جنبلاط يصحّح: نفوذ سوريا «كبير»

روزانا رمَّال

الحديث عن الأزمة السورية لم يكن ترفاً ديمقراطياً في بدايته ولا حتى استعجالاً من قبل بعض الذين ظنّوا بسرعة أن التغيّر في الشرق الأوسط سيتلاحق بالتزامن مع انهيار الحكم فجأة في تونس ثم مصر فبنوا حسابات، وفق ما شاهدته ووثقته الأحداث وقد عاصروها في أدق تفاصيلها. وهنا يبرز الحديث عن «مصر» كقوة إقليمية نافذة وحليف قوي لا يستهان فيه للولايات المتحدة والغرب في المنطقة العربية، والذي تعرّض لزلزال عنيف أسقط معه نظام حكم الرئيس حسني مبارك وهو واحد من رموز حقبة عربية بأكملها من غير المتوقع أن يتخلى عنه حلفائه، مهما بلغت التطورات. بالتالي رسمت مصر سقف توقعات المتفائلين والمتشائمين ايضاً من الاحداث وركزت وجهة المصطفّين في لبنان بوجه الرئيس السوري بشار الاسد منذ ما بعد عام 2005 نحو مصير مماثل للرئيس حسني مبارك الذي تجمعه بعائلة الأسد قدرة على السيطرة على الحكم لعقود طويلة وتجمعه أيضاً رمزية الحضور والمهابة، بالتالي فإن سقوط الأسد وارد لمجرد سقوط مبارك وفق تلك الحسابات.

لم يكن وليد جنبلاط معذوراً آنذاك، وهو الذي من المفترض أن يكون الأكثر قدرة على إنضاج الفكرة من غيره من الساسة اللبنانيين العاجزين عن هذا بسبب قلة خبرتهم وانعدامها وبسبب أيضاً عدم احتكاكهم بالرئيس السوري بشار الأسد. كما كان جنبلاط الذي عرف العائلة بشكل وافر يمكنه من استنتاج مواقف الحكم إزاء الأزمة، ويمكنه أيضاً من توقع أوضاع الجيش السوري وتجاوب الناس وشعبية الأسد وما بنته العائلة من رصيد قادر أن يشكل سداً منيعاً بوجه رغبات الخارج بإسقاطه. يمكن لوليد جنبلاط ايضاً تقديم قراءة لنفسه ولجمهوره حينها تختلف عن تلك التي رصدت في حالة مبارك، وهو ما ينسف فكرة التشابه بين الحالتين لجهة المواقف الخارجية وهو استبعاد الأسد من منظومة الجامعة العربية منذ لحظة الاشتباك مع السعودية ومنذ لحظة تأييد قمة بيروت العربية عام 2002 يضاف الى كل هذا معرفة جنبلاط باختلاف الوضعين فالرئيس السوري لم يطبِّع مع اسرائيل وليس صديقاً للغرب فلا تنطبق عليه أحكام ما حل بحلفاء واشنطن بل ينطبق عليه ما ينطبق على حلفاء ايران وروسيا والصين في مثل هذه الحالة.

لا يُغفر لجنبلاط سياسياً اخذ الطائفة الدرزية في سوريا ولبنان نحو أماكن تشعرهم بمزيد من الضياع في منطقة تعيش هواجس الأقلية ولا يسقط سهواً موقف عبر عنه دوماً وهو يقينه بسقوط الرئيس السوري، ثم يقينه بسقوطه عاجلاً أم آجلا كنوع من تبرير اطالة الوقت وعدم حدوث ذلك.

يعتقد جنبلاط اليوم ان «الاسد» نافذ وقوي في لبنان. هذا ما يقوله في تصريح صحافي بطريقة او بأخرى معترفاً بانتصار الأسد ضمنياً وناسفاً مقولاته بأنه ساقط لا محالة على مدى ست سنوات.

لا مانع عند جنبلاط من تبدل الموقف السياسي، فلطالما بدّل وغيّر الكثير، على اعتبار ان السياسة تطلب ذلك وحماية الطائفة قد تطلب أكثر. لا مانع عند جنبلاط أيضاً من مهادنة حلفاء الأسد في لبنان. وهو اليوم يعلن للبنانيين أن مفاتيح الرئاسة اللبنانية في سوريا وأن «بشار الأسد ليس مستعجلاً على التسوية الرئاسية في لبنان وأن في حساباته، كما والده، لن يقدم على تسهيل الطريق الرئاسية من دون مقابل». يؤكد جنبلاط – على ما سبق – أنه يعرف العائلة جيداً ويستشهد بكلامه بمواقف الرئيس حافظ الأسد او بتوقعه فيها من دون ان يلتفت الى انه كان يتوجب عليه التبصُّر أكثر في مواقفه تجاه الأزمة السورية بغض النظر عن موقفه من الأسد بذاته.

يعيش لبنان اليوم فراغاً رئاسياً بات عبئاً على اللبنانيين من زاوية القلق على مستقبل الرئيس المسيحي الوحيد، ومن زاوية أخرى تعايشوا مع فكرة أهم من انتخابه وهي انتظار الأزمة السورية لربط حلّ رئاسة بلادهم، يربط اللبنانيين تلقائياً مصير لبنان بسوريا. وهو المصير الذي اراد جنبلاط فك ارتباطه، وإذا بطبيعة الجغرافيا التي حكمت البلدين من الانتدابين العثماني والفرنسي تفرض واقعها، وإذا كان النأي بالنفس واحداً من أبرز مقررات العهد السابق للرئيس ميشال سليمان، فإن هذا بالتأكيد أول ما تمّ نقضه بفعل عوامل الجغرافيا نفسها والتاريخ أيضاً.

يعترف جنبلاط بشكل سلس بقدرة سوريا ومكانتها حتى الساعة في تعطيل الحل الرئاسي بأسوأ حال، ويعطي بهذا اعترافاً آخر بعدم سقوط النفوذ السوري في لبنان. كيف إذا كان فيه الإفراج عن ازمة كبرى بحجم الرئاسة اللبنانية؟

يدرك جنبلاط أن «لا أحد في المنطقة أو أوروبا يملك المقابل الذي سيقدّمه للأسد، وأن الأخير لن يبيع الرئاسة سوى إلى الأميركيين». وهذا يعني عملياً أن البيعة قد تتأخر إلى الربيع المقبل كحد أدنى، أي ريثما يستقر الرئيس الجديد في البيت الأبيض ويثبّت دعائم إدارته» وفي هذا تراجع آخر عن ضعف الاسد الذي يصوره اليوم قادرا على مقايضة الاميريكيين بدلا عن الوقوع في شباك عزلهم اياه لسنوات كل هذا بغض النظر عن صدق رؤيته.

أخيراً يتصرّف «الأسد» برأي جنبلاط منذ الآن كمنتصر، يشترط ويبادل خدمات أمنية مع الأوروبيين مقابل انفتاح ديبلوماسي مع الطليان والألمان والحبل على الجرار…

اعتراف جنبلاطي آخر بريادة الأسد «الإرهابي» بمكافحة الإرهاب!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى