خطاب مقلق لسعد الحريري

ناصر قنديل

– خطاب الرئيس سعد الحريري من جدة جاء مقلقاً ودون مستوى المرحلة ودون التحديات والتطلعات بحدها الأدنى الذي رسمه سلوك النائب وليد جنبلاط ومواقفه، لا بل دون مستوى الكلام الرصين الذي تضمنه بيان الحكومة وتلاه رئيسها تمام سلام، وقيل أن البصمة الرئيسية فيه كانت لوزير الداخلية نهاد المشنوق.

– السؤال الرئيسي، كي يستقيم مقياس التقييم، هو هل كانت ثمة خشية لدى أحد من أن يخرج الحريري بدعوة الوقوف مع داعش ضد الجيش اللبناني، أو على الحياد بينهما، بينما النظام السعودي يصنّف داعش تنظيماً إرهابياً محظوراً ومهدور الدم، ويلتزم بهبة ثلاثة مليارات لحساب الجيش اللبناني، والأميركي والفرنسي يعلنان دعم الجيش اللبناني في مواجهة داعش ويعتبران خطر داعش تهديداً للأمن الإقليمي؟

– كلام الحريري مع الجيش لا قيمة له في الحقيقة، لأنّ القضية كانت أولاً وأخيراً في الخطاب السياسي هي تحديد الأولوية، لمواجهة خطر الإرهاب وتكوين أوسع جبهة داخلية متماسكة بوجه الفتنة من وراء الجيش، أم تحقيق المكاسب الفئوية بخطاب مذهبي يشدّ العصب الضيق ويسترضيه ويثير غرائزه، ويترك الأحقاد تبني مزاجاً سريع العطب يمكن توظيفه واستخدامه في المعارك الداخلية والإقليمية، على رغم مخاطر أن يستثمر الإرهاب ويستفيد من هذا الخطاب وهذه الإنقسامات، كما كانت الحال دائماً؟

– قيمة خطاب جنبلاط وبيان الحكومة ليست بدعم الجيش، بل لأنهما رفضا الخنوع لمعادلة لا لداعش لكن حزب الله هو المسؤول، لأن طرفي هذه المعادلة هما نصفان ينسف كل منهما الآخر فتصير المواقف بلا قيمة، فرفضا الدخول في ربط الكلام عن داعش بالتهجم على سورية، أو حزب الله، والتزما بالتالي اعتبار المعركة لا تتسع لمثل هذا الترف الحاقد أو الحقد المترف.

– الحريري تصرف دون مستوى السياسة، عندما استثمر في متن نصه المكتوب مناسبة التعالي على اللبنانيين بمال النظام السعودي، ليطلق مواقف لا تليق بحجم مسؤوليته في لحظة مأسوية يحتاج اللبنانيون فيها الشعور بكبر رجال السياسة عندهم، وقدرتهم على محاولة التصرف كرجال دولة ولو في الملمات.

– كلام الحريري هو جمع مقيت لكلام الحكومة مع كلام ثلاثي التوتير الضاهر المرعبي كبارة وحركة هيئة العلماء المسلمين ومفتي البقاع، لمواكبة عمل داعش التفجيري، بالقول إن الغطاء المذهبي لمعركة الجيش ضد المكون الإرهابي الذي يمثله داعش مشروط بالتعبئة التحريضية المتواصلة على سورية وحزب الله، ولكن أيضاً باستنهاض شارع مذهبي يتهم حزب الله بالاعتداء على عرسال ومحاصرتها، والغمز من مشروع إقليمي يقصد به إيران وإستطراداً حزب الله باعتباره الخطر الأساس، بينما داعش خطر عابر، والخلاصة هي، يا جيش لبنان هذا المال يكفيك، لكن لا مكان لاعتبار المعركة مع داعش مبرراً للتعاون مع الجيش السوري أو التنسيق مع حزب الله، فهما يبقيان الخصم الأول والأخير، وما سيترتب على ذلك من كلام لم يقله الحريري، وهو لقائد الجيش بين السطور، معركة نهر البارد صنعت من ميشال سليمان رئيساً لأنه اشتغل معنا أو عندنا، فليست معركة عرسال ما يصنع منك رئيساً، تحت عنوان الإجماع اللبناني حول الجيش، ما دمت لا تشتغل عندنا.

– معادلة الحريري تقوم على القول: «إن ظهور داعش يحرجنا لأننا أنكرنا خطر الإرهاب خلال ثلاث سنوات لكن لن يرف لنا جفن وسنبقى نعتبر أن حزب الله هو الخصم الرئيسي»، وما يعنيه ذلك من غطاء ضمني لداعش ولهيئة العلماء المسلمين التي بدت كأنها الجناح السياسي لداعش مثل هيئة العشائر في العراق.

– قطع الطرقات والخطاب التحريضي والوساطة والعمل العسكري لداعش عناوين أخبارية، لكنها عناوين تكامل غرفة عمليات بندر بن سلطان، وقضية بندر الرئاسية في لبنان لا تزال تحت عنوان لا للعماد جان قهوجي.

– أما في المضمون السياسي لكلام الحريري، فيكفينا القول إنه عندما يجيب الحريري عن أسباب ما يجري في ليبيا سنناقش موقفه من حزب الله وسورية، فهل هناك يشارك حزب الله وهناك النظام السوري؟

– الحقد أسوأ موجه في السياسة، كلمة قالها بسمارك منذ زمن وهي موجهة اليوم للنظام السعودي، بمناسبة كلام الحريري.

– قال الرئيس الراحل رفيق الحريري ذات يوم، إن هزيمة حزب الله في بيروت انتخابياً، أو هزيمة سورية في لبنان سياسياً، يعنيان إلغاء التاريخ العربي والمقاوم لبيروت ولبنان، كما يعنيان منح إسرائيل نصراً مجانياً، وليس رفيق الحريري من يفعل ذلك.

– سعد الحريري فعلها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى