مجموعة نادي النخبة بيلدربيرغ حكومة عالمية أم…؟

بلال شرارة

الاجتماع هذا العام لمجموعة بيلدربيرغ انعقد في مدينة درسدن الألمانية في ظلّ حراسة مشدّدة إلى حدّ الاختناق، بعيداً وكالعادة عن أعين الإعلاميّين وآذانهم وأقلامهم، حيث انطلقت الاجتماعات نهاية الأسبوع الماضي 9 حزيران واستمرت حتى الاثنين 12 من الحالي. ونظراً لأهمية هذا الاجتماع المتسلسل البعيد عن متابعات الرأي العام في الشرق الأوسط، ونظراً لما لهذا الاجتماع لاحقاً من تأثير كبير في العمليات السياسية الاقتصادية والاجتماعية بصفته أحد أوجه حلف شمال الأطلسي، سنحاول تبسيط الوقائع المتصلة بالاجتماع المتسلسل رقم 64 لـ نادي النخبة بيلدربيرغ الذي تأسّس في فندق بيلدربيرغ في هولندا العام 1954.

ضمّ الاجتماع هذا العام إلى الحاضرين من الجانب الأميركي: هنري كيسنجر، نيلسون وديفيد روكفلر، زبيغنيو بريجينسكي، آلآن غرينسبان وغيرهم من صنّاع السياسة والاقتصاد والتمويل في الولايات المتحدة الأميركية، ومن السهولة بمكان أيضاً تسجيل حضور رؤساء مؤسسات صناعية ألمانية كبيرة، مثل: سيمينس، شيبرينغر، ايرباص.

كما أنّ ضمن المشاركين في الاجتماعات رئيس اتحاد الصناعات الألمانية أولريغ غريللو، وثلاثة وزراء: المالية، الدفاع والداخلية. إنّ اجتماعات الحكومة العالمية أو مجموعة بيلدربيرغ لهذا العام اهتمّت بجميع القضايا العالمية، حيث ناقش المجتمعون استناداً إلى صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا مشكلة المهاجرين، الانتخابات الأميركية، كلفة الطاقة ومواردها، أمن الإنترنت، وكذلك الصين وروسيا والشرق الأوسط.

طبعاً، لا يعرف أحد خارج النادي ماذا دار في النقاشات المغلقة المحاطة بالسرية والكتمان والغموض. ويمكن معرفة الموضوعات التي يتناولها الاجتماع، ولكن من دون الإشارة إلى آراء الحاضرين، كما لا تسجل محاضر في شأن ما يدور في هذه الاجتماعات وما يتخذ فيها من قرارات أو عمليات التصويت ولا يصدر أيّ بيان عن الاجتماع، على هذا الصعيد لا بدّ من ملاحظة ما كتبته «الاندبندنت» اللندنية عن تفاصيل الاجتماع السري الأخير، حيث تناول الكاتب آدم لوشر هذا الاجتماع بالقول: هناك خطر من اجتماع عصبة بيلدربيرغ التي ربما تجتمع للتخطيط للسيطرة على العالم، إلا أنّ هناك احتمالية أن يكون اجتماعهم فرصة لحلّ بعض القضايا المعقدة، من دون أن يعرّضوا أنفسهم لضغوط الصحافة ! ؟

يقول الكاتب إنه ربما يعقد البعض الكثير من الآمال عندما يسمع بذلك، قد يفكر أحدهم في حلول لأزمات، مثل الحروب وغيرها، من خلال مثل ذلك الاجتماع. ويرى الكاتب أنه يجب ألا ننتظر الكثير من مثل هذا الاجتماع، إلا أنّ ذلك لا يعني أن نستمرّ في تغافل أمر الحواجز الأمنية والسرية المفروضة عليه فلم يزل هناك الكثير لنرى، وهو ما لا يمكن أن نستنتجه من تصريح دينيس هيلي، والذي قال القول إننا كنا نسعى لتكوين حكومة عالمية واحدة، هو أمر مبالغ فيه، إلا أنه ليس خطأ بالكامل!

فقد شعرنا بأنّ وجود مجتمع عالمي واحد سيبدو أفضل، بحسب التقرير لا نعرف إذا كان هناك خلافات في بيلدربيرغ، إلا أنها في حالة وجودها ستكون محض اختلافات نرجسية وطفيفة.

ويضيف الكاتب أخيراً أنّ هؤلاء – ربما – لا تشغلهم مشاكل الفقراء وحياتهم على الإطلاق، وأنّ حياتهم تلك في مجالس الإدارات والوزارات، ليست سوى حياة فارهة، وأنّ بيلدربيرغ ما هي إلا مكان لتلتقي فيه تلك النخبة.

في حين يقف البسطاء في الخارج خلف تلك الحواجز الأمنية متمنّين أن يتحوّلوا من مجرد بسطاء إلى سياسيّين متمرّدين. ترى هل تستدعي اجتماعات المجموعة أن ننتبه إلى أنّ علينا نحن في الشرق الأوسط ألا نمضي قدماً في لعبة الغميضة السياسية الدولية المستمرّة منذ أواسط القرن الماضي، بتجاهل النتائج الدولية للحروب. خصوصاً لاثنتين من الحروب العالمية السابقة وما يرسم اليوم من إعادة إنتاج الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط على خلفية انتهاء مفاعيل اتفاقية سايكس بيكو، أو ما نحصده في هذه اللحظة السياسية من مفاعيل الاتجاهات الدولية الراهنة لصنع شرق أوسط جديد باستخدام استراتيجية الفوضى الخلاقة التي أوقعت الحروب الجارية ومزّقت الشرق الأوسط من دون أن تتوقف عند هذا الحدّ.

ما هي حكومة العالم وما هي أهدافها؟ على حدّ وصف تيري ميسان الباحث الذي عمل على إماطة اللثام عن مجموعة بيلدربيرغ فإنّ هذه المجموعة ليست مكوّناً لحكومة عالمية ووظيفة هذه المجموعة هو من اختراعات منظمة حلف شمال الأطلسي وتهدف إلى إقناع الزعماء والتلاعب بالرأي العام لجعلها تنضمّ إلى المفاهيم والنشاطات التي تتخذها منظمة حلف شمال الأطلسي. إنه ومنذ العام 1954 يعقد اجتماع نخبوي لنحو مئة شخصية بارزة من أوروبا وأميركا الشمالية بشكل سريّ وتحت حماية قصوى لمدة 3 أيام لا يتسرّب عن اجتماعاتهم شيء. والاجتماع الأول التأسيسي رعته مادياً ملكتا انكلترا وهولندا لدعم مجموعة الدفاع الأوروبية والانموذج الاقتصادي لرأسمالية السوق الحرة. تشير مصادر المعلومات إلى انه يمكن الاستنتاج بأنّ الاستخبارات السرية لحلف شمال الأطلسي هي القوة السلطوية المضيفة لأعمال مؤتمرات مجموعة بيلدربيرغ المؤلفة من شخصيات مؤثرة تشكل أداة ضغط يستخدمها حلف شمال الأطلسي لترويج مصالحه، ذلك لأنّ الحلف الأطلسي نفسه يطمح لأن يكون حكومة سرية عالمية تضمن استدامة الوضع الدولي الراهن وعلى بسط نفوذ الولايات المتحدة الأميركية.

تقول المصادر إنه يجب أن يكون مؤكداً أنّ السلطة الحقيقية الوحيدة في الغرب هي حلف شمال الأطلسي. تجدر الملاحظة كما يقول تيري ميسان وعلى الرغم من أنّ مجموعة بيلدربيرغ كانت قد طوّرت في بدايتها لهجة مناهضة الشيوعية إلا أنها لم تكن موجهة ضدّ الاتحاد السوفياتي، ولا يتم ّتوجيهها في الوقت الحالي ضدّ روسيا.

إنها تتبع استراتيجية التحالف الذي لا يشكل اتفاقاً ضدّ موسكو ولكن للدفاع عن – وربما امتداداً – لمنطقة نفوذ واشنطن.

أنا لا أزعم أنني قدّمت مسحاً لأعمال هذه المجموعة، إذ إنها تشكل سراً لم يستطع اختراقه الإعلام الغربي، ولكن ألا ينبغي لنا أن نعرف؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى