بعد تعذّر طاولة الحوار.. الصيغة اللبنانية إلى أين؟

ميسم حمزة

إنه لأمر إيجابي أن تنعقد طاولة الحوار بين اللبنانيين لمعالجة مشكلات بات حلها أمراً ضرورياً وملحاً، في وطن معرّض باستمرار لأزمات كيانية تترك آثاراً على اللحمة الوطنية وتمزّق نسيج الوطن الواحد وتفكّك الروابط الوطنية.

ولكن حتى اليوم، ما زالت الاجتماعات تدور في حلقة مفرغة، فلم يتمّ الاتفاق على قانون انتخابي، ولا على انتخاب رئيس للجمهورية، فكلّ فئة متمسكة بطروحاتها، وهي غير مستعدّة لتقديم أية تنازلات من أجل الخروج بالبلد من الفراغ والسقوط في الهاوية، الأمر الذي دفع برئيس مجلس النواب نبيه بري الى طرح مبادرة قد تحمل حلاً في طياتها للأزمات التي باتت مستعصية بدءاً من الانتخابات الرئاسية وإقرار قانون انتخابي جديد للمجلس النيابي وتطبيق اتفاق الطائف على الرغم من انّ الواقع يرسم صورة سوداوية في ظلّ التباين بين القوى السياسية التي تختلف على القانون الانتخابي والمشاريع المطروحة التي انحصرت بين مشروع حكومة نجيب ميقاتي القائم على النسبية على أساس لبنان 13 دائرة انتخابية، ومشروع القانون المختلط المرجح اليوم، في ظلّ تخوّف العديد من القوى السياسية من حجمها وتمثيلها الشعبي الذي فضحته الانتخابات البلدية التي جرت مؤخراً وأظهرت هشاشة قاعدة بعض القوى السياسية التي كانت تتغنّى وتتفاخر بامتلاكها الأكثرية الشعبية، الأمر الذي يشكل تزويراً فاضحاً للحقائق ولإرادة المواطنين ولا يحقق صحة التمثيل الشعبي.

الواضح اذن، انّ جلسات الحوار لن تحرز أيّ تقدّم فهناك من لا يرغب في توصّل اللبنانيين إلى اتفاق حول القضايا الداخلية من انتخاب رئيس للجمهورية أو إقرار قانون انتخابي جديد أو حلّ أيّ أزمة من الأزمات العالقة على الساحة اللبنانية، وهم يعرقلون التوصّل إلى أي تفاهم جدّي لإنهاء الأزمات التي تعصف بلبنان بانتظار التطورات الإقليمية.

فلا بدّ اليوم للخروج من الأزمة التي تعصف بالوطن، من العودة الى المادة 74 من الدستور التي أشارت بوضوح الى أن عند شغور سدّة الرئاسة لأيّ سبب من الأسباب وانتهاء مدة المجلس النيابي او عدم قدرته على الانعقاد يتمّ انتخاب مجلس نيابي جديد من خلال العودة الى الشعب صاحب السلطة الأساسية والذي منه تنبثق جميع السلطات، على أن يتمّ تعديل القانون الانتخابي كي يكون عادلاً ومنصفاً.

إنّ لبنان اليوم يعيش في حالة شلل كامل في مؤسسات الدولة الدستورية، مترافق مع تفاقم الأزمات المعيشية والحياتية، وغياب رئيس للجمهورية وفشل في الاتفاق على قانون انتخابي للبلاد، كلّ ذلك يتطلّب وقفة من جميع اللبنانيين لمراجعة الأسباب الكامنة وراء ما يعيشه الوطن والمواطن، وعلى كلّ القوى السياسية دون استثناء أن تغلّب الضمير الوطني والمصلحة الوطنية على ما عداهما من مصالح أخرى حتى نتمكن من تجاوز هذه الأزمة، ومبادرة بري تقوم على السلة المتكاملة، فهو يحاول من خلالها إرضاء جميع الفرقاء السياسيين المتمسكين بمواقفهم من أجل فكفكة هذا التمترس الذي يصيب البلد بأزمات متتالية، في ظلّ محيط اقليمي متوتر. فالإنقاذ بات أمراً ضرورياً تتطلبه المحافظة على مكونات الوطن وعلى الوحدة الوطنية المعرّضة أكثر من ايّ وقت مضى للاهتزازات، لأنّ الخوف كلّ الخوف من أن يكون هذا المسلسل جزءاً من المشروع المحضّر لكلّ المنطقة ولبنان في قلبها لإعادة تكوين المجتمعات الوطنية من جديد وفق ما يرتضيه الأمن الصهيوني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى