الموقف الإيراني من انقلاب تركيا والاخوان

روزانا رمّال

يعيش مؤيِّدو محور إيران – حزب الله – سورية قلقاً تشوبه ريبة غير واضحة المعالم تأخذه نحو تجاهل السؤال حيناً والوقوف عنده أحياناً أخرى، فتطغى ازدواجية مطلقة على المشهد وضبابية يعترف من خلالهما بتناقض في الموقف الإيراني بشكل خاص، كرأس الحلف وعموده الفقري، فيتفهّم ما يقرأه من مواقف سياسية مفاجئة بالنسبة له ويحاول أن يجد مخرجاً منطقياً لموقف قيادة يثق بها، لكن من دون أن يعني هذا فرش مساحة من الطمأنينة.

يدرك الرأي العام في هذا المحور أن تركيا أحد أبرز عناصر تغذية داعش والنصرة، بحسب ما يؤكده قادة المحور، وبالتالي فإن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان واحد مما يجب أن يتمّ كبح جماحه ولجمه عن مدّ يد العون للإرهاب وهو إحدى أصعب مهمات هذا الحلف، وما يقف بطريق المفاوضات المتعلّقة بحل الأزمة السورية في جنيف. هذا الأمر نفسه ما تؤكد عليه وثائق روسية ومشاهد لفيديوات مساعدة جنود أتراك لمسلحين إرهابيين لعبور الحدود ووثائق أيضاً لعمليات نهب للنفط السوري وغيره في شمال البلاد.

انقلاب مباغت تعرّضت له السلطات الحاكمة في تركيا، كان من المفترض أن ينجح لولا بعض الثغرات التي حالت دونه وأبرزها فقدان عنصر الدعم الدولي أو الغربي بشكل خاص القادر على ضبط الشق العسكري منه على اعتبار أن الجيش التركي هو من أقوى جيوش الأطلسي والمنطقة وملتزم بالدفاع عن أي دولة تتعرّض لهجوم فيه. انقلاب كاد يُطيح بهذا الحكم الذي أثر بشكل مباشر على نشر الإرهاب وتوسعه داخل سورية وأوروبا فيخرج موقف إيراني لافت على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف يدعم فيه السلطات الشرعية بالبلاد ويرفض الانقلاب عليها ليتبعه موقف للرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني يؤكد فيه «وقوف إيران إلى جانب السلطات التركية، منوهاً بـ «متانة العلاقات بين البلدين» وهذا في اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، داعياً لضرورة توسيع آفاق العلاقات بين البلدين مديناً الانقلاب بشدة قائلاً «لم يعُد بإمكان المدافع والدبابات إسقاط حكومات حقيقية منتخَبة بشكل ديمقراطي».

وبالمضمون يمكن فهم الموقف الإيراني ووضعه بالإطار المناسب إذا تمّ الرجوع الى فترة اندلاع الثورات العربية عام 2011، أبرزها ثورة مصر التي اعتبرتها إيران ثورة مباركة إعجازية، لا ينسى الشعب المصري هذه الخطبة التي جاءت في 4 شباط عام 2011 للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي الذي دعم الثورة فيها وقال «حادثة مصيرية كبرى تستطيع أن تغير معادلات الاستقرار بالمنطقة لصالح الإسلام ولصالح الشعوب، حادثة تستطيع أن تعيد العزة والكرامة للشعوب العربية والإسلامية وتنفض عن وجهها غبار عشرات السنين مما أنزله الغرب وأميركا من استغلال للشعوب».. خطبة رأت الثورة المصرية إعجازاً قادراً على الكثير فتبنّى حزب الحرية والعدالة الفرع الآخر للعدالة والتنمية الحكم في مصر وتسلّم محمد مرسي الكرسي، وافتتح العلاقة بإيران.

وصل الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد إلى القاهرة في 5 شباط 2013 في أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني للبلاد منذ نحو 34 عاماً وكان الرئيس المصري محمد مرسي على رأس مستقبليه في مطار القاهرة، حيث أقيمت له مراسم استقبال رسمية.

لم يقطع «الاخوان المسلمون» علاقتهم مع «إسرائيل» ولم يكن الموقف الإيراني حينها او الأمل ذاته هو الذي كانت قد تطلعت اليه طهران. رسالة مريبة أرسلها مرسي للرئيس «الإسرائيلي» وقتها وكانت أولى مفاجآت الاخوان العلنية ومن بعدها بات كل شيء أوضح بالنسبة لسياسة لم تكن يوماً إسلامية الهوى أو حريصة بما يكفي على مقدسات المسلمين ومشاعرهم. لم يكن وارداً تخطي مرسي الخطوط الحمر التي رسمها القائد الاخواني الأعلى اردوغان والذي توجه اليوم لإعادة تصحيح مسار التطبيع مع «إسرائيل» وإصلاح ما تم إفساده بسبب حادثة مرمرة الشهيرة.

من بين المفارقات المريبة حرص إيران وحزب الله على عدم قطع العلاقات مع تركيا، بالرغم من كل ما يتعرضون له في سورية من قتل على يد عصاباتها، كذلك الأمر بالنسبة لقطر، لقد عبر السيد نصرالله شخصياً بملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين أن الأمير تميم لبّى طلبه بمتابعة الأمر فنجح. نعم حزب الله وإيران يحرصان على علاقة «ما» مع «الاخوان المسلمين» وحلفائهم في المنطقة. وكل هذا واقع تحت عنوان واحد «التقرّب من السنية السياسية» وتبدو إيران واقعة ضمن ابتزاز يعرف أعداؤها جيداً قيادته وإدارته انطلاقاً من علمهم المسبق بحرصها على ضبط مفاتيح الفتنة الإسلامية.

لكن بالمقابل يطرح المراقبون مجموعة أسئلة من نوع: ماذا كانت ستؤول إليه حال تركيا لو نجح الانقلاب؟ وهل كانت بالضرورة أفضل مع بقائها في ظلال الأطلسي خارج أي معادلة سياسية داخلية مفتوحة بقوة الاحتكام للانتخابات؟ وهل الفوضى كخيار وارد، إذا انقسمت تركيا بين الحكومة والجيش وأتاح ذلك للجماعات الإرهابية حصة من الجغرافيا التركية خصوصاً القريبة من حدود سورية وإيران والعراق؟ ثم ماذا لو نجح الانقلاب وتسلّم الجيش الحكم، هل كان الموقف الإيراني هو نفسه؟ ولماذا على إيران أن تؤيد انقلاباً فشل أصلاً؟ وفي النهاية ألا يعبّر كلام الحرس الثوري عن التمسك بشرعية الحكم في تركيا لتبرير التمسك بشرعية مماثلة في سورية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى