لبنان «أكثر من عادي» بغياب رئيس الجمهورية «المسيحي»!

روزانا رمّال

لا يحمل الرئيس اللبناني، بحساب المحاور إقليمياً اي شكل من اشكال التحدي الذي يتخذه طابع الصراع اليوم، فالقطيعة الحالية بين ايران والسعودية تندرج ضمن سياق كشف عن مذهبة الصراع بالكثير من المحطات والمواقف بين دعم ايراني كان قد انسحب على كافة الفصائل المقاتلة في لبنان وفلسطين كحزب الله «الشيعي» على سبيل المثال وحركة حماس» السنية، وبين سعي السعودية وباقي اللاعبين الاقليميين مثل تركيا وقطر حلفاء واشنطن المباشرين سحب البساط الايراني من تحت حماس، بشكل جعل الاصطفاف الاسلامي الممذهب واضحاً، فتكرست وجهة الشرق الاوسط بالمعركة السورية مخاضاً لهوية جديدة مقبلة يكسب فيها المنطقة من يكسب الارض والسياسة معاً وعلى هذا الاساس تتحدد اشكال حكومات واستحقاقات دول الجوار التي تنظر رسو سفينة الازمة السورية عند ميناء البحر المتوسط الخالي من الارهاب تحت اطار تعاون دولي جاد بهذا الاطار.

الرئاسة اللبنانية هي كرسي الرئاسة المسيحية الوحيدة بالمنطقة، وهذا ما يجعلها متميزة «شكلاً» حتى الساعة و«إطاراً». فالحديث عن دعم سني اقليمي معهود لرئاسة الحكومة اللبنانية ووقوعه ضمن تفاهمات تاريخية ومحورية في حقبات مضت مثل ما كان يعرف بالتفاهم السعودي السوري «السين سين» يوازيه حديث عن دعم ايراني لرئاسة مجلس النواب ولو اختلف على ذلك عند بعض الآراء، لكن الغطاء او المظلة تبقى حاضنة للرئاسة الثانية بشكل او بآخر محلياً وإقليمياً بينما تفتقد الرئاسة الاولى رئاسة الجمهورية هذا الحضور او الدعم. وهذا امر ليس مستجدا كما يحاول البعض الايحاء. فتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ليس بسبب الازمة السورية، بل ان الازمة السورية هي التي كشفت ثغرات هذه السلطة التي لا تعتبر قادرة على الاستفادة من اي شكل من اشكال الاستقلال المنشود.

كشفت الازمة السورية مخاطر وثغرات غياب القوى الاقليمية عن المطالبة برئيس لبناني ورفع الاستحقاق الى مصاف الاولويات وكشف الانتظار ايضاً اخطر ما يمكن اخذه بعين الاعتبار اليوم، وهو ان الرئاسة اللبنانية ليست الا واحدة من النقاط التي تترجم خواتيم الصراع ومخارجها وليست حاجة رئيسية للبلاد وللمنطقة عموماً التي تحرص بظل الازمة حرصاً شديداً على الحفاظ على الحكومة اللبنانية وسط استغراب محلي مريب وتتمادى في تجاهل حاجة اللبنانيين لرئيس للجمهورية أقله «بروتوكولياً». تكشف الازمة السورية مدى أهمية دمشق في موقع الرئاسة اللبنانية التي أريد لها أن تنأى بنفسها عما يجري فيها وتكشف معها ايضا اهمية المعادلة الاساسية التي انتجت رئيساً طيلة عقود وهي معادلة التفاهم السوري السعودي «السين سين» وما يعنيه هذا من استحالة التوصل لاتفاق على اسم رئيس من دون عودة هذا التعاون، طالما ان الميثاق او التوازن الذي يحيط بالعملية السياسية اللبنانية هو «اتفاق الطائف» – السعودي – السوري – ليخلق سؤالا اساسياً ماذا لو لم يعَد انتاج التفاهم مجدداً؟ وهل سيبقى اتفاق الطائف هو الذي سيتحكم بالصيغة اللبنانية طالما ان قوى النفوذ مقبلة على تغيير حتمي في المنطقة؟

يشرح تجاهل الملف الرئاسي اللبناني حقيقة اقلية جدية لا تدخل في حسابات المنطقة كقوة فاعلة. ويشرح ايضا سحب الغرب الحرص الذي كان يهيمن على واجهة الرئاسة من دول راعية تاريخياً مثل فرنسا وعلاقاتها الجيدة مع المسيحيين ويؤسس لمرحلة جديدة تتقدم لتسيطر على واقع الرئاسة اللبنانية بعد الازمة السورية بكل مفاعيلها.

يؤكد الفراغ الرئاسي والتجاذب الحاصل على سيطرة ومذهبة الحساب السياسي بالمنطقة وتعزيزها بما يحافظ عليها بما يشبه تفاهماً مبطناً قضى بتشكيل حكومة لبنانية من فريقين متخاصمين سياسياً 8 و14 اذار على مضض من اجل انقاذ الحكومة اللبنانية وعدم تفريغ البلاد من سلطة دستورية تسيير اعمال الناس.

ربما يسعى المسيحيون اليوم لانتهاج هذا الامر ويحاولون في الكثير من الاحيان كقوى سياسية كبرى ووازنة في البلاد مثل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية اللعب على ملف رفع اجنداتهم الرئاسية لما يخدم حقوق المسيحيين وهم ربما يجدون ان ذلك هو السبيل الوحيد للمحافظة على حيثيتهم بالمنطقة وشدّ الشارع المسيحي فأخذت الاصوات تنتشر بمفهوم الاستفسار عن سبب غياب حقوق المسيحيين ومن هو الفريق الضامن لها ومن هو صاحب الاكثرية المسيحية؟

إرجاء جلسة انتخاب رئيس جمهورية الى 13 تموز المقبل واحدة من سلسلة تأجيلات لجلسات على مدى ما يقارب السنتين من دون او يؤسس ذلك الى مشكلة سياسية او اجتماعية في البلاد مشكلة بذلك عنوة مشهداً يؤسس الى ضرورة إعادة النظر بمجمل هوية النظام الذي يحكم سير الاستحقاقات السياسية في البلاد ويضيء على فكرة لطالما جعل منها بعض الافرقاء فزاعة يستخدمها المسيحيون تبين انها واقعاً تؤكد ضعف وجودهم بالمنطقة والعمل على اضعافهم.

ربما يخرج المسيحيون في لبنان من الازمة السورية بخلاصة مهمة مفادها ان وهم اعتمادهم على الدول الغربية لم يكن يوماً صحياً ولا صحيحاً. ففرنسا التي تسحب يدها اليوم من جهة من الاستحقاق أظهرت قدرة على المماطلة فيه من جهة واظهرت ضعفاً بالحسم من جهة اخرى، مشاركة بوضعه على آخر اهتمامات القوى الغربية. الامر نفسه يتعلق بواشنطن التي لا تعير اهتماماً شديداً بمسألة الوجود المسيحي في البلاد.

خلاصات الازمة السورية كشفت موقع المسيحيين والرئاسة معا ووضعت اتفاق الطائف بمهب الريح، خصوصاً ان العلاقة السورية السعودية لن تعود كما كان بافضل الاحوال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى