مخطط تفتيت الدولة المصرية بدأ بـ«الرئيس المؤمن»… ومبارك أطعم المصريين من القمامة «الإخوان المسلمون» ينفّذون مخطط ما بعد وعد بلفور… والمشير السيسي يكمل ما بدأه عبد الناصر

حاورها: ماجدي البسيوني

تحدثك عن هموم الوطن والمواطن، فيصغي عقلك وقلبك إلى امرأة مصرية من طراز رفيع. تفتح نافذة على التاريخ لإجراء مقاربات نادرة لماض، لقراءة المستقبل. تجذبك ببساطتها وتلقائيتها المعهودة.


إنها فريدة الشوباشي، الكاتبة السياسية والمناضلة، إبنة الطبقة المعدمة التي تفخر بأنها سليلة أمجاد ثورة يوليو العظيمة، وخصم عنيد لما حدث بعدها من ثورة مضادة قادها السادات ومبارك واستكملها «الإخوان».

تتفاءل اليوم خيراً بالآتي، خاصة إذا كان من ترشحه دورة التاريخ بقوة ليكون رئيساً هو المشير السيسي. استأنفت دراستها للقانون ووضعت الجميع في ميزان عدالتها الحساس. نحاورها لمعرفة حيثيات حكمها المطمئن إلى ماضي مصر وحاضرها ومستقبلها، وسط الغبار المتراكم والتحديات والمؤامرات.

بعد ثورة 30 يونيو، كيف تقرأين واقع مصر وسط محيطها وعالمها اليوم؟

ـ إن أعظم عبارة بلورتها ثورة 30 يونيو ولخصها السيسي هي «لن تعلو إرادة فوق الإرادة المصرية». إنها مفتاح مستقبل المنطقة والعالم. مصر دولة مركزية، لا تحدد مصيرها ومصير الإقليم فحسب، بل مصير العالم. طغت أميركا واستخدمت أحقر الوسائل والأدوات لتحقيق مصالحها ولكي لا تقوم للمنطقة قائمة إلى الأبد. استخدمت الدين مستغلة أكبر نسبة أمية في العالم وغياب الانفتاح والأنظمة المستبدة والعفنة التي ساندتها واشنطن لأكثر من أربعين عاماً بعد وفاة الزعيم الراحل عبد الناصر، حين قالت لن نسمح بظهور ناصر آخر.

كيف؟

ـ حدث تراكم للصدأ وانسحبت الدولة المصرية التي عرفها جيلي في الستينات. تم تخريب العقل والوجدان المصري، وتركت المدارس تلعب في عقول الطلاب وتشوّهها وتنشئ أجيالاً بلا ولاء للوطن، وللمرة الأولى نشهد حرق العلم في ميدان التحرير، وثمة من جاهر بلا حياء أو خجل برفض الوقوف احتراماً للسلام الجمهوري، فضلاً عن ظهور أعلام أخرى لـ«القاعدة» والسعودية، وهذه بلا ريب ألاعيب أميركية وصهيونية.

إنها إذن فاتورة لجرائم ثلاثة أنظمة سابقة؟

ـ منذ رحيل عبد الناصر وتولي السادات السلطة بدأ ما سمي بـ«الانفتاح» وظهرت آفتان اجتماعيتان خطيرتان، الأولى هي الأمية التي مهدت الطريق لإعادة ظهور «الإخوان» والجماعات المتاجرة بالدين الإسلامي، أما الثانية فهي الفقر الذي وصل بالصوت الانتخابي إلى ثمن بخس الزيت والسكر . وتطور الانفتاح في عصر السادات بلوغاً إلى الخصخصة في عصر مبارك، وخُرّبت الصناعة بإملاءات من صندوق النقد والبنك الدوليين. وبعد ثورة 25 يناير تم تحويل الانتخابات إلى تصويت على الجنة والنار، وهي سابقة لم تشهدها مصر في تاريخها. أؤكد أن مصر كانت قبل السادات جوهرة التاج لأمتها. كانت هناك دولة قوية وتخطيط، إل أن وصلت الحال بالمصريين إلى الهجرة إلى الخليج كي يعاملوا مثل حشرات أو يموتوا على الشواطئ الأوروبية في الهجرة غير الشرعية.

لو كنت وكيلة نيابة تترافعين عن الشعب ضد نظامي مبارك، ماذا كنت لتقولي في مذكرة المرافعة؟

ـ لقلت إن نظام مبارك من أكثر الأنظمة إجراماً وخيانة في حق مصر، فهو الذي مهد الطريق لحكم «الإخوان». هذا النظام أكمل مسيرة السادات بانسحاب الدولة تماماً وتكرار مبارك عبارة «إجيبلكم منين» كأنها عزبة شخصية. بالنسبة إليّ وإلى جيلي، المأساة الأشدّ إيلاماً هي أن هناك مصريين يأكلون من القمامة، وآخرون يعيش كل أصبع من أصابعهم في قصر. أكمل مبارك مسيرة التخريب التي بدأت في عصر السادات بتفتيت الدولة. بدأها السادات بالحديث عن «رئيس مسلم لدولة مسلمة» أو «لقب الرئيس المؤمن».

تلك كانت بذرة الطائفية؟

ـ التفتيت والطائفية وإخراج «الإخوان المسلمين» من السجون، ليكتمل سيناريو المخطط الصهيو ـ أميركي. نذكر أنه كان في مقابل وعد بلفور عام 1917 الذي أسس للكيان الصهيوني، كان هناك وعد آخر بمنع مصر من التمدد شرقاً وعدم تكرار تجربة محمد علي باشا. لم ينشأ الكيان الصهيوني ضد أي جهة أو دولة أو قطر إلاّ ضد مصر، لتكون «إسرائيل» شوكة في ظهر مصر وتبقى سجينة حدودها الغربية واضطرابات الجنوب في السودان والأسطول السادس في البحر الأبيض المتوسط.

ماذا بعد بلفور؟

ـ بدأ مخطط قلب الموازين من خلال إنشاء جماعة «الإخوان المسلمين» وتشجيع الحركة الوهابية لتفكيك المنطقة وتشجيعها على الخروج من دائرة الصراع على أرض إلى دائرة الصراع على أفكار وأديان ومذاهب، فكان التفتيش في النوايا والعقائد وتحديد درجة الإيمان بين الأخ المؤمن والأخ منقوص الإيمان. ثم عاد الغرب إلى استخدام «الإخوان» بعد ثورة 23 يوليو 1952 بعمليات التخريب، ولا بد من النظر إلى اسم حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تغلب فيها أي إشارة إلى العروبة أو فلسطين، ما يدل على غياب فكرة الأرض. ونجد «أنصار بيت المقدس» تفجر محافظة الدقهلية.

هذا بالنسبة إلى مذكرة النيابة التي كنت لتصدريها في حق نظام مبارك وامتداداته التاريخية، هل تختلف هذه المذكرة لو كانت ضد مرسي وجماعته ونظامهم؟

ـ ارتكبوا أكبر إساءة إلى الإسلام، وأحدثوا فزعاً في مصر والعالم العربي من خطورة احتكار الدين. ورغم أنهم نتاج نظام مبارك والسادات والظلم والقهر والاستبداد والفساد الذي استشرى في مصر، ورغم ادعاءاتهم بالظلم وبأنهم «شهداء» و«بتوع ربنا»، إلا أنه تبين أنهم أسوأ من جماعة مبارك، فالفاسد في عصر مبارك لم يكن يدعي أنه «بتاع ربنا»، أما الفاسد بين هؤلاء فيطالبنا بأن نشكره على فساده.

البعض يحاول تصوير الانتخابات المقبلة بأنها معركة بين الرئيس المدني وأنصار السيسي القادم من الجيش الوطني المصري.

ـ هذا التقسيم يتلاءم تماماً مع المخطط الأميركي الحقير الذي يهدف إلى إبادة جميع الجيوش العربية وكل من يشكك في الجيش المصري لا يحق له أن يكون ناصرياً فجمال عبد الناصر هو ابن الجيش المصري. أنا ابنة طبقة معدمة ولولا ثورة 23 يوليو ما كنت لأتعلّم أو ألتحق بعمل من دون واسطة. أي امرئ يتعرض بكلمة للجيش أعتبره في مستوى العدو الصهيوني أو أكثر، فهذا العدو معلن. انحاز الجيش المصري إلى إرادة 35 مليون مواطن مصري في أكبر ملحمة بشرية وأطاح حكم جماعة الفاشية الدينية. جاء القدر لمصر في هذه اللحظة بعبد الفتاح السيسي الذي حمل رأسه على يديه، ثم طلب بعد ذلك تفويضاً لمحاربة الإرهاب المحتمل فاستجاب له الشعب، فلا أحد يستطيع أن يجادل في أن هذا الرجل جدير بالاحترام. في الجانب الآخر، على من يدعي أنه ممثل الثورة أن يطلب فقط نزول 5 أو 10 ملايين مصري لتأييده. قناعتي هي أن السيسي هو من أنقذ مصر من براثن أحقر مخطط لتفكيكها، بعدما تبيّن أن مرسي قرر تفتيت مصر جزءاً لغزة وجزءاً لقطر وجزءاً لأردوغان، تحت إشراف أوباما الذي يقدم نفسه خليفة للمسلمين!

لكن ألم تكن أدوات الدولة المصرية في أمرة السيسي في تلك اللحظة التاريخية، ما يجعل فكرة التضحية مبالغاً فيها؟

ـ من كان يضمن عدم وجود عناصر «إخوانية» في الجيش والشرطة تحاول اغتياله؟ وهل امتلك صك ضمان بحياته؟ لا نستطيع إنكار هذا النبل الذي تميز به السيسي وإيثار مصر على حياته. لولا ذلك لما طلب تفويضاً من الشعب، ولن يسلم من كل أعداء مصر والوطن.

كمؤسسة أم شخص؟

ـ إنه عبّر عن هذه المؤسسة الوطنية والشعب وهما متداخلان.

هل تتوقعين من المشير في كرسي الرئاسة أن يصلح عقود الفساد؟

ـ تبلغ قناعتي حد اليقين. أذكرك بتظاهرات 9 يونيو بعد النكسة التي خرج فيها المصريون بحشود هادرة مطالبين الزعيم الراحل عبد الناصر بعدم التنحي. لم يطلب السيسي بعد دوره الوطني المشهود إلى المصريين ترشيحه، بل طالبه المصريون بأن يترشح رافعين شعار «إنزل يا سيسي… عاوزك تبقى رئيسي»، وهو من ناحيته قال إنه لن يدير ظهره للإرادة الشعبية ورأينا حجم تردّده. لم يعط وعوداً براقة، بل طالب بالاستيقاظ باكراً فجراً لأن نهضة مصر تتم بسواعد أبنائها وعرقهم واستغلال ثرواتها. أذكر لك هذه الواقعة للمرة الأولى، ففي أحد اللقاءات التي تقيمها القوات المسلحة مع المشير السيسي تحدثت إليه جانبياً وقلت له «أرى فيك عبد الناصر»، فأجابني «هو أنا أجي إيه في عبد الناصر؟!».

لكنّه دعا المصريين إلى التقشف وتحدث عن رفع الدعم؟

ـ لِمَ لا نفترض أنه يتحدث عن 80 من مخصصات الدعم التي يلتهمها أصحاب المصانع. تحدث المشير عن الفقر، فكيف أنكر عليه انحيازه إلى الفقراء. قال إن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه. صديقة لي عاتبتني على أني ناصرية وأقول إن السيسي امتداد لعبد الناصر، فأجبتها: لولا ما فعله السيسي لذهبت إنجازات عبد الناصر أدراج الرياح، فقالت لي «معك حق». عندما يتحدث عن امتلاك مصر الثروات الطبيعية والبشرية فنحن أمام رجل أتى لإتمام مسيرة عبد الناصر.

متى ستعارضين السيسي؟

ـ لن يقبل الشعب المصري أي رئيس لن ينفذ مطالب الثورة وهي: عيش، حرية، كرامة، إنسانية. يمكننا إسقاط رئيس كل شهر وليس كل عام، ولو لم ينفذ السيسي مطالب الثورة فسأكون في المعارضة، وأنا في المعارضة بطبيعتي. أذكر مقولة عبد الناصر «لو رضيت عني أميركا اعلموا أني أسير في الطريق الخطأ». هذا ما يفسر الحرب الشرسة التي تشنّها أميركا اليوم. يضع البعض أقنعة ناصرية، لكني أجزم أن الناصري الحقيقي هو السيسي الذي تحدث عن الإرادة الوطنية وثروات الوطن.

لكن مبارك كان يتبنى الخطاب السياسي نفسه؟

ـ كلا، كان حديث مبارك إنشائياً وهو مستقر على كرسي الحكم، أما السيسي فإنه دخل معركة واختبر موقفه في مواجهة الأميركيين وأعوانهم، وأحد الوزراء في عصر مبارك قال لي إن مبارك كلما عرض عليه أحد تنفيذ مشروع تنموي في سيناء كان يرفض خوفاً من أميركا. وفي نهاية ثلاثين عاماً من حكمه كانت العناوين بين التكوكنوك والشوارع المليئة بالقمامة ودور مصر المقزم وسيناء التي لا يستطيع الجيش إدخال قطعة سلاح إليها خارج حدود اتفاقية العار «كامب ديفيد». أعتقد أن تنويع السلاح والتوجه نحو روسيا خطوة موفقة، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين رأى أن قرار مصر بعد 30 يونيو نابع من رأسها وتعامل معها من هذا المنطق ولا يريد استخدام مصر بالمنطق الأميركي، بل إخراجها من النفوذ الأميركي.

هل سيتفاوض السيسي على تغيير بنود «كامب ديفيد»؟

ـ لو عادت مصر قوية لن يؤثر فيها مليون «كامب ديفيد» وسيحسب لها ألف حساب.

ماذا عن الجيش في هذا الوضع الصعب؟

ـ الجيش المصري عظيم. تعرض لأكبر مؤامرة، إذ تمّ تسليحه أميركياً من دون قطع الغيار، وعندما وعى الجيش وشعبه حقيقة أننا تحت ضرس أميركا وأنه حصاد التصريح البشع للسادات الذي قال إن 99 من أوراق الحل هي في يد أميركا، وهذا ما أشركنا مع العالم كله في 1 فحسب من الحل.

إثيوبيا وسدّ النهضة قنبلة موقوتة في وجه أي رئيس قادم؟

ـ في مطلع الثمانينات التقيت ممدوح البلتاجي رئيس هيئة الاستخبارات آنذاك، وحذرته من تحريض أميركي و«إسرائيلي» للدول الأفريقية على إنشاء سدود بتمويل أميركي من الخزائن العربية وبتكنولوجية «إسرائيلية». عهد ذاك حدثت موجة الجفاف وكان تعليق التلفزيون الفرنسي أنه للمرة الأولى تضرب موجة الجفاف حوض نهر فتؤثر في دول المنبع ولا تؤثر في دولة المصب، وكان ذلك بفضل السدّ العالي. أعتقد أيضاً أن عودة مصر إلى دورها الريادي سيحل المشكلة مع إثيوبيا التي ضُيّعت العلاقة معها عقب محاولة اغتيال مبارك 1995.

زار أوباما السعودية، هل يمكن أن يرتب ملك السعودية لقاء بين السيسي وأوباما؟

ـ لا بد من أن نعود إلى ثورة 30 يونيو التي كانت طلقة عاصفة كنست ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الكبير. قرأت تسريبات عن أن الملك عبدالله بن عبد العزيز أصيب إثر مكالمة هاتفية مع مسؤولين كبيرين، أميركي وألماني، بصدمة، إذ اكتشف أن أميركا كانت تريد تفكيك دول الخليج وإقامة دويلات بشّر بها وزير الخارجية الأسبق هنري كسينجر قبل وزيرة الخارجية كوندليزا رايس.

دور كسينجر معروف في هذا السياق؟

ـ بلى، في ثمانينات القرن الفائت كتب الراحل الكبير الأستاذ أحمد بهاء الدين في مجلة «المستقبل» التي كانت تصدر في باريس واصفاً كسينجر بـ«الصهيوني الحقير» ونقل عن كسينجر قوله: «إن أكبر ضمان لبقاء إسرائيل في المنطقة العربية هو تفتيت المنطقة إلى دويلات عرقية وطائفية». إذن وضع الخريطة، ثم جاءت رايس لتتحدث عن الشرق الأوسط الكبير، وبعد وصول «الإخوان» إلى السلطة بلغ الغرور بالأميركيين حدّ ترك التسريبات تكشف مخططهم، فانكشف المخطط لتحويل المملكة العربية السعودية إلى خمس دول.

ماذا عن الوحدة العربية والكيان الصهيوني؟

ـ إذا ضربتَ «إسرائيل» بقنبلة تضربك بصاروخ، وإذا ضربتها بصاروخ تضربك بقنبلة نووية. أذكر أن رئيس الوزراء الصهيوني إسحق شامير، بعد تعرّض الكيان لصواريخ سكود العراقية عقب غزو صدام للكويت، حذّره الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب من الرد كي لا تفسد الطبخة، فالمطلوب كان معركة عربية ـ عربية. ولا أنسى دموع قائد القوات المصرية خلال حرب الخليج الأولى اللواء محمد علي بلال على شاشة التلفزيون الفرنسي يوم قال «إنه أتعس يوم في حياتي، فللمرة الأولى يقتل عربيّ أخاه العربي»، وبعد ذلك بعقود دخل بوش الإبن العراق واستولى على مفاتيح الثروات النفطية ومنح «إسرائيل» ما تريده.

ومصر في واقعها الجديد، هل أنت متفائلة رغم التحديات؟

ـ بلى، باتت للإرادة الوطنية المصرية الكلمة العليا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى