الخطة الأمنية تقترب من «التعمير والطوارئ»

يرفض مرجع ديبلوماسي عربي مقيم في العاصمة الفرنسية أن ينظر إلى الضعف الأوروبي في ممارسة موقف مستقلّ عن الموقف الأميركي، بمعزل عن اعتبار هذا الضعف نتيجة لارتضاء أوروبا الفرنسية والبريطانية بقاء المانيا تحت بنود الاستسلام التي فرضت عليها بعد الحرب العالمية الثانية، بينما ألمانيا عليها ان تتحمّل قيادة أوروبا اقتصاديا وتحمّل أعبائها.


لذلك توجهت ألمانيا إلى الشريك الأوروبي الصاعد الذي تمثله روسيا وأنشأت معه خلال عشر سنوات علاقات مميّزة، فاستثمرت ستماية من كبريات شركاتها قرابة المائة مليار يورو في روسيا وصارت أربعون بالمائة من صادراتها تذهب إلى روسيا.

لذلك تمايزت المانيا في قلب الخطاب الأوروبي العدائي تجاه سورية وإيران، فردّدت ذات الخطاب لكنها لم تحوّله إلى دليل سلوك، فأعلن وزير خارجيتها من طهران أمس عن التحضير خلال يومين لمؤتمر اقتصادي إيراني ـ ألماني يضمّ أبرز الشخصيات في القطاعين العام والخاص من البلدين، والهدف رفع مستويات التعاون والتبادل التجاري لبلوغ رقم العشرة مليارات يورو للتبادل في العام المقبل.

لذلك أبلغت ألمانيا شركاءها في الغرب توقفها بعد عملية كسب عن تسليم تقارير بوارجها المتوسطية ومعلوماتها الاستخبارية المتصلة بحركة القوات السورية، إلى غرفة عمليات أضنة التي يديرها الأميركيون وتضمّ ممثلين للدول الداعمة والمنسّقة لمجموعات المعارضة المسلحة، بينما كانت المهام الموزعة بين الدول الغربية تعيش الاختلال بتغطية احتياجات الحرب على سورية.

مصدر أمني متابع لمجريات الحرب السورية كشف لـ»البناء» خريطة توزيع إدارة العمليات بين دول الغرب، حيث كانت المعلومات الاستخبارية ونتائج التنصت والمسح الراداري مسؤولية ألمانية، كان البريطانيون عبر مجموعات ميدانية وغرف عمليات يديرون جبهة الجنوب من حدود الأردن، والأميركيون يتولون جبهة الشمال عبر تركيا، ويختصّ الفرنسيون بجهة الغرب عبر لبنان الذي أنشأوا فيه مراكز الإيواء والدعم اللوجستي لمجموعات نخبة استخباراتهم، التي كانت تتولى العمليات الخاصة كعملية اغتيال القادة الضباط الكبار الذين أودى بهم تفجير مكتب الأمن القومي.

يبدو البريطانيون والأميركيون رغم ما يجري على الجبهتين أقلّ حماساً وتورّطاً من الفرنسيين، وتبدو الحركة الفرنسية وحدها النشطة رغم كلّ الخسائر والإحباطات التي تعيشها جبهة غرب سورية التي يديرها الفرنسيون، لدرجة انّ القادة الأمنيين الفرنسيين يعتبرون ان القيادة السورية تعمّدت حسم حرب القلمون ولا تزال تواصلها لإخراج النفوذ الفرنسي من سورية نهائياً.

لم ينضمّ الفرنسيون بعد إلى دول أوروبا المتحمّسة للخطط الأمنية اللبنانية، لأنهم وحدهم يتحرّكون بطرق استخبارية مع مجموعات سورية مسلحة بما فيها جبهة النصرة عبر حدود لبنان وسورية، ويخشون من تقطع الأوصال عند التطبيق الدقيق لخطة أمن البقاع بدءاً من اليوم، ولذلك ينتظر أن يظهر موقف أوروبي جامع داعم للخطة تعويضاً عن غياب المواقف المنفردة للدول الأوروبية، بينما يقيم عشرات رجالات فرنسا بين عرسال وزحلة كما تقول التقارير الأمنية المتابعة.

رجالات الاستخبارات الفرنسية يديرون بالتنسيق مع المخابرات القطرية مقاتلي جبهة النصرة، وقد تلقوا أمس ضربة قاسية في حمص، عبر كمين مخابراتي محكم أعدته القوات السورية نجم عنه مقتل قرابة المئة من قادة ومقاتلي النصرة في جورة الشياح، بعد الضربة القاسية التي تلقتها النصرة والفرنسيين في يبرود، وتستعدان لتلقيها في رنكوس خصوصاً مع تقادم ساعة إغلاق المعابر الحدودية اللاشرعية التي يستعلمونها من وإلى لبنان.

الخطة الأمنية البقاعية تتخذ أهمية خاصة لحيويتها بالنسبة لخطوط التسريب من وإلى سورية التي ستغلقها الخطة، بعدما وضع حزب الله ثقله لإلغاء كلّ ما لا يتفق مع مفاعيل الخطة بين أهالي القرى والبلدات المساندة والمؤيدة.

في تقرير خاص بـ«البناء» أنّ الخطة تقترب من بحث خيار دخول الجيش إلى أحياء التعمير والطوارئ اللبنانية قرب مخيم عين الحلوة، وسط تجاذب فلسطيني محوره الدور الذي يلعبه المنشق عن حركة فتح محمد دحلان، وموقف الحركة من الخطط المقترحة من جانب التحالف الفلسطيني، الذي تلعب حركة حماس فيه دور إقامة التوازن بين الفصائل الفلسطينية التقليدية والحركات الإسلامية وخصوصاً الجماعات التابعة للقاعدة منها.

الانتخابات والسلسلة

على الصعيد الداخلي، بقي موضوعان كبيران يطرقان باب الاهتمام السياسي والشعبي، أولهما الاستحقاق الرئاسي في ضوء عملية «شدّ الحبال» التي دخلها هذا المشروع بعد الاستعراض الذي قام به رئيس حزب «القوات» اللبنانية سمير جعجع بترشحه للرئاسة، ما أدى إلى إرباك واسع داخل فريق «14 آذار». وثانيهما يتعلق بسلسلة الرتب والرواتب التي ستكون مجدداً اليوم أمام اللجان النيابية لاستكمال البحث في موارد التمويل، إذ تخضع اللجان لامتحان جدي حول إمكان الاتفاق على التمويل بفتح الباب أمام إقرارها في الجلسة العامة يومي الأربعاء والخميس، تفادياً لخطوات تصعيدية واسعة هددت بها هيئة التنسيق النقابية.

نصرالله: خطر التفجيرات تراجع

وفي ظل هذه الأجواء أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن خطر التفجيرات الإرهابية في الداخل اللبناني تراجع كثيراً، مشيداً بالإجراءات الحدودية بين الجانبين اللبناني والسوري.

وقال نصرالله في حديث تنشر جريدة «السفير» اليوم جزءاً منه «إن خطر سقوط النظام السوري قد انتهى، وتجاوزنا خطر التقسيم، مؤكداً أن الخيار العسكري قد فشل، مشيراً إلى أن معركة سورية ليس هدفها صنع ديمقراطية أو عدالة أو مكافحة فساد، بل تغيير موقع سورية وموقفها بدليل العروض التي تلقاها الرئيس بشار الأسد أكثر من مرة». وأشار إلى أن غالبية الدول تتبنى اليوم الحل السياسي، متوقعاً أن يزداد الموقف الروسي تصلباً في المرحلة المقبلة.

وشدد نصرالله على أهمية تماسك جمهور المقاومة وبيئتها الحاضنة وقال: «نحن لا نواجه مشكلة مع جمهورنا حول مشاركتنا في سورية، بل على العكس هناك فئة كانت مترددة ولكنها حسمت خيارها معنا». وأضاف: «أستطيع القول إن بعض جمهور «14 آذار» يؤيد تدخلنا في سورية، حماية للبنان من المجموعات التكفيرية الإرهابية».

مصادر «14 آذار»: جعجع يريد توريط حلفائه

وبالعودة إلى ملف الاستحقاق الرئاسي، دخل هذا الاستحقاق عملية «شدّ حبال» داخل فريق «14 آذار» نفسه، بعد إعلان سمير جعجع عن ترشيح نفسه، إذ قالت مصادر سياسية من هذا الفريق إن هدف جعجع هو القوطبة ليس على المرشحين من هذا الفريق فقط، بل أيضاً على تيار «المستقبل»، حتى لا يذهب بعيداً في مروحة اتصالاته بعد أن لجأ إلى فتح الحوار مع العماد ميشال عون، وبالتالي يريد جعجع فرض أمر واقع على «المستقبل» أولاً وحلفائه من مسيحيي «14 آذار» ثانياً، للسير في دعم ترشحه وقطع الطريق على أي مرشح آخر. وإن كانت المصادر تعتقد أن ترشيح جعجع يفيد المرشحين الآخرين من هذا الفريق لناحية الإيحاء بأنهم مرشحون أقرب إلى التوافق.

كذلك أشارت أوساط نيابية في «14 آذار» إلى أن هناك انزعاجاً واستخفافاً لدى بعض أطراف هذا الفريق لترشيح جعجع، لأن الترشيح هو نوع من الاستعراض لسببين، الأول أن الانتخابات الرئاسية لا تنص على الترشيح أساساً أي أن الدستور لا ينص على حصول الترشيح، والثاني أنه بدا واضحاً أن جعجع يرسل رسالة إلى حلفائه قبل خصومه مستعجلاً ترشيحه وتوريطهم في موقف يدركون أنه لن يكون لصالحهم، خصوصاً أن الأجواء الإقليمية والدولية لم تتبلور في هذا الشأن.

جنبلاط يستكشف

وفيما أفيد أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط غادر إلى باريس ومن ثم إلى موسكو بهدف استكشاف الموقفين الفرنسي والروسي من الاستحقاق الرئاسي، لفت المراقبون إلى ما قالته صحيفة «الرياض» السعودية أمس عن أن ترشيح العماد ميشال عون قد يتم بتوافق فرنسي ـ أميركي وربما بعض الأطراف اللبنانية التي عارضت تحالفه مع حزب الله، وقد تكون رؤية من رشحوه أنه البديل الموضوعي القادر على التوصل لحلول مع إيران وسورية وحزب الله.

مواصفات الراعي

كذلك كانت لافتة المواصفات التي حددها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لرئيس الجمهورية المقبل والتي لا تنطبق على سمير جعجع، إذ تشدد على «أن لبنان بحاجة إلى رئيس قوي بأخلاقه ومثالية حياته وأدائه عبر تاريخه وقوي بتقوية الدولة بكل مؤسساتها»، وناشد الراعي الرئيس بري «أن يدعو المجلس النيابي فور انتهاء جلساته التشريعية إلى عقد جلسات انتخابية لكي يتبلور عبر الاقتراع والتشاور، شخص الرئيس العتيد».

ويتوقع أن يطلع الرئيس بري اليوم على نتائج جولة لجنة التواصل التي كلفها للاتصال بالكتل النيابية، ليدخل بعد الجلسة التشريعية عملياً في دراسة الآليات الممكنة للسير في جلسات الانتخاب والدعوة إليها.

اللجان أمام امتحان إقرار السلسلة اليوم

أما على صعيد سلسلة الرتب والرواتب، فإن أحجية التمويل بقيت العقدة في وجه إقرارها إذ لا يتوقع أن تنتهي جلسة اللجان النيابية المشتركة المقررة قبل ظهر اليوم من درس بنود التمويل، غير أن الرئيس بري مصرّ على متابعة الجلسات لاستكمالها، وقد أبلغت مصادر لـ«البناء» أنه سيدعو إلى جلسة ثانية إذا لم ينته النقاش ربما مساء اليوم أو غداً. وفي حال استكمال الدرس يمكن إدراجها على جدول أعمال الجلسة العامة، أما إذا لم ينته النقاش في اللجان، فسيبقى يدعو إلى جلسات مع العلم أن المجلس قادر على مناقشتها قبل وبعد الاستحقاق الرئاسي في أي وقت، ما عدا الأيام العشرة حين يصبح المجلس منعقداً لانتخاب رئيس الجمهورية.

مصادر هيئة التنسيق تحذّر

لكن مصادر في هيئة التنسيق النقابية أكدت مساء أمس لـ«البناء» ألا مجال للانتظار طويلاً بعد سنتين من التأجيل وعدم إقرارها. وأضافت أن الهيئة قد تعطي فرصة أخيرة حتى مساء غد الثلاثاء لكي تنجز اللجان بنود تمويل السلسلة، أما إذا استمرت المماطلة والتسويف فالتحرك بالتصعيد سينطلق اعتباراً من يوم الأربعاء المقبل بالتزامن مع الجلسة التشريعية. وحمّلت المصادر مجلس النواب، خصوصاً الأطراف المعروفة التي تعرقل إقرار السلسلة المسؤولية عن دفع البلاد نحو مرحلة جديدة من التصعيد النقابي والعمالي، وجددت تخوّفها من وجود نيات لدى بعض الكتل مدعومة من الهيئات الاقتصادية في عرقلة إقرار السلسلة.

وفي السياق ذاته واصل متطوعو الدفاع المدني تحركهم في سبيل إقرار تثبيتهم في الجلسة التشريعية العامة هذا الأسبوع، ونفذوا أمس عدداً من الاعتصامات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى