قلق عالمي واطمئنان المشنوق

روزانا رمّال

منذ أشهر وتتوجه نحو لبنان شخصيات سياسية ودولية اوحت للبنانيين انها بصدد حل ازمتهم الرئاسية الداخلية ليتبين بعدها ان هذا الامر غير موجود أصلا على جدول اعمال الزائرين، لا سيما عند بعض اللفتات التي تعتبر واحدة من ضرورات مسايرة الواقع المحلي والإبقاء على خيط التواصل بهذا الإطار انتظاراً لأي معطى دولي او زخم قادر على دفع الملف قدماً. وقد زار لبنان حينها وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند وجال على مخيمات اللاجئين فتبعه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بزيارة رسمية فريدة من نوعها منذ الأزمة السورية وحساباتها متخطياً بذلك حسابات البروتوكول المفترضة وغياب رئيس للجمهورية ضارباً كل الحسابات الديبلوماسية والشكليات عرض الحائط ومتوجها بشكل مباشر إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري كرئيس السلطة الثانية في البلاد من جهة، وليستشرف معطيات الموضوع اي ملف اللجوء السوري وأعداد النازحين وأوضاعهم من جهة اخرى. كل هذا تُضاف اليه زيارة لثلاثة أيام لأمين عام الامم المتحدة بان كي مون من أجل الغاية نفسها.

الزيارات المتتالية تلك تكفي لإرسال إشارات كبرى للبنان ولتؤكد على الكثير مما يحيط بالأزمة وحسابات الدول الغربية الكبرى حيالها ومساعيها الاستباقية. وعلى ما يبدو فإن صفارة إنذار الدول الكبرى قد قرعت منذ تلك اللحظة التي عقبها هجوم قوي على أوروبا، تحديداً فرنسا وبلجيكا حاملة معها مرحلة مغايرة بكل ما للكلمة من معنى.

تمّت مناقشة أزمة اللجوء السوري في فيينا أكثر من مرة وتركزت المصادر الديبلوماسية في آخرها عن أجواء قلق كبير في فيينا بشأن الملف وعن اعتباره أحد ابرز العناصر التي تهدد الأمن الأوروبي وعلى أساسه اصبحت العلاقات متوترة بين العديد منها، وعمت السجالات المشهد كالذي يجري بين تركيا والمانيا والتحديات المشتركة إضافة إلى ابتزاز انقرة الدول الغربية بهذا الموضوع. بالتالي، فان هذا هو احد ابرز الاسباب التي تحمل مسؤولين أوروبيين نحو لبنان والاردن من دون ان يتضح حتى الساعة مصير الملف.

لبنان غير القادر على استيعاب لاجئين لوقت اطول بعد ولاعتبارات امنية وسياسية يشترك مع اوروبا بالأبعاد والهواجس نفسها، وإذا كانت ملفات الهبات والمساعدات المالية هي الأكثر أرجحية، فإن هذا لا يبدو واضحاً ايضاً، حسب توضيح وزير خارجية لبنان جبران باسيل الذي حضر في آخر جلسة لمؤتمر فيينا، وشدد على اهمال هذا الملف بشكل كبير ولافت مؤكداً أن نيات خطيرة جداً تطرح التوطين في الدول المضيفة، ناقلاً ما استمع إليه من مواقف ممثلي دول اوروبية ودول كبرى وطرحهم سيناريوات مريبة للموضوع مثل السعي لإبقاء اللاجئين مكانهم والتوجه نحو إيجاد حلول تؤمن معيشة أكثر استقراراً لهم مثل وظائف او اعمال او غيرها تجعلهم يتوجهون نحو الثبات أكثر في البلد الذين يعيشون فيه فينضمون إلى نسيجه تدريجياً، حسب مقترحات صدرت في الامم المتحدة.. فيقع التوطين بطريقة او بأخرى.

الأجواء هذه نقلها باسيل إلى الحكومة اللبنانية، لكن أحداً لا يبدو انه بصدد إظهار اهتمام بهذا الأمر، وعلى هذا الأساس لا تزال الحكومة ترفض التعاون مع سوريا بملف النازحين لإعادة ترتيب ما يلزم لعودة من يستطيع ذلك إلى بلاده ليصبح الأمر اكثر ريبة بعد تفجيرات القاع الانتحارية الثمانية، والتي ادهشت اللبنانيين لجهة المنطقة المستهدفة وطبيعة العملية الوحشية من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة لناحية رمي التصريحات التي تجازف بأرواح اللبنانيين على اعتبار ان اصحابها يودون بث أكبر قدر ممكن من الامان في النفوس وهي أمنيات غير مبنية على وقائع حتماً وإلا لكان من الأفضل إعلام اللبنانيين بها قبل وقوعها.

يحق لوزير الداخلية اللبنانية الالتفات إلى ما لا يعدو كونه فقط مراقبة الأرض عن كثب في ما يتعلق بتفجيرات القاع المريبة التي أصابت لبنان من اقصاه إلى اقصاه بصدمة، لا يمكن لأي تبرير بعدها وضعه عند مرحلة الامن واليقين المنشود من الواقع. فاعتبار الوزير المشنوق حسماً وقطعاً أن الانتحاريين ليسوا قادمين من مخيمات النزوح السوري الموجودة في جوار بلدة القاع والتي يضمّ بعضها ما يزيد عن 35 الف نازح وعدم الاستماع إلى مخاوف اهالي البلدة وهواجسهم، فهذا اكثر ما يقلق بهذه المرحلة. وعليه يجدر بوزير الداخلية تقديم معلوماته الواضحة حول الانتحاريين، إذا كان أكيداً من نسفه عنصر المخيمات وما يعني سحب الامر من التداول ليبقى السؤال: ألم يتطلب من الانتحاريين تأمين مراقبين بالجوار ليساعدوهم في التنفيذ، وغالبا ما تكون هذه البؤر في مناطق قريبة؟ اللافت ان حملة لا للعنصرية تتقدّم اليوم، وكأنها كلمة سر 14 آذار لصد اي هجمة على المخيمات، وكأن هناك من يريد عدم الحديث بهذا الملف بتاتاً. وربما ينتظر المقايضة الدولية فيه والانتظار قدر الإمكان من دون الأخذ بعين الاعتبار مخاطر الإهمال أكثر.

كل بيئة فقيرة تحمل الإرهاب وهذا واقع حملته ضواحي باريس المهملة باعترافات تقارير أمنية محلية حمّلت الحكومة أسباب نمو ظواهر التطرف لشدة الإهمال، وهو السبب نفسه الذي أسس لهذا في لبنان. فمخيم عين الحلوة في لبنان ونهر البارد مثالان واضحان، واذا كان المشنوق مطمئناً عنوة، فهو مطالَب بأسرع وقت من اللبنانيين واهل القاع بوضعهم أمام معلومات دقيقة لمعرفة مصيرهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى