خُطى «السلام الدافئ» تمضي بثبات.. الدفء الذي ينفخ في النار

د. محمد بكر

عندما تُوصف زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن بالزيارة الملكية، والشيء الوحيد الذي ينقصها هو الإعلان عنها وتظهير أنّ الإدارة الأميركية قد استقبلت الأمير محمد كملك للعربية السعودية، كما جاء في تقرير أميركي نقلاً عن الضابط السابق في المخابرات الأميركية، وعضو الفريق الانتقالي في إدارة الرئيس أوباما بروس ريدل، كون أنّ الحالة الصحية لولي العهد محمد بن نايف استناداً لتقييم ثلاثة من كبار ضباط المخابرات الأميركية، تتدهور بوتيرة متسارعة، وربطاً مع جملة من التصريحات والتحليلات الصادرة مؤخراً، والتي تشرح ماهية العلاقة السعودية «الإسرائيلية» وتكشف في عمق توجهاتها، فإنّ أشدّ المتفائلين لن يستطيع أن يخفي بأنّ هذه المنطقة وبرغم كلّ ما يلفّها من مشاهد دموية، وانهيارات بالجملة في مؤسسات وعوامل الأمان والاستقرار في عدد من دولها، لا زالت ترقد على فوهة بركان قد تنفجر حممه في أي لحظة، وإنّ ناراً تلوح ألسنتها في الأفق لا أحد يدرك ساعة امتدادها والجغرافيا التي ستطالها.

قبل أكثر من أسبوع كان لافتاً توصيف الدراسة التي نشرها مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في تل الربيع «تل أبيب» بالتسمية «الاسرائيلية» لجهة ما سمّته الدراسة «السلام الدافئ» الذي تسعى مصر السيسي إلى صياغته مع «إسرائيل» مضيفةً «إنْ كان السلام مع «إسرائيل» في النصف الثاني من السبعينات جزءاً من عملية مصرية واسعة، فإنّ السلام الدافئ اليوم هو بخلق نظام إقليمي جديد يضمّ مصر والسعودية و»إسرائيل» ودول الخليج من أجل الاستقرار الأمني ومواجهة أعداء مشتركين»، كذلك وفي ذات السياق وبحرفية الطرح نتلمّس ما كان قد أدلى به المسؤول السابق في المخابرات السعودية أنور عشقي، لصحيفة «يديعوت أحرنوت» بأنه من السهولة بمكان للسعودية و»إسرائيل» تحديد أهداف مشتركة، وأنّ بلاده ستكون عرابة التطبيع مع «إسرائيل» وستشركها في السوق الحرة اذا تبنّى نتنياهو مبادرة السلام العربية.

لن نحتاج إلى صياغة وتقديم الدلائل لمعرفة أنّ جلّ ما يصدر سعودياً سواء من تصريحات عشقي، أو نظرية تركي الفيصل في العقل العربي والمال اليهودي، لم يكن ولن يكون لخدمة القضية الفلسطينية ولا كرمى لعيون الفلسطينيين، فبروس ريدل نفسه أكد «أنّ محور وجلّ لقاءات الأمير محمد في واشنطن لم تتطرق مطلقاً للصراع العربي الإسرائيلي»، فالعين على إيران والدفع السعودي لأيّ مبادرات أو تحالفات هو في اعتقادنا باتجاه إنهاء وتجريد النفوذ الإيراني من التمدّد والسيطرة في المنطقة، ومن هنا نقرأ ونفهم ما قاله خبير الشؤون السعودية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى هندرسون، تعقيباً على زيارة محمد بن سلمان لواشنطن، لجهة أنّ السعوديين وبرغم الأهمية لديهم في توطيد العلاقات العسكرية والأمنية مع الجانب الأميركي، إلا أنهم فقدوا أساساً إيمانهم بإدارة البيت الأبيض، وينتظرون اليوم الذي تنتهي فيه ولاية أوباما، مضيفاً أنّ الخطر بالنسبة للسعودية هو إيران وهناك رؤية مشتركة بينهما لمواجهة ذلك، ومع أنّ الاتصالات والكلام لهندرسون بين الجانبين قائمة إلا أنّ هذه الرؤية والمسعى لن يفضيا إلى شيء بحسب تعبيره.

حديث جون برينان رئيس الاستخبارات الأميركية، وإشادته بالسعودية كأفضل حليف في مكافحة الإرهاب على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، ونفيه القاطع لجهة عدم وجود دليل على تورّط العربية السعودية لا كدولة ولا كمؤسسة أو حتى مسؤولين في أحداث 11 أيلول، وحذف اسم التحالف السعودي من القائمة السوداء للأمم المتحدة، وعودة ذات الأسطوانة والخطاب الناري للتكرار على لسان الجبير لجهة مشاطرة الجانب الأميركي الرأي في أنّ الحلّ السياسي في سورية سيكون برحيل الأسد سياسياً أو بالسلاح، وإنّ إيران هي مصدر زعزعة الاستقرار ودعم الإرهاب تماماً كالبيان المشترك الصادر عن البعثتين «الإسرائيلية» ـ الأميركية في الحوار السنوي الاستراتيجي لجهة العمل على دحر جميع التهديدات التي تمثلها إيران، يؤكد مدى حضور المال السعودي وتأثيره على أيّ مسار مصاغ أميركياً يدين العربية السعودية وإنّ كلّ التصريحات الأميركية التي تكاثرت مؤخراً على لسان كلينتون وترامب حول تمويل السعودية للإرهاب وقبلها تصريحات أوباما، لن يؤثر على المسار الذي ترسمه الأقلام السعودية «الإسرائيلية» ولن يُبرّد الدفء والغايات الساخنة، ومن هنا نفهم تصريحات المرشد الخامنئي لجهة أنه إذا تمّ تمزيق الاتفاق النووي، فإنّ بلاده ستحرقه لأنّ الأصل هو في وجود الجمهورية الإسلامية وقدراتها وهذا غير قابل للتفاوض.

«السلام الدافئ» يسير واثق الخطوة، دفءٌ تتصاعد وتيرة حرارته تباعاً ولا أحد يعلم أبعاد وامتدادات غليانه، والأهمّ كيف سيكون الحضور الدولي للروس عند حدوث ذلك، لكن المعلوم أنّ هذا السلام الدافئ لن يكون إلا بمنزلة النفخ في النار، والمستمرّ دون انقطاع.

كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا

Dr.mbkr83 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى