«المتأتركون» والتباكي على أردوغان!

نظام مارديني

لم تكن ليلة الخامس عشر من تموز عادية كباقي الليالي التركية، فهي ستوقظ الأتراك بعد انتهاء مفاعيل «المؤامرة الانقلابية» على تلك الحقيقة المدوّية التي ستكشف لهم أن مشكلة هذا المجتمع يمكن رؤيتها في التشكيل البنيوي للدولة التركية الذي إذا ولدت فيه الخلافة من جديد، فستبقى بعيدة عن التفاعل مع مفاهيم التحديث، والدخول في المسارات الصناعية والتكنولوجية.. وهذه الأنواع من الأنظمة التي منها تركيا، بدت وكأنها «حارسة المستودعات»، وليست المحرك في اتجاه الدخول إلى جاذبيات العصر.

يقع جزء كبير من المجتمع التركي في دائرة الضياع غير المتوازن وهو يبحث في ذروة الإنهاك عن ذاته الحقيقية وعن هويته الممزقة، بين العلمانية الأوروبية والإسلام الإخواني، الذي يعمل لجعل تركيا كلها سواطير. لكن هذه المرّة من تصميم ايف سان لوران، ما دام يفاخر أردوغان بربطات العنق، فيما «الإرهابي» يترعرع داخله.. مَن قال إن الإرهابي هو فقط مَن يذبح البشر، وليس مَن يذبح الدولة والمجتمع وحتى …اللغة؟

لا يتوانى أردوغان عن توجيه النقد لخصومه ومعارضيه، بل هو وصل إلى اتهام معارضيه بالإرهاب، كما كان قد اتهم رئيس حزب الشعب الجمهوري العلماني «كمال كلتشدار أوغلو» بأنه علوي في وقت سابق، لأن الأخير رفض سياسته الخارجية في سورية!.. كل ذلك يطرح سؤالاً جوهرياً، وهو كيف لعقل أردوغان أن يمارس النقد، وهو فاقد شروط النقد ومقدماتها؟ كيف يُراد للعقل أن يمارس دوره، ولازال يعيش قصوره المتردّد، إذ يقف خائفاً امام كاريزما النص الديني؟ وهذا المريض نفسياً يشبه تيريزا في رواية «كائن لا تُحتمل خفته»، وهي شخصية انتهازية يساورها دائماً الشعور بالضعف والاضطهاد من قبل الجميع، وتعرف كيف تستغلّ هذا الشعور. ولكن «ما يرتديه ليس قناعاً، هذا هو وجهه الحقيقي» كما حارس النار المقدّسة متحدثاً عن الرجل الوطواط ــ من قصة كوميكس .

لسنا متأكدين من مدى صحة الاشتقاق «تدعيش» بمعنى جعل الشيء «داعشياً»، وفق قواعد اللغة العربية لكن ليس سراً القول إن هناك مخاوف لدى الأوساط العلمانية التركية من أن البلاد تنزلق بسرعة صوب التطرف والتشدّد الإسلامي الذي تجسّده عصابات «داعش» المنتشرة في المدن التركية، وما جرى من عزل لعشرات الآلاف من القضاة والمدرسين والشرطة والجيش يشير إلى أن ما يجري هو دفع تركيا بقوة وسرعة قياسية نحو النموذج الداعشي.

هي محاولات لتغيير طبيعة الدولة العلمانية باتجاه أن تكون أقل علمانية وأكثر دينية، وهذا لا يناسب نظرة المؤسسة العسكرية لكونها تقليدياً حارسة للعلمنة في البلاد، هذا كله يترافق مع محاولة أردوغان للاستئثار بالسلطة وإلغاء الآخرين حلفاء أو شركاء أو أعداء.

أكثر ما يثير القرف هم هؤلاء «المتأتركين» من السوريين والعرب. فهم فريق وقف بكل ما لديه من قوة خطابية وإعلامية اجتماعية وفتاوى دينية مع أردوغان.. فهذا داعية شهير حلم بأردوغان ليلة الانقلاب، وذاك حلم بالرسول الكريم يُوصي الأتراك بالرئيس أردوغان، ووصلت الأتركة بأحدهم أن ردّ على أحد المستدركين المتخوّف من الانتقام الذي قد يؤدي لتمزق المجتمع التركي بقوله: «لو يبوّل أردوغان على رؤوسهم لقلنا ما أرحمه فهو يغسلهم ببوله الطاهر».. إلى هنا انحدرت وقاحتهم.

الذين احترقت أصابعهم مازالوا في اللعبة إياها.. الحوذيون، حوذيو الكراهية هم هم حوذيو الغباء!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى