لا يمكن أن يحدث صدفة

ناصر قنديل

– كان قبل شهرين ثمة مشهد يجمع بين الرعب والفراغ والتساؤلات الكبرى، يخيّم على المنطقة مع ظهور سطوة داعش في العراق بعد المفاجأة المذهلة بالسيطرة على ثلث مساحة العراق، والإمساك بالممرّ الإجباري بين مناطق سيطرة الحكومة المركزية من جهة والمناطق الخاضعة لسلطة إقليم كردستان في شمال العراق من جهة أخرى، وكذلك المناطق التي تشكل الرابط الجيواستراتيجي بين إيران وسورية عبر العراق من جهة مقابلة، وكذلك بين الجزء الكردي المتصل بتركيا اقتصادياً ونفطياً وبين تركيا.

– كان العراق بلا أفق سياسي ظاهر لولادة مؤسساته الدستورية مجدداً، على رغم إنجاز انتخابات برلمانية اعترف الجميع داخلياً وخارجياً بنتائجها، فلا مشاركة برئاسة المجلس النيابي ممّن تعود لهم الرئاسة، ولا موافقة كردية على الخوض في منصب رئاسة الجمهورية، بل إعلان سريع لرغبة بالانفصال وتأسيس دولة كردية مستقلة على إيقاع ولادة دولة الخلافة، واستقواء بما أنجزته من تصدّع في بنية الدولة المركزية للعراق.

– كان التحدي اللبناني في وجه خطر تمدّد داعش مطروحاً في وجه حزب الله وحده، وكان عليه أن يتحمّل أعباء التصدي لهذا الخطر بقدراته الذاتية وما يمكن أن يستثيره من نخوة المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية، باعتبار هذا التمدّد هو مجرّد تتمة طبيعية للحرب الدائرة داخل الحدود السورية، بين حزب الله ومفردات القاعدة التي يقاتلها هناك وتتمدّد معاركه معها إلى لبنان.

– خلال أسابيع قليلة حدثت مجموعة من التطورات التي لا يمكن وصفها بالمصادقات، ولا يمكن العزل بينها وبين حدث كبير ألقى بظلاله على المنطقة وتوازناتها، والمقصود حرب غزة، التي كانت التمرين الأخير المتاح لقدرة الردع الإسرائيلية قبل البدء بترسيم أرصدة القوى الإقليمية ومكانتها في الخريطة الجديدة، التي تتبلور على إيقاع تقدم وإنجاز التفاوض الإيراني مع الغرب المحدّد سقفه الزمني بتشرين الثاني المقبل، حيث يبدأ الزمن السياسي بعنوان ترتيبات الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

– المفاوضات الجارية في القاهرة والتي لا مناصّ من وصولها إلى صيغة تسوية، ستحقق للمقاومة هدفها المركزي بفك الحصار، وتعيد ضخ الدماء في شرايين التفاوض بين السلطة الفلسطينية المعنونة بحكومة وحدة وطنية تضم مكونات المقاومة، تؤشر إلى ربط نزاع طويل المدى حول فلسطين، يحفظ حق المقاومة ويحول دون حرب قريبة، لكنه يكرّس مكانة محدودة لإسرائيل في الخريطة الإقليمية، بعدما بدت عبئاً استراتيجياً على الغرب لا قيمة مضافة لتعديل التوازنات.

– على إيقاع هذه الحصيلة التي يجري ترصيدها على صفيح ساخن ما بين هدنة وسقوطها نحو التصعيد، ترشح وانتخب رئيس لمجلس النواب العراقي من كنف معروف الصلة بالسعودية وتركيا، ومثله تراجع التحالف الكردي عن التفكير بالانفصال وترشح وانتخب رئيس للجمهورية، وكلاهما انتخب بالإجماع، أيّ بشراكة الشريحة المعنية باستيلاد رئيس للحكومة وهي حكماً في كنف إيران.

– لن يتأخر العراق عن حلّ معضلة رئاسة الحكومة ولا تشكيلها، ليس بسبب الاشتراط الأميركي للمشاركة الكاملة في الحرب على داعش بولادة هذه الحكومة، بل لأنّ كلّ شيء من السياقات الطبيعية لما جرى يقول بأنه سيجري.

– بدأ الأميركيون بغارات جوية تستهدف مواقع داعش بواسطة طيرانهم الحربي الآتي من القواعد التركية، والمعرّض للاستهداف بدفاعات جوية منتشرة بين أيدي إيران وحلفائها في سورية وسواها، بعدما كان المعروض مشاركة أميركية بواسطة الطائرات من دون طيار رفضتها إيران وسورية.

– عاد سعد الحريري إلى لبنان وانتخب المفتي الجديد للجمهورية بالإجماع، والعودة كما الانتخاب كان الحائل دونهما انقسام عنوانه الرهان السعودي على رحيل محتّم للرئيس السوري بشار الأسد، سيجري على إيقاعه ترتيب كلّ شيء عندما يعود الحريري من مطار دمشق الدولي كما قال السعوديون بلسانه ذات مرة.

– كلّ هذا يستحيل أن يجري صدفة، فثمة ما هو أكبر قد بدأ، بعدما أخذت حرب غزة بتوازناتها الجديدة تنتهي، وكانت الجولة الأولى من حرب عرسال فصلاً متمّماً لحرب غزة ومؤشراً على السياق الذي سيسود المنطقة في زمن التسويات، التي ستحمل رئيساً جديداً للبنان بعدما تتضح شخصية رئيس الحكومة العراقية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى