اللاهوت اليهودي.. وأحلام كيسنجر!

نظام مارديني

لا تزال أحلام الهيمنة على الهلال السوري الخصيب مستمرة، بل هي لم تتوقف منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن، وقد تحققت بعض هذه الأحلام مع سايكس بيكو، وبعدها مع وعد بلفور المشؤوم الذي دفع الجراد اليهودي من الجهات الأربع كافة إلى التجمع في فلسطين تحت وهم أسطورة «أرض الميعاد».

هذه الأحلام المتجددة دفعت هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركيّ الأسبق في الأيام الأخيرة حوار مع جريدة «دايلي سكايب» الأميركية إلى القول إنّه يتمنّى أن يشاهد حلمه يتحقّق في غزو «إسرائيل» لنصف منطقة الشرق الأوسط عند اندلاع الحرب العالمية الثالثة، واحتلال الأميركيين عبر حلف الناتو – دولاً عربية عدة في المنطقة وصولاً إلى روسيا وإيران وتركيا، وذلك تكريساً للهيمنة على العالم، عبر هذا الدور الصهيونيّ المرتقب، للإعلان عن «عالم أحاديّ القطبية»، تقوم فيه تلّ أبيب بالعدوان على أقاليم عدّة في جميع دول المنطقة تحت الغطاء الأميركي، وبعد الإعلان عن حلّ هيئة الأمم المتحدة، لمحاكاة تجربة فشل عصبة الأمم، والتفكير في منظمة دولية بديلة. يمكن تلخيص هذا السيناريو بـ «المنطق التطوّريّ الداروينيّ»… أي في انتقال واشنطن من المرحلة الاستئسادية إلى المرحلة الديناصورية!

ويتقاطع السيناريو الذي يروّج له كيسنجر، مع تصورات صاموئيل هنتغتون وفرانسيس فوكوياما حول صراع الحضارات ونهاية التاريخ، في محاولة الوصول إلى خطط المؤرخ الانكليزي برنارد لويس واليهودي الفرنسي برنارد هنري ليفي مطلق وداعم «الربيع العربي» وبيادقه، لتقسيم دول المنطقة وتجزئتها، وضمّها للسيادة الأميركية على «قلب العالم»… ومن الواضح أنّ السيناريو الذي رسمه كيسنجر يتراكب أكثر مع خطط لويس وتحركات ليفي.

في رأي وزير الخارجية الأميركي الأسبق أن أزمات المنطقة كلها وصلت الى «الحائط الأخير»… لا مجال للمعالجة الا بعمليات جراحية مبرمجة بدقة، وقابلة للحياة. استطراداً، حلّ الدول القائمة، وبلورة معايير محددة، وكذلك المفاهيم الايديولوجية، للولايات أو الكانتونات ، على أن تكون القفزة التالية باتجاه الدولة الكونفديرالية التي تمتد من جبال زاغروس إلى شاطئ المتوسط!

كيسنجر الذي قيل عنه إنه يتكلم من وراء التاريخ، والآن، يتكلم من وراء الزمن، وربما من وراء الغيب، وهو اليهودي العتيق الذي يرى في المنطقة الترسانة اللاهوتية، يجد الحل لمشكلات المنطقة كلها بتحويل الهلال الخصيب، إذاً، إلى ولايات، وليس مستغرباً هنا أن يسارع القيصر الروسي فلاديمير بوتين إلى محاولة إقناع الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن تفكيك سورية والعراق، ونشوء دول طائفية أو إتنية هشة، يفتح الأبواب أمام جهنم الايديولوجيات المجنونة لتسقط الدولة تلو الأخرى، وتقوم دولة الخلافة… بل قل دولاً على شاكلة الكهوف ولا بد أن تزحف في كل الاتجاهات وصولاً إلى المدن الروسية والأميركية والأوروبية. المثير أنه منذ أكثر من ثلاثة عقود صدر كتاب لكريستوف روفان يحذر فيه من «أولئك البرابرة الذين يتسلقون أسوارنا».

حدث هذا قبل أن يضع صامويل هانتنغتون نظرية «صدام الحضارات» الذي زعزع الأسس الفلسفية للعولمة. بدلاً من أن تغزو الحداثة الدول التي وضعت نفسها على قارعة الزمن، العكس هو الذي حدث. ذلك الإسلام المعتدل الذي كان منذ مئة عام اندثر ليحل محله إسلام قطع الرؤوس وتقطيع الأطراف، فهل نسي كيسنجر أن يقول إن مقاتلي «داعش» فريق من الملائكة هبط على رؤوسنا، ولم يقطع رؤوسنا؟

أحدهم قال لي، وماذا عن السعودية؟… قلتُ له لا يزال آل سعود يبهروننا حقيقة بتأكدّهم من أنّ الله سيحمي عروشهم… إنهم يعيشون في عالم الغيب!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى