إنه الإرهاب بوصفاته السحرية الجاهزة

سعد الله الخليل

بتوقيت شبه متزامن حادثين إرهابيّين يضربان في بيروت اللبنانية وفلوريدا الأميركية، عشرات القتلى والجرحى في حادث إطلاق نار في ملهى ليلي في مدينة أورلاند نفّذه أميركي من أصل أفغاني، وفي بيروت انفجار عبوة ناسفة أسفر عن وقوع جريحين، وأضرار مادية جسيمة بالقرب من مبنى بنك لبنان والمهجر.

بالرغم من اختلاف الظروف والملابسات، فإنّ ما يجمع الحادثين ردود الفعل والأحكام المتسرّعة في التحليل، وبناء الفرضيات وإطلاق الأحكام على الجهات المنفّذة والمستفيدة والتي تقف وراء الحادثين.

سريعاً وخلال لحظات، أعلنت السلطات الأميركية أنّ منفّذ العمليّة مرتبط بجماعات إرهابية، وأنّه تلقّى تدريباً خارج الولايات المتحدة في مسعى لإخراج الحادث من سياق التفاعلات الداخلية الأميركية، وإلباسه لبوساً إرهابيّاً خارجيّاً يضعها في موقع الضحية من جديد، بما يخفّف الاحتقان الشعبي ويشدّ الجبهة الداخلية إلى صفّ الحكومة في أيّ إجراءات مقبلة، أو على الأقلّ تحويل أيّ نقمة شعبية باتجاهات أخرى تصبّ في سياقات تخدم وجهة النظر الحكومية.

لم تقدّم السلطات الأميركية بدايةً ما يؤكّد ارتباطات عمر صديقي متين، منفّذ العملية، بمنظمات إرهابية، ومع تأكيد عمله في شركة بريطانية متّهمة بالتعذيب في السجون «الإسرائيلية»، ظهرت رواية اتّصال متين بالشرطة معلناً ولاءه لتنظيم «داعش»، قبل أن يعلن التنظيم تبنّيه للعملية.

تسلسل توارد الأنباء والمعطيات يطرح تساؤلات عن فشل السلطات الأميركية باعتقال شخص بهذا الحجم من الخطورة مرتبط بتنظيم تحاربه واشنطن خارج حدودها قبل تنفيذ الهجوم، طالما تمتلك كلّ هذه المعطيات التي ظهرت خلال ساعات.

إذاً، «داعش» حاضر في فلوريدا وعلى علاقة بتنظيم «جبهة النصرة»، فمنفّذ هجوم فلوريدا تواصل عام 2014 مع أبو هريرة الأميركي أحد انتحاريي «جبهة النصرة» الذي نفّذ في 25 أيار 2014 تفجيراً انتحارياً في محافظة إدلب، وهو ما يؤكّد تغلغل التنظيمين في المجتمعات الأميركية والمؤسّسات الأمنيّة التي يعمل متين في إحداها، وهو ما يتطلّب إعادة النظر بانتشار السلاح في الشارع الأميركي وسهولة اقتنائه كأحد التحدّيات التي لطالما عبّرت السلطات الأميركية عن تخوّفها منه، من دون أن تقدم على أيّ خطوة جديّة للحدّ من سهولة الاستحواذ على أيّ نوع من السلاح يرغبه أيّ شخص متواجد على الأراضي الأميركية باقتناء ما يحلو له من الأسلحة الخفيفة والآلية.

وفيما كانت الأوساط الأميركية تحلّل معطيات حادثة فلوريدا، كان حليف بيتها الأبيض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مشغولاً بالتنظير بالإرهاب، مع تأكيده بأنّ أنقرة لا تميّز بين إرهاب جيّد وسيّئ بل تعتبره بكلّ أوجهه سيّئاً، إلّا أنّ الغريب في مقاربة أردوغان أن يدعو لدعم تنظيم «جبهة النصرة» في مواجهة «داعش»، ليخرج «النصرة» من سياقها الإرهابي وهو ما يتماشى مع جهود أنقرة لتبرئة «النصرة» واعتبارها فصيلاً سياسياً، وهو ما لم تتجرّأ عليه واشنطن ولا الرياض.

لبنانياً، ركبت بعض الأطراف اللبنانية موجة الاستثمار إلى أقصى ما يمكن استثماره في السياسة والأمن، وكالعادة أسقطت مواقفها على الحادث الذي وصل صداه الإعلامي والتشويشي لما هو أبعد من تأثيرها التفجيري، فعلى الهواء اتّهمت مراسلة تلفزيون «المستقبل» حزب الله بافتعال التفجير كرسالة للبنك الذي يُعدّ رأس حربة في تنفيذ العقوبات الأميركيّة على الحزب، في محاولة شدّ العصب الطائفي ورفع مستويات التصعيد المذهبي في الشارع البيروتي، فيما سارعت قناة «أل بي سي» إلى إعلان تبنّي «كتائب أبناء زينب» التفجير ردّاً على المضايقات التي يقوم بها البنك ضدّ حسابات أبناء المقاومة، علماً أنّ هذا الاسم يظهر للمرة الأولى، في حين اعتبرها البعض رسالة أميركية إلى المصارف اللبنانية عبر أحد أكبر هذه المصارف، بنك لبنان والمهجر، لإجبار القطاع برمّته على توقيف تعامله مع المقاومة وجمهورها العريض، فيما وضع وليد جنبلاط التفجير في خانة مسلسل التفجيرات الذي تستفيد منه «إسرائيل» ويتضرّر منه حزب الله.

تزامن التفجير مع تحذير السفارة الكندية موظّفيها ورعاياها من التوجّه إلى رأس بيروت وتحديداً منطقة الحمرا، ترك علامات استفهام لم تقدّم السفارة حتى الآن أيّ تبرير لذلك التزامن ولا للتبرير الذي لا معنى له في حال استبعاد التفجير من سياق الأحداث، وهو ما يضع التحذير في سياق العلم المسبق بما جرى، ويتحوّل إلى إخبار ومعطى رئيسي على لجنة التحقيق في التفجير البناء عليه، ومساءلة السفارة عمّا تملكه من معلومات دفعتها لإطلاق هذا التحذير، إلّا أنّ التجربة اللبنانية تؤكّد أنّ محاضر التحقيق تُقفَل فور انتهاء الضجيج الإعلامي والاستثمار السياسي.

ثلاث قراءات مختلفة في السلوك الإرهابي تُظهر آليات التعاطي المختلفة مع نفس المكوّنات الإرهابية بحسب سياقاتها السياسية، بما يخدم توجّهات عواصم القرار البعيدة كلّ البعد عن المقاربة الحقيقية لمكافحة الإرهاب، بما يجعل منه وصفة سحريّة جاهزة لأيّ تعاطي في أيّ زمان ومكان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى