الحريري بين الحافة… والهاوية

13236135_10154859864647067_503491048_n

هتاف دهام

يمكن توظيف هجوم تيار المستقبل على حزب الله بعد التفجير قرب بنك لبنان والمهجر في فردان أول أمس بمثابة قميص عثمان، كما حصل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وشدّ العصب واجتياح انتخابات 2005. ويبدو أنّ الاستثمار في «دم الشهيد» الذي وظف طيلة السنوات الماضية عاد ليطلّ من بوابة «دم القطاع المصرفي» وتهديد اللبنانيين بلقمة عيشهم. لكن الواقع الحالي يختلف عن 11 سنة مضت. صُدم الرئيس سعد الحريري في الانتخابات البلدية أنّ البيئة التي ساقها في «النيابية» بعد اغتيال والده ليست جاهزة للسير معه. لم يعد المال الوفير متوفراً لديه. وباتت قيادته «القوية» عاجزة عن حلّ أصغر المشاكل في بيتها الوسطي.

لا شك أنّ الحريري زعامة مأزومة تبحث عن متنفّس في ظلّ الأزمة الخانقة التي يعيشها. جوهر الرياح الصحراوية التي عصفت به لا يتعلق بمشاركته في الحوار الثنائي والحوار الموسع وحكومة الرئيس تمام سلام، ولا بسياسة ربط النزاع مع الضاحية الجنوبية. زعامة «الشيخ» مأزومة، نظراً لعلاقته المتوترة مع السعودية والنتائج الكارثية التي أفرزتها، وانعكست مصاعب اقتصادية عليه، بقطع المملكة شرايين الإمداد المالي عن مؤسساته، وكسر هيبتة أمام فريقه السياسي وانعدام الدعم المعنوي له بعدما كانت كاسحة ألغام أمامه.

غاب الرئيس المستقبلي لفترة طويلة عن الإدارة المباشرة لواقع تياره. أدّى انقطاعه الطويل عن بيت الوسط إلى تفريخ زعامات جانبية استفادت من منفى زعيمها الاختياري بين باريس وجدّة. استفاد البعض مالياً، أقام إمارات صغيرة داخل الإمارة الزرقاء. واستفاد البعض الاخر سياسياً مثل الوزير نهاد المشنوق. وقال آخرون إنهم يمثلون قيادة مستقلة عن بيت الوسط وإنْ كانت في كنف قريطم كحال وزير العدل المستقيل أشرف ريفي.

باءت رهانات «سعد الدين» الإقليمية بالفشل على سقوط سورية والرئيس بشارالأسد، ركيزة سياسته منذ عام 2010 بعد اجتماعه الشهير مع الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتزامن مع إسقاط حكومته من الرابية . خيّب الأسد آمال الحريري بالسقوط، وجه ولا يزال إليه ولرعاته الخليجيين والغربيين، من عرش الرئاسة السورية، الصاع صاعين.

أقفلت السبل أمام رئيس تيار المستقبل. نفذ المطلب الغربي بفتح حوار مع حزب الله. اضطر أن يقيم ما يسمّى «ربط نزاع» مع المقاومة التي تحارب الإرهاب في سورية وعلى الحدود، ليس لأنه يحمل صفات الاعتدال إنما لأنه يريد رئاسة الحكومة والتحكم بمؤسسات الدولة وبزمام منظومة المصالح، ونفي الرئيس نجيب ميقاتي إلى خارج معادلة رؤساء الحكومات.

ما يمرّ به من ظروف سياسية واقتصادية ومالية خانقة، جعله يدرك أكثر من أيّ وقت مضى أن ليس بمقدوره الاكتفاء بمرحلة الإمساك غير المباشر بهذه السلطة. أقفل العالم أبوابه في وجهه. يجب أن يتبوأ سدة مجلس الوزراء، وهو على أهبة الاستعداد لتقديم الكثير من التنازلات الممكنة حتى يصل إلى مبتغاه.

لم يعد الحريري إلى التصعيد مجدّداً. لم ترتفع نبرة خطابات الإفطارات الرمضانية في الأيام الأربعة الماضية عن إطلالات 14 شباط وغيرها من المناسبات التي تلتها أو سبقتها. لم يغيّر يوماً في لهجته الحادّة اتجاه حزب الله. كانت حساباته ولا تزال الأكثر صقرية في الخيارات التصعيدية ضدّ حارة حريك وسورية وإيران، من المنضوين تحت جناح المستقبل. والمشكلة في الشارع السني لا تتعلق بالوزير ريفي بل بمناخ متطرّف يساره الحريري ويمينه «داعش».

يفترض رئيس التيار الأزرق أنه يستطيع سحب البساط من تحت أقدام وزير العدل من خلال الدور المتشدّد، بدل أن يندفع إلى عملية سياسية جذرية اعتدالية عنوانها حلّ مشكلة الملفات العالقة بما فيها الملف الرئاسي وقانون الانتخاب.

فهل يستطيع الحريري أن يتحمّل تبعات فكّ الحوار الثنائي مع الضاحية الجنوبية؟ لم يعد أمامه في المرحلة المقبلة سوى اعتماد سياسة مدّ الجسور. انّ لجوءه إلى سياسة نسف الجسور سيكون كمن حكم بالإعدام على نفسه وعلى ما تبقى له من زعامة وحيوية، وهو أكثر من يعرف هذه الحقيقة.

يعيش زعيم المستقبل اليوم على الحافة، وأيّ دعسة ناقصة من شأنها أن تطيح به إلى الهاوية السياسية. فهو لا يستطيع العيش خارج السلطة مثل السمك الذي لا يستطيع العيش خارج الماء. يدرك أنّ حواريْ عين التينة مصلحة مباشرة له أولاً وأخيراً، ويعترف صراحة أنّ اللقاءات الثنائية مع حزب الله هي مطلب أميركي وأوروبي للمحافظة على حدّ أدنى من الاستقرار.

من هذا المنطلق، فإنّ الحوار باق ومحصّن، ليس منّة من «الشيخ سعد» أو مراعاة منه للوضع اللبناني الملتهب، إنما لأنه مجبر على تنفيذ السياسات الخليجية والغربية، وهذا ما فنّده وزير الداخلية صراحة . أما على جبهة الضاحية، فحزب الله لن ينسحب من الحوار، لأنه يرى فيه مصلحة وطنية تخفف التوتر والاحتقان. وعلى هذا الأساس يتريّت الحزب في الردّ على مشهد فردان وتبعاته، يتأمّل بهدوء، تاركاً «المحبّين» يدلون بدلوهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى