الأمم المتحدة وخيانة أطفال اليمن؟!

د. تركي صقر

من المضحك ـ وشرّ البلية ما يضحك ـ أنّ مسؤولي النظام السعودي دأبوا على إنكار ممارسة الضغوط على المنظمة الدولية، لحملها على الانصياع والعودة عن قرارها وشطب اسم التحالف من القائمة السوداء وكأن بان كي مون قد تراجع عن طيب خاطر ورضى، أن يختم ولايته في الأمانة العامة للأمم المتحدة بهذه الفضيحة وهي فضيحة من العيار الثقيل جداً لكن أمر الإنكار السعودي قد افتضح من جهة حليفة للسعودية، فجاءت بمثابة «وشهد شاهد من أهله» فقد كشفت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية أنّ الأمم المتحدة شطبت تحالف العدوان السعودي من القائمة السوداء لقتل وتشويه الأطفال في اليمن، بعد تعرضها لسلسلة من التهديدات من قبل السعودية وضغوط من حلفائها وكلّ من يدور بفلكها.

يقول المثل «إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا» غير أنّ نظام بني سعود أخذته العزة بالإثم وفقد الحياء والخجل وبات يمارس الفجور والأعمال المشينة على المكشوف وعلى عينك يا تاجر فقد تحدثت مصادر عديدة مقربة من المنظمة الأممية، وأشارت إلى أنّ مكالمات من وزراء خارجية دول خليجية عربية ووزراء من منظمة التعاون الإسلامي وبإيعاز مباشر من العرش السعودي انهالت على مكتب بان كي مون بعد إعلانه إدراج التحالف العربي، الذي تقوده الرياض، على «القائمة السوداء» الأممية.

وتحدّث مسؤول كبير في الأمم المتحدة، حسب «رويترز»، عن «ضغوط من هنا وهناك» مورست على المنظمة على خلفية هذه الخطوة، مضيفاً أنّ الرياض لوّحت بوقف مساعداتها للفلسطينيين ووقف تمويل برامج أخرى تابعة للمنظمة الدولية وتعليقاً على رد الفعل السعودي على إدراج التحالف في «القائمة السوداء» وصف مصدر دبلوماسي آخر لـ»رويترز»، ما تعرضت له المنظمة الدولية بأنه: «تنمر وتهديدات وضغوط»، مضيفاً أنّ ما حدث «كان ابتزازاً بكل معنى الكلمة» حتى بان كي مون اعترف بأنّ هناك ضغوط تمارسها السعودية وحلفائها وأشار إلى إنّه «من غير المقبول أن تمارس دول أعضاء بالأمم المتحدة ضغوطاً غير مناسبة لرفع التحالف من القائمة السوداء»، مؤكداً على أنّ رفع اسم التحالف من القائمة السوداء قرار صعب ومؤلم..

واللافت أنّ فضائح الأسرة الحاكمة في السعودية أصبحت بالجملة وانتقلت إلى زج الدين وفتاوى شيوخ البترو دولار للتغطية على إجرامها فقد ذكرت الأخبار أنّه كان هناك تهديد أيضاً باجتماع شيوخ في الرياض لإصدار فتوى ضد الأمم المتحدة تقضي بتصنيفها معادية للإسلام، مما يعني أنه لن تكون هناك اتصالات معها من قبل دول منظمة التعاون الإسلامي، ولا علاقات ولا مساهمات ولا دعم لأي من مشروعات أو برامج الأمم المتحدة».

لقد مست الأساليب السعودية من رشاوى وفساد وإفساد وضغوط وابتزاز بسمعة الأمم المتحدة وهيبتها وسحب اسمها من اللائحة السوداء وجه ضربة قوية هزت مكانتها وانهالت الانتقادات عليها حتى من داخل اروقتها فانتقدت «هيومان رايتس ووتش» و»العفو الدولية» قرار بان كي مون الذي سحب بموجبه اسم التحالف العربي من القائمة السوداء، واصفتين إياه بـ «الاستسلام» أمام مطالب الرياض، والذي قد يُفقد الأمم المتحدة مصداقيتها وعلق المدير المساعد لهيومان رايتس ووتش، فيليب بولوبيون، قائلاً: «بما أن هذه القائمة غدت تخضع للعبة السياسية فإنّها تفقد مصداقيتها وتسيء إلى سمعة الأمين العام للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان كما وصفت «العفو الدولية» تراجع الأمم المتحدة عن موقفها السابق بالخطوة «المشينة».

أما الانتقادات الأكثر حدة وسخونة فقد جاءت من الصحافة الغربية وبهذا الصدد ذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أنّ الأمم المتحدة منحت السعودية بطاقة مجانية لقصف المدارس والمستشفيات في اليمن، حيث أصبحت الأمم المتحدة نادياً للأغنياء والأقوياء، يتم اتهام الجماعات والمليشيات، ويتم التستر على أعضائها الذين ارتكبوا جرائم حرب وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الأمم المتحدة خانت الناس الأكثر ضعفاً في العالم، بعد إزالة السعوديين من القائمة السوداء لقتل وتشويه الأطفال في اليمن كما أوضحت أن الأمين العام للأمم المتحدة هو من قال إن المملكة السعودية مسؤولة عن قتل الأطفال، وقصف المستشفيات والمدارس في اليمن ولفتت إلى أن ذلك يضع السعودية والتحالف في صف المنظمات المشكوك فيها مثل: داعش، طالبان، حركة الشباب والقاعدة وفي السياق نفسه، ذكرت الصحيفة إنّه في غضون يومين كانت السعودية قد تم شطبها من القائمة، معتبرة أن الأمم المتحدة محت الكثير من مصداقيتها وخانت معظم الناس الأكثر ضعفاً في العالم واعتبرت الصحيفة أنّ هذا التحول المفاجئ من الصعب تبريره والدليل أن التحالف الذي تقوده السعودية قصف المناطق المدنية في البلدات والمدن في شمال اليمن.

ولفتت الغارديان إلى أنّ مقرري الأمم المتحدة وجدوا أن التحالف كان مسؤولاً بشكل مباشر عن أكثر من 60 من الضحايا الأطفال اليمنيين، بسبب القتال في العام الماضي، بما في ذلك مقتل مئات الأطفال اليمنيين ومع ذلك، على الرغم من الأدلة، يبدو أنّ السعوديين قد تم منحهم بطاقة مجانية لقتل المدنيين وقصف المدارس والمستشفيات في اليمن، بحسب ما أوردت الصحيفة.

لقد بدأت الصحافة في العالم تشبه السعودية بالكيان الصهيوني من حيث التهرب من قرارات العقاب الدولية ومن حيث أن كل من السعودية و»إسرائيل» قامتا بغزو أراض مجاورة وقتل آلاف المدنيين ومئات الأطفال فالكيان الصهيوني منذ عام 2008 يقوم بشكل متكرر بغزو وقصف غزة، وفي عام 2014 قتل الجيش «الإسرائيلي» ألفين ومائة وأربعة أشخاص، معظمهم مدنيين، ودمر سبعة عشر ألف ومائتي منزل ما خلف أربعمائة وخمسة وسبعين ألف شخص يعيشون في ظروف مريرة.

إن سحب اسم التحالف الذي تقوده السعودية يعد من أكبر الفضائح التي تلطخ سجلات الأمم المتحدة وتاريخها بالعار، وهو في الوقت ذاته يشكل فضيحة مجلجلة للنظام السعودي الملطخة يديه بدماء أطفال اليمن وأطفال سورية والعراق، جراء الحروب التكفيرية الإرهابية التي أشعلها في المنطقة وإذا كان هذا النظام قد استطاع بالمال والاحتيال، أن يسحب اسمه من القائمة السوداء الأممية فلن يستطيع أن يسحبه من محكمة التاريخ التي ستحاسب نظام آل سعود حساباً عسيراً على جرائمه كلها عاجلاً أم آجلاً.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى