تعاون أمني لمنع تمدّد داعش… دولي إقليمي «إفادات بو صعب» و«امتحانات هيئة التنسيق» و«تصحيح أمل»

كتب المحرر السياسي

المشهد العراقي صار بارومتر المنطقة منذ ظهور غزوة داعش وتمددها، وتقلّب المعادلات والخيارات الإقليمية على إيقاع ظهور هذا المولود العجيب، والواضح أنّ ثمة تفاهماً غير معلن يُترجم بالتقسيط بإعادة تكوين المؤسسات الدستورية العراقية تشترك فيه واشنطن والرياض وطهران سينتهي بتشكيل حكومة عراقية جديدة، بعد إنتاج رئاستين للبرلمان والجمهورية، من المكوّنين المعنيين بخريطة تقسيم العراق التي أطلقتها دولة الخلافة، وأنعشت حلم الدولة الكردية لزمن، كما يبدو من استبدال الأميركيين لتدخلهم العسكري من فرضية استخدام الطائرات من دون طيار المرفوضة إيرانياً، إلى الطائرات الحربية التي لم يظهر عليها أي اعتراض علني يُذكر وحصرها بحدود إقليم كردستان.

بالتوازي يستمرّ التفاهم الإيراني ـ الغربي في الملف النووي قدماً، ليرسم معالم ما هو أبعد وأعمق في تشكيل خريطة المنطقة، التي يبدو أنّ حرب غزة كانت العامل الحاسم في تحديد قواها الفاعلة بعد خروج «إسرائيل» من النصف نهائي.

التعاون الأمني لمواجهة داعش لا يزال مرفوضاً من سورية التي أبلغت الدول الغربية التي تدقّ بابها أنّ التعاون يبدأ في السياسة، بل إنّ إحدى الدول الكبرى عرضت إقامة سفيرها العائد في أحد الفنادق فكان الردّ إذا لم يرد الإقامة في سفارته فالأفضل ألا يعود.

هكذا يُراد للبنان أن يتعاون أمنياً وسراً مع سورية لأنّ السعودية ليست جاهزة بعد لتقبّل الإنخراط العلني والسياسي، ولذلك يراوح ملف عرسال مكانه، فلا القرار بالحسم العسكري اتخذ وهو مستحيل بلا التنسيق اللبناني السوري، ولا قدرة على تحمّل الوضع القائم حيث مناطق لبنانية في جرود عرسال محتلة، ورهائن القوى الأمنية مجهولو المصير.

لبنان يتلمّس الإيجابيات من الحلف الأمني الذي ترجمه الأميركيون بالنار في العراق، وترجمته السعودية بالسياسة في لبنان والعراق، سواء بعودة الحريري أو بانتخاب رئيسين من ثلاثة للعراق.

ترجم ما كان قد بدأ مع السفارة المصرية في شأن دار الفتوى، وانتخب الشيخ عبد اللطيف دريان ليملأ منصب مفتي الجمهورية اللبنانية بشبه إجماع انتخابي وإجماع سياسي، كما ترجم بزيارة الرئيس سعد الحريري للرئيس نبيه بري، وهكذا ترجم المناخ ذاته بتمديد الهدنة في غزة والعودة إلى التفاوض حول الحلّ السياسي وعناوينه.

عرسال لا تزال عنواناً لبنانياً ضاغطاً، حيث أسرى ورهائن القوى العسكرية والأمنية، وحيث احتلال جزء من الأرض اللبنانية من المسلحين الذين خرجوا من عرسال وما خرجوا طالما لا يزالون في جرودها.

العيون اللبنانية المخطوفة نحو عرسال، تتركز على مستقبل الامتحانات في ضوء إعلان وزير التربية الياس بوصعب، قراره بالذهاب إلى اعتماد الإفادات المدرسية، وهو القرار الصعب أو «البو صعب»، بالنسبة إلى الطلاب و»مستقبلهم»، بينما هيئة التنسيق النقابية جدّدت ربط الامتحانات ومصيرها «بالتنسيق» وأعلن مكتب حركة أمل التربوي نيته المشاركة في «التصحيح».

عودة الحريري لم تبدل خيارات «المستقبل»

في هذا الوقت، لم تبرز أية مؤشرات مع عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، عن حصول تغيير جدي في مواقف تيار المستقبل ومعه فريق 14 آذار من الاستحقاقات الداهمة التي تواجه البلاد من الشغور في رئاسة الجمهورية، إلى طريقة المواجهة الجدية المطلوبة «لموجة» التمدد الإرهابي. علماً بأن بعض الكلام الذي صدر عن قيادات المستقبل حيال المجموعات الإرهابية لا يغير في واقع الأمور شيئاً، في وقت طرحت تساؤلات كثيرة عن فتح قنوات الحوار غير المباشرة بين رئاسة الحكومة ـ ضمناً تيار المستقبل ـ والمجموعات الإرهابية ولو أن هذا التواصل يحصل عبر وفد «هيئة العلماء المسلمين».

وبينما يتجه تيار المستقبل وحلفاؤه للتمديد لمجلس النواب على رغم تأكيد رئيس المجلس النيابي نبيه بري ضرورة إجراء الانتخابات لأن لا مبررات لهذا التمديد، جاءت زيارة الحريري مساء أمس إلى عين التينة، لتفتح باب التواصل بين المستقبل والرئيس بري، وذلك في إطار ما أعلن عنه الحريري عن تحرك سيجريه مع المسؤولين والقيادات. وتمحور الحديث خلال اللقاء الذي تخلله مأدبة عشاء، على موضوع محاربة الإرهاب.

وقال مرجع بارز لـ«البناء» إن هناك مبالغة في التأويلات حول موضوع عودة الحريري إلى لبنان، مؤكداً أنه لم يحصل أي كلام جديد حول موضوع رئاسة الجمهورية ما يعني أن المشهد لا يزال على حاله في هذا الملف. وأشار المرجع إلى أن هناك أسباباً عدة لعودة الحريري ومنها، غير موضوع الهبة السعودية، ما جرى في عرسال لأن ما حصل ليس أمراً عادياً بل يستهدف لبنان واللبنانيين ويطاول تيار المستقبل. وكشف المرجع عن أن هناك حركة بدأت لمقاربة الأزمة السياسية المتعلقة بالمؤسسات الدستورية وبموضوع انتخابات الرئاسة الأولى وفي هذا المجال جاءت زيارة الحريري إلى عين التينة.

وأشار مصدر مطلع في تيار المستقبل لـ«البناء» إلى أن أجواء الرئيس الحريري ايجابية، فهو عاد بمبادرة توفيقية لا بمهمة تصعيدية، آملة أن يبادره فريق 8 آذار والتيار الوطني الحر بالمثل. وأكد المصدر أن لقاء الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بحاجة إلى وقت، فهو لن يتم طالما حزب الله يتدخل في سورية على رغم تلاقيهما على ضرورة التهدئة ودعم المؤسسة العسكرية في مكافحة الإرهاب.

ورأى المصدر أن مواقف الحريري مشجعة فهو في اجتماع تيار المستقبل و14 آذار لم يوجه أي نقد لأي طرف سياسي، باستثناء تدخل حزب الله في سورية، ورفض الاتهامات التي سيقت من قبل البعض ضد رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، معتبراً أن لا نية تصعيدية عند الحريري.

لا أحد يستطيع أن يستثني حزب الله

وقالت مصادر وزارية في 14 آذار لـ«البناء» إن عودة الحريري إلى لبنان تحمل إشارات ايجابية، فهو يميل إلى تجاوز الخلافات، وسلوك نهج المصالحات، والبحث عن تسوية للاستحقاق الرئاسي.

وأكدت المصادر أن أحداً لا يستطيع أن يستثني حزب الله في لبنان، أو تيار المستقبل، مشيرة إلى أن الحوار بينهما ضروري بغض النظر عن تواجدهما في الحكومة. إلا أن المصادر رأت أن أي لقاء بين السيد نصر الله والحريري ليس من السهل حدوثه في الوقت الراهن، فهو يتطلب إعداد أوراق العمل، وفريقاً يحضر لهذا اللقاء من الطرفين لكي لا يكون مجرد لقاء تلفزيوني.

لا جديد في جلسة الثلاتاء

إلى ذلك، لن تحمل الجلسة النيابية المقررة غداً الثلاثاء المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية أي جديد ينهي الفراغ الرئاسي، وإن كانت مصادر عين التينة توقعت لـ«البناء» أن يشهد المجلس النيابي على هامش الجلسة التي لن تنعقد، حركة مشاورات في الشأن الرئاسي، لم تعهدها الجلسات السابقة التي تحولت إلى جلسات روتينية.

وفي السياق ردت مصادر متابعة في حزب الله على ما قاله النائب أحمد فتفت عن أن وفد حزب الله خلال زيارته الأخيرة للبطريرك الماروني بشارة الراعي أبلغ الأخير أنه «على يقين أن لا فرص لوصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة». وقالت المصادر لـ «البناء» إن الوفد أبلغ إلى الراعي «أن الجنرال عون هو مرشح حزب الله الأول والأخير، وأن كلام النائب فتفت عار عن الصحة جملة وتفصيلاً». وأشارت المصادر إلى انه «إذا كان القصد تشويه العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر والاصطياد في الماء العكر فإن الجنرال عون على علم بما جرى خلال اللقاء، وبموقف حزب الله الثابت والداعم لترشيحه».

وشددت المصادر على أن «عون هو الرئيس الأصلح للبلاد، ويشكل رئيساً توافقياً، فصفة التوافقي لا تعني أن يكون الرئيس بلا طعم أو لون أو رائحة، بل من يملك صفة التواصل مع الجميع».

بري: هذا المجلس لا يستأهل التمديد

أما على صعيد الانتخابات النيابية فقد باتت بحكم المؤجلة، إذ أكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بعد لقائه بري أول من أمس، في عين التينة ان «الوضع الأمني لا يسمح بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها»، مشدداً على أن قرار التمديد أو عدمه، يعود إلى السلطة السياسية.

وكرر الرئيس بري أمام زواره مساء أمس أنه لا يوافق على التمديد للمجلس النيابي «خصوصاً هذا المجلس الممدد له الذي لا يستأهل التمديد أصلاً».

مجلس الوزراء يوافق على الهبة السعودية الخميس

في موازاة ذلك يعقد مجلس الوزراء جلسة الخميس المقبل للبحث في موضوع الهبة السعودية المخصصة لدعم الجيش اللبناني. وأكدت مصادر وزارية مقربة من رئيس الحكومة تمام سلام أن المجلس سيوافق على الهبة. ولفتت إلى أن وزير الدفاع الوطني سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي سيتفاوضان مع الجهات المعنية ببيع الأسلحة والمعدات العسكرية على أن يرفعا الطلب إلى مجلس الوزراء، واعتبرت أن إشراف الرئيس الحريري عليها سيسرع من مسألة صرفها، مشيرة إلى أن مكرمة 3 مليار دولار لم تنفذ.

الجيش يعزّز إجراءاته في محيط عرسال

في سياق آخر، واصلت وحدات الجيش تعزيز إجراءاتها في عرسال ومحيطها، وأحكمت بعد ظهر أمس سيطرتها على كل المواقع المحيطة بالبلدة تحسباً لأي عدوان قد تقدم عليه المجموعات الإرهابية من جديد، في حين ما زال مصير العسكريين مجهولاً، إذ تفيد المعطيات أنه جرى توزيع العسكريين بين المجموعات المتطرفة من «داعش» إلى «جبهة النصرة».

تساؤلات عن التسوية مع الإرهابيين

وقد طرحت في الساعات الماضية علامات استفهام كثيرة حول «بازار» الحوار غير المباشر بين رئاسة الحكومة والمجموعات الإرهابية عبر «هيئة العلماء المسلمين»، وقالت مصادر سياسية مطلعة إن السماح للمجموعات الإرهابية بالخروج من عرسال مع العسكريين إلى الجرود، ترك زمام المبادرة بيد الإرهابيين، لأنه لو بقي العسكريون داخل عرسال لبقيت المبادرة بيد الجيش الذي كان يطوق المسلحين. ولفتت المصادر إلى أن قواعد المفاوضات اختلفت اليوم عما كانت عليه خلال تطويق المسلحين، وتساءلت عن حجم المطالب التي يشترط تنفيذها الإرهابيون للإفراج عن العسكريين، خصوصاً أنهم ليسوا لدى تنظيم واحد. واستغربت المصادر تبريرات وزير العدل أشرف ريفي لمفاوضة الإرهابيين. وقالت إن كلام ريفي يبرّر للإرهابيين المزيد من الابتزاز للحصول على فدية مالية، بالإضافة إلى الإفراج عن المجموعة الموقوفة في سجن رومية وغير ذلك. وأكدت المصادر أن هذا البازار في التفاوض يشجع المجموعات المتطرفة على القيام بمزيد من الاعتداءات ضد الجيش، بما في ذلك خطف عسكريين لابتزاز الحكومة.

دار الفتوى تجاوزت أزمتها!

في إطار آخر، تجاوزت دار الفتوى أمس الأزمة المفتوحة حول انتخاب مفتي الجمهورية الجديد بعد حصول توافق بين أكثرية المرجعيات السنية على انتخاب الشيخ عبد اللطيف دريان مفتياً جديداً وبموافقة المفتي الحالي محمد رشيد قباني، وبذلك جرى إقفال الأزمة المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات بين المفتي قباني وتيار المستقبل ومعه الرئيس نجيب ميقاتي وآخرون.

وبعد انتخابه بـ74 صوتاً من أصل 93 صوتاً، قال المفتي دريان: «لا مجال بعد اليوم للانقسام». وأكد أن «ديننا دين الاعتدال والتسامح وليس التطرف»، وأضاف: «نحن محتاجون إلى مكافحة التشدد والتطرف والعنف باسم الدين».

وسبقت عملية الانتخاب كلمة للرئيس سلام أكد فيها أن «ما يشهده الإسلام والمسلمون من حالات ووضعيات شاذة ومضرّة لا تمت إلى الإسلام والمسلمين بشيء».

ولاحقاً أقام الحريري مأدبة غداء في منزله لمناسبة انتخاب دريان، دعا خلالها إلى «مواجهة التطرف وإنقاذ رسالة الإسلام من السقوط، وقال: «لن نرضى لقلة من المتطرفين أن تأخذ الإسلام إلى مواجهة مع باقي الشركاء في الوطن والأمة».

وأعربت مصادر وزارية لـ«البناء» عن سعادتها للمشهد السني الجامع في بيت الوسط عقب انتخاب دريان، والذي تمثل بحضور المفتي قباني الذي كان على خلاف مع تيار المستقبل والوزير فيصل كرامي ممثلاً الرئيس عمر كرامي والرئيس ميقاتي مأدبة الغداء، في وقت تحاول البؤر الإرهابية أخذ بعض المساحات في الشارع السني.

اللجان الفاحصة على موقفها من مقاطعة التصحيح

من ناحية أخرى، يدخل قرار وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب إعطاء إفادات حيز التنفيذ صباح غد، إذا استمرت هيئة التنسيق النقابية على موقفها من مقاطعة التصحيح، بعدما أمهلها حتى الخامسة من عصر اليوم. ووضعها بين خياري العودة عن مقاطعة التصحيح أو إصدار إفادات عن نتائج الامتحانات بديلاً من الشهادات الرسمية.

وأعلنت رابطة موظفي الادارة العامة أن الاجتماع الذي سيعقد اليوم هو «لتأكيد مقاطعة التصحيح ورفض الإفادات، والبحث في كل الخطوات التصعيدية المرافقة لذلك».

وأكد رئيس هيئة التنسيق النقابية حنا غريب لـ«البناء» أن اجتماعاً سيعقد اليوم للجمعية العمومية ومجالس المندوبين عند الحادية عشرة صباحاً للوقوف على رأيها من موضوع مقاطعة التصحيح.

وإذ لفت إلى أن هيئة التنسيق ستسير بالقرار الذي سيصدر عن الاجتماع، أكد غريب أن أساتذة التعليم الرسمي واللجان الفاحصة لا تزال على موقفها من مقاطعة التصحيح.

واعتبر غريب أن لجوء بو صعب إلى إعطاء الإفادات هو إجراء غير تربوي يتحمل مسؤوليته، لافتاً إلى أنه بدل أن يحمل الطبقة السياسية مسؤولية ما يحصل للطلاب يحمل هيئة التنسيق المسؤولية. وشدد على أن مطالب هيئة التنسيق محقة، وهي تريد جواباً عن الكتاب الذي سلمته إلى وزير التربية.

في الأثناء، لفت مسؤول المكتب التربوي المركزي في حركة أمل حسن زين الدين إلى أن «أكثر من مئة ألف طالب ينتظرون نتائجهم منذ حوالي الشهرين والأفق ما زال مسدوداً. وقد أعلنت وزارة التربية أن موقفها من الامتحانات الرسمية بأنه إما التصحيح وإصدار النتائج أو اللجوء إلى الإفادات كآخر الدواء. وبين أن نضحي ونعلق تحركنا ونصحح أو أن نسمح بتمرير الإفادات فنحن سنختار التصحيح شرط موافقة الجمعيات العامة عليه»، فيما قررت هيئة معلمي القطاع الرسمي في «التيار الوطني الحر» تلبية دعوة وزير التربية إلى «وضع أسس التصحيح وإلى التصحيح في شهادات التعليم الأكاديمي والتعليم المهني والتقني»، معتبرة إياه «خياراً مفضلاً على خيار الإسهام في إصدار الإفادات الناعية للشهادة الرسمية»، ومحملة المسؤولين السياسيين الذين يعرقلون إقرار السلسلة، مسؤولية التلاعب بمصير الطلاب والتآمر على هيئة التنسيق لشق صفوفها وإضعافها».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى