خضع أردوغان والتنازلات آتية…

ناديا شحادة

خضع أخيراً الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في نهاية الأمر لمشيئة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فلأول مرة منذ حادث إسقاط الطائرة الروسية من جانب تركيا العام الماضي وما تلاه من توتر في العلاقات بين البلدين، بعث أردوغان برسالة إلى القيصر هنأ فيها الشعب الروسي بيوم روسيا الذي أحياه الروس في 12 حزيران الحالي، وأعرب فيها عن أمله بأن تعود العلاقات بين موسكو وأنقرة إلى طبيعتها وترتقي إلى المستوى اللائق، وأضاف: «سيادة الرئيس الموقر! نيابة عن الشعب التركي، أودّ في شخصكم تهنئة جميع الروس بحلول «يوم روسيا»، كما أتمنى أن تنتقل العلاقات بين روسيا وتركيا في الفترة المقبلة، إلى المستوى الذي يليق بها».

كما بعث رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم برسالة إلى نظيره الروسي دميتري مدفيديف أعرب فيها عن أمله في أن يصل التعاون بين تركيا وروسيا في القريب العاجل إلى المستويات الضرورية بما يلبي المصالح المشتركة للشعبين. وقال: أتمنى للشعب الروسي دوام التقدم والازدهار.

بذلك يكون اردوغان حقق رغبة نظيره الروسي فلاديمير بوتين بالاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية، حيث ذكر المتحدث باسم الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تلقى رسالة من نظيره التركي رجب طيب أردوغان يعتذر فيه عن مقتل الطيار الروسي قائد قاذفة سو -24 التي أسقطها سلاح الجو التركي في أجواء سورية، مضيفاً أن أردوغان أعرب في رسالته عن استعداد أنقرة لإعادة تطبيع العلاقات مع روسيا.

رسالة اردوغان جاءت بعد أن خسرت أنقرة كل أصدقائها الدوليين والإقليميين، نتيجة لإخفاق سياساتها الخارجية وفقدانها لكل حلفائها، فالعلاقة الروسية التركية تدهورت بعد أن تمّ إسقاط القاذفة الروسية سو 24 من قبل العسكريين الأتراك أثناء عودتها إلى قاعدة حميميم العسكرية بعد تنفيذها ضربات على مواقع جماعات إرهابية في ريف اللاذقية بالقرب من الحدود السورية التركية، وعلاقتها بواشنطن بدأت بالتوتر على خلفية الدعم الأميركي لوحدات الحماية الشعبية الكردية في الشمال السوري. فالخطر الأكبر الذي تواجه تركيا هذه الأيام هو الدعم الأميركي الروسي المشترك لعدوّها الأشرس المتمثل في أكراد سورية و«جيش سوريا الديمقراطي» الذي يمثله والذي بات على وشك إعلان حكم ذاتي مستقل في المناطق الكردية السورية الشمالية الممتدة على طول الحدود الجنوبية التركية، وبذلك تكون تركيا خسرت أميركا الحليف التاريخي مثلما خسرت روسيا القوة العظمى البديلة بقرار عشوائي بإسقاط إحدى طائراتها، وبالإضافة الى قرار البرلمان الألماني حول الإبادة العثمانية للأرمن وضع أنقرة في موقف صعب تجاه علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بشكل عام وألمانيا بشكل خاص، وتخوض حرباً في سورية وتعيش سلاماً بارداً مع الجارين العراقي والإيراني..

فمن يقارن وضع الرئيس اردوغان وبلاده قبل خمس سنوات ووضعها الآن يدرك جيداً حجم المأزق الكبير الذي يعيشه لذلك لا نستغرب عمليات التمهيد الإعلامية والسياسية التي تجري للتراجع عن السياسات والمواقف التي قادت تركيا الى هذا الوضع الخطير، فخطوة اردوغان كانت نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها انقرة ونتيجة لضغوط السياسيين وممثلي المعارضة، حيث عبر جميع المتحدثين في البرامج التلفزيونية المقربة من اردوغان ومعارضته على حد سواء على أهمية الانفتاح مع موسكو وضرورة عودة العلاقات بين البلدين، وناشد المحللون السياسيون وممثلو المعارضة اردوغان المصالحة فوراً مع روسيا.

وكاستنتاج عام فإن تركيا إزاء دوافع وأولويات جديدة فرضها الواقع الإقليمي المتغير، والذي يميل لغير صالحها خلال الأعوام الماضية في الملفات كافة. لذلك لجأت إلى التعجيل بالمصالحة مع الكيان الصهيوني وتلاها التقرب والسعي لعودة العلاقة إلى سابق عهدها مع روسيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى