوريين غير الشرعيين الى اوروبا، عملاً بالاتفاق مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، وهي تعمل على انجاز المواصفات التي طلبها الاتحاد الاوروبي من اجل السماح للاتراك بالدخول الى بلدانه من دون تأشيرة.

ترى رئاسة الحكومة التركية انها ستتمكن من إنجاز هذه المواصفات ـ الشروط في المدة المحددة، ايّ 4 أيار، أملا بأن يعزز هذا الأمر الثقة بين الطرفين. وجاء تأكيد كلّ من الرئيس أردوغان ورئيس وزرائه احمد داوود اوغلو على علمانية الدولة كردّ على تصريح رئيس البرلمان التركي اسماعيل كهرمان ـ وهو من حزب العدالة والتنمية الحاكم ـ الذي دعا الى «أسلمة الدستور التركي» بما يطمئن شكوك الاتحاد الاوروبي حول المنحى الاسلامي الايديولوجي لحكام تركيا.

تشجع الولايات المتحدة كلّا من تركيا والاتحاد الاوروبي على بناء الثقة، كما أنها عملت وما زالت على تشجيع المحادثات التركية «الإسرائيلية» والتطبيع بين البلدين، فأردوغان صرّح أثناء زيارته كرواتيا انّ حالة الحظر المفروضة على قطاع غزة قد تُحَلُّ حيث سيتمّ إرساء محطة عائمة لتوليد الكهرباء وهي تركية ـ ألمانية في ميناء اشدود «الاسرائيلي» لإمداد غزة بالكهرباء. يبدو ان هذا أقصى ما توصل اليه الاتفاق مع «الاسرائيليين» بشأن تخفيف الحصار عن القطاع الذي تشترطه تركيا من أجل إعادة العلاقة مع «إسرائيل»، فيما بدأت تثمر جهود جو بايدن من أجل دفع العلاقات القبرصية التركية قدماً، حيث تراهن جميع الاطراف على إعادة توحيد الجزيرة والخروج من المحادثات الجارية برعاية الأمم المتحدة بنتائج مريحة لكلّ الاطراف. فإذا تمّ الاتفاق سيكون إنجازاً في السلام والاستقرار والتجارة في شرق البحر المتوسط للفرقاء، لا سيما إذا ما نظرنا لمسألة حقول الغاز قبالة السواحل القبرصية و»الاسرائيلية» ودور تركيا الحيوي فيها كمصدر للغاز، مما يعطي دفعاً للعلاقات التركية الاوروبية.

يبقى انّ قبرص اليونانية ما زالت تعترض على خمسة فصول من اجل التفاوض مع تركيا، اثنان منها تشكلان مطلباً تركياً داخلياً وهي الاصلاحات القضائية والحقوق والحريات. ويسعى احمد داوود اوغلو الى النجاح في إنجاز هذه المحادثات بحيث ستمكنه من تمتين نفوذه في الداخل والخارج اذا لم يواجه عرقلة ما.

وكانت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل قد دعت الى انشاء منطقة عازلة من اجل استيعاب اللاجئين السوريين داخل الاراضي السورية اثناء زيارتها الاخيرة لتفقد اللاجئين في تركيا، مع العلم أنها تعلم انّ روسيا والصين لن تقبلا بالأمر، لكن يبدو انها حاولت ارضاء اوغلو واردوغان بهذا الطرح الذي لاقاه اوباما بعد لقائه ميركل بالرفض، واعتبر أنّ الفكرة جيدة لكنها صعبة التطبيق.

حاولت تركيا التأكيد على ضرورة إنشاء هذه المنطقة بعدما اطلقت القوات العسكرية التركية النار على سوريين حاولوا اجتياز الحدود التركية آتين من سورية اثر القصف الذي تعرّضت له مناطقهم، فيما اعتبر الأمر رسالة الى الدول الاوروبية بضرورة تبنّي المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية مما قد يساهم في الحدّ من لجوء السوريين الى تركيا ومن ثمّ إلى أوروبا. هو جرس إنذار بأنّ تركيا لن تقبل بعد اليوم ان تكون ملجأ للسوريين من دون أخذ مصالحها بعين الاعتبار.. تعلم ميركل انّ حماية اللاجئين في المنطقة العازلة بحاجة الى قوة عسكرية. وانّ لروسيا قاعدتين عسكريتين في سورية وبأنها تساند الجيش السوري الذي يتعرّض للقصف من «داعش» والفصائل المدعومة من تركيا.

لكن تركيا تشتكي اليوم من تعرّض منطقة كيليس للقصف بالكاتيوشا من جراء المعارك التي تجري بين «داعش» وبين الفصائل المسلحة التي تدعمها، وهي بذلك تحاول التملص من تهمة دعم «داعش»، ويؤكد محللون اتراك انّ داعش لو ارادت فعلاً ان تؤذي تركيا لكانت قامت بعدد كبير من العمليات الانتحارية في الداخل او تفجيرات في معظم الأماكن السياحية وعطلت الحياة المدنية فيها. بينما هي استفادت من تركيا لوجستياً وتجارياً، فما الذي يمكن ان تجنيه من قصف كيليس؟ فالأمر لا يتعدّى اصابة منطقة كيليس بالخطأ من جراء القتال بين المسلحين..

في هذا الإطار، أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاويش اوغلو انّ أنقرة وواشنطن قد توصّلتا الى اتفاق بشأن نشر قاذفات الصواريخ المتعدّدة الاميركية «هيمرز» على الحدود التركية السورية في شهر أيار/مايو المقبل لقتال «داعش»، وأورد اثناء زيارته للسعودية انّ هدف تركيا الاساسي هو تطهير منطقة منبج السورية الحدودية التي تمتد الى 98 كلم من عناصر «داعش» وإنشاء منطقة عازلة.

تطمح تركيا لوضع يدها على المنطقة الممتدّة من اعزاز الى جرابلس وبذلك تكون قد فصلت بين مناطق الاكراد ومنعتهم من توحيد الكانتون الكردي. وكانت وزارة الدفاع الاميركية قد اكدت انها ستنشر قاذفات الصواريخ المتعددة من طراز «هيمرز» في تركيا والعراق في اطار محاربة تنظيم داعش، ويبلغ مدى هذه الصواريخ الاميركية 90 كلم. وكانت موسكو قد اعربت عن قلقها من عمليات دائمة العبور لمسلحين من تركيا الى الاراضي السورية للانضمام الى صفوف التنظيمات الناشطة في سورية، وحثت الولايات المتحدة على اقناع حليفتها تركيا بإغلاق الحدود او نشر مراقبين دوليين، لكن تركيا ردّت على لسان سفيرها في موسكو انّ بلاده لا ترى ضرورة لذلك، وانّ هذه المسألة ليست على الأجندة التركية.

يبدو التطور العسكري الأميركي مفاجئاً، وهو يطرح تساؤلات حول مستقبل النزاع الدائر في سورية، فقرار واشنطن إرسال 250 جندي اميركي اضافة الى 50 جنديا كمستشارين للقوات الكردية في سورية، له علاقة بالسباق إلى تحرير الرقة ودير الزور من «داعش»، حيث تجري القوات المسلحة السورية الإعداد لعمليات هجومية لاحقة باتجاه دير الزور والرقة هي ايضاً بدعم من القوات الجوية الروسية. وفيما لم تحصل موسكو على تأكيد انضمام «أحرار الشام» و»جيش الإسلام» إلى نظام وقف إطلاق النار ترى بانهما انْ ارادا «البحث جدياً عن تسوية سياسية في سورية فيجب أن يغيّرا مواقفهما راديكالياً، وإلا فهي ستعتبرهما جزءاً من «النصرة» و»داعش».

يبدو انّ تركيا قد توصلت مع الولايات المتحدة الى اعتبار المجموعات المدعومة من قبلها بمثابة قوى معتدلة تقاتل «داعش» مما يخدم المشروع الاميركي الذي يحاول دمج هذه المجموعات مع «الجيش الحر» وقوات سورية الديمقراطية بالإضافة طبعاً الى الأكراد لتشكيل جيش موحد يقاتل ضدّ «داعش» فهل سينجح هذا الأمر؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى