«في أمل» رغم ألم القمم…

سعدالله الخليل

حسناً فعلت المغرب بالاعتذار عن استضافة ما عرف قبل سبعة عقود بقمة العرب بنسختها السابعة والعشرين، والتي أصابها ما أصاب العرب من انحدار في مستوى التعاطي مع التحديات التي تواجه أمة العرب. فربما لم تشأ المغرب أن تتحوّل عاصمتها مسرحاً لخطابات أكل الدهر عليها وشرب، وتعود إلى حقبة يصعب على الشعوب العربية أن تعي حقيقة ما يدور في الكواليس، ولا تصلح لإقناع العارفين بأدق الخفايا في زمن باتت الأسرار بمتناول الصغير قبل الكبير. وربما رفضت المغرب أن تتحوّل حصان طروادة لتمرير مشروع تطبيع علني مع العدو «الإسرائيلي»، من بوابة إحياء رميم المبادرة العربية للسلام والتي رماها العدو في مكبّ نفايات التاريخ، أو لمنح دويلة غزة شرعية عربية من باب القبول بأفضل ما يمكن تحقيقه في ظلّ الظروف العربية والإقليمية والعالمية والإسلامية غير المواتية لتحقيق الأهداف الكبرى.

الرفض المغربي والقبول الموريتاني لا يمنح الدار البيضاء شرف الحفاظ على كرامة الأمة العربية، ويُحرم نواكشوط منه، فلكلّ بلد ظروفه ومبرّراته، فأيّ قيمة مضافة كانت ستجنيها المغرب باستضافة قمة هزيلة الحضور في الشكل، فارغة من المضمون؟ فإذا كان العرب قد اعتادوا على خلوّ القمم العربية من أيّ مضمون، فإنّ الجديد في قمة نواكشوط كان تكريس مساعي تحويل الصديق عدواً والترويج لمفهوم أنّ الخيانة باتت وجهة نظر لا أكثر، في المقابل فإنّ القمة فرصة لموريتانيا لمنحها بعضاً من الألق والاستحواذ على مساحة لا بأس بها من الأخبار والتحليلات، بالرغم من الحضور الهزيل للقادة في القمة التي سجلت أدنى حضور لمستويات الصف الأول الذي اقتصر على الدولة المضيفة ودول هامشية في المشهد العربي وحديثة الانضمام للجامعة كجيبوتي وجزر القمر، في حين غادر أمير قطر تميم مقرّ انعقاد القمة ولم يحتمل إتمام قمة الساعات السبع، وبالرغم من حضور الأمير الكويتي كأكبر القادة الحاضرين، فإنّ شبح الأزمة اليمنية وعجز مباحثات عاصمته عن إيجاد حلول ناجعة تنهي مأساة اليمين، منع نجم الصباح من التألق في حين شكلت القمة فرصة للرئيس اليمني المخلوع عبد ربه منصور ليتذكر عرشه المفقود بعد عجزه عن دخول اليمن منذ ما يزيد عن عام.

قد يسجل التاريخ لموريتانيا أنها استضافت آخر قمة عربية… فالمسارات السياسية، والسياقات تؤشر لاستحالة عقد أيّ قمة عربية، وبالتالي فإنّ الخيمة البلاستيكية التي احتوت قمة الساعات السبع توحي بأنها قمة للاستهلاك مرة واحدة ولا مكان لحفظ أيّ من مقرّراتها.

«قمة الأمل»، كما أطلق القائمون عليها غاب عنها أيّ أمل حقيقي في إمكانية حدوث أي اختراقات في الملفات الخلافية، ما يعيد إلى الذاكرة أمل السعوديين بإعادة الحياة لأشقائهم اليمنيين في سياق التضامن العربي، فكان الموت والخراب والفشل السعودي في إنهاء حرب السنتين لكسر حق الحوثيين في يمنيتهم، ولتعود في قمة نواكشوط لمحاولة تكريس شرعية حربها ومنح عدائها لإيران صبغة عربية جامعة، وهو ما بدا واضحاً في لهجة بيان القمة الذي صيغ بمكان أبعد ما يكون عن نواكشوط، حيث تفوح منه رائحة النفط الخليجي.

الحضور الخجول للقضية الفلسطينية في القمة قتله تزامن الترويج لاستعداد حركة حماس لخوض الانتخابات في قطاع غزة، في خطوة لإعلان القطاع كياناً قائماً بذاته، خاصة أنّ قياداته منشغلة بالدفاع عن شرعية السلطان الإخواني رجب طيب أردوغان، واستعدادهم للموت على شواطئ تركيا دفاعاً عنه، بعد أيام من عودة المياه إلى مجاريها مع كيان العدو الإسرائيلي بشكل علني، فيما الشقيقة الكبرى السعودية تنخرط في تطبيع علني مع الكيان بزيارات وتبادل استخباراتي على أعلى المستويات، وهو ما يضع القضية الفلسطينية في مهبّ رياح التطبيع السعودية. حضرت قضية العرب المركزية إنما من بوابة تحوّل العدو صديقاً يجب التعايش معه، هكذا أراد «أبطال» الخليج ليؤكدوا للعالم بأنّ نتنياهو لم يخطئ حين رمى المبادرة العربية خلف ظهره قبل أربعة عشر عاماً، فها هو يحصل على مبتغاه بالمجان، وربما كانت سورية الرابح الأكبر من غيابها عن القمة، وحسناً فعلت الجامعة بإخراج سورية من عضويتها، كي لا يأتي يوم ويسجل التاريخ مشاركة سورية في قمة صنّفت إيران عدواً للعرب وغضّت الطرف عن «إسرائيل».

ربما اعتاد العرب على تقزيم القمم العربية طموحاتهم وتحوّلها شيئاً فشيئاً كلاماً فارغاً يُعاد استنساخه من قمة إلى أخرى، الا أنّ الأمل الوحيد المتبقي لأمة لا تستحق ما يخطط لها في بورصات النفط أن تصمد سورية وتنتصر، لتعيد القضايا الكبرى إلى سياقاتها الحقيقية بعيداً عن رغبات المتاجرين بالدم العربي، حينها ترسم الأمة معالم قممها الشاهقة وتعيد الثعالب إلى جحورها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى