قطر جائزة السعودية وليبيا لمصر… وإيران الشريك المفوّض حكومة سورية معدّلة… ولبنان الأولوية لتسليح الجيش في زمن الجمود

كتب المحرر السياسي

لم تكد تقف حرب غزة وتحدّد الرصيد «الإسرائيلي» بصفر يعلن خروج «إسرائيل» إلى تقاعد مبكر، حتى بدأت ملامح الخريطة الجديدة ترتسم من واشنطن، فعقدة المكانة «الإسرائيلية» لم تعد همّاً، بعدما صارت واشنطن معنية بتأمين تمويل وحماية الكيان الذي بنت أحلاماً كباراً على وجوده ودوره وقدراته الأسطورية، ولما سقطت الأسطورة بدأت المخططات البديلة بالظهور تباعاً، فالحملة على قطر خليجياً لا تتناسب مع مسعى خليجي لتوحيد الصفوف يُفترض أن يواكب مرحلة المواجهة مع «داعش» بشّر به الاجتماع الوزاري الأخير، بقدر ما هي ترجمة لسقوط دور الإمارة التي كان مبرّر دورها «الربيع العربي» الذي شكلت قناة «الجزيرة» حاملة الطائرات الأساسية لتحضيره بنظرية الرأي والرأي الآخر المنتقاة بعناية استخبارية، ليصير الرأي الآخر هو الرأي «الإسرائيلي»، فهو الآخر الذي يجب التفاهم معه واستحضاره على الشاشة، ويصير «الإخوان المسلمون» حزب الثورة العربية الجديدة، وعندما يسقط الربيع وتسقط مهابة «إسرائيل» ومكانة «الإخوان المسلمين» تنتهي سيرة ومسيرة الإمارة، وتصير تركة مسموح للسعودية التصرّف بها كتصرّف المالك بملكه، تغيّر أميرها وتحتفظ بها كتايوان مع الصين دولة مستقلة تابعة، أو تضمّها إلى ممتلكاتها بزحف عسكري سهل يعطي المملكة مهابة خليجية مفقودة ومخزون مال وغاز يحتاجهما الدور المستقبلي للسعودية.

ليبيا لا تختلف ثورتها الديمقراطية التي قادتها قطر في مصيرها عن مصير الإمارة، فالمشاغبة الليبية صارت مزعجة، ولا بدّ من تأديب الفوضى، تمويل إماراتي، لكن الفعل مصري والجائزة لمصر أيضاً بإحدى الطريقتين، دولة مستقلة تبنيها مصر على يديها وتستتبعها باتفاقيات متعددة المجالات، خصوصاً النفطية لتصير صندوق السياسة الخارجية والدور الإقليمي والاستخباري لمصر، كما هي قطر للسعودية، أو تنتهي مسيرة الدولة المستقلة بوحدة يصفّق لها دعاة الوحدة بناصرية مصرية مستعادة شكلاً، تمنح الحكم الجديد بريقاً يحتاجه في مسعاه إلى صناعة دور إقليمي ربما يبدأ من تجميع معارضة سورية من غير مفردات «الإخوان» و»القاعدة»، للدخول على خط مصالحات ينتظرها الغرب لتبرير انعطافه نحو سورية.

التقارير الواردة من واشنطن ومراكز دراساتها، تتحدّث عن أنّ الفشل في سورية والعودة إليها يحتاج تبريرهما والتغطية عليهما، إلى تغييرات أيضاً بحجم ضمّ قطر للسعودية وليبيا لمصر، طالما صار الخروج «الإسرائيلي» من مسرح السياسات الكبرى، مبرّراً كافياً للتفاهم مع إيران كشريك مفوّض بشؤون الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

سورية تتلقى المتغيّرات بهدوء وهي تعرف حجم نصرها، وتعرف الزمن اللازم للانعطافات الكبرى عند الدول، فهي فتحت باب التعاون وحدّدت شروطه وحذّرت من تخطيها، ولا تقف على الباب تنتظر الزوار، بل على النافذة تراقب غبار القوافل البعيدة والقريبة، لكشف اتجاه التحوّلات، ووضع الروزنامة المناسبة لخطواتها.

هكذا جاءت الحكومة السورية الجديدة تعديلاً وزارياً هادئاً، بقيت فيه الوزارات السياسية والسيادية على حالها، بينما لبنان مدرك للجمود المانع لرهانات على حلول، منصرف إلى قضية مخطوفيه العسكريين من جهة، ومهتمّ بتسليح جيشه من جهة أخرى.

تكثيف الجهود لردع الإرهاب

وفي ضوء ذلك، بدت الجهود الداخلية على المستويات المختلفة تتركز على تحصين الساحة من مخاطر إقدام المجموعات الإرهابية على أعمال عدوانية جديدة على غرار ما حصل في عرسال، وبالتالي استباق أي مخطّطات من قبل التكفيريين لضرب الاستقرار وحتى احتلال عرسال أو غيرها، خصوصاً أن المسلّحين عاودوا الانتقال إلى بعض أحياء البلدة والتضييق على أهلها. وتتمحور المشاورات في هذا الصدد على مسألتي تأمين السلاح للجيش ليكون قادراً على إلحاق الهزيمة بالإرهابيين، وكذلك تأمين عودة العسكريين المخطوفين من دون المساس بهيبة الدولة أو المؤسسة العسكرية.

وعلمت «البناء» أن التنسيق الكثيف الذي سجّل في الساعات الماضية بين المراجع المسؤولة، تركز حول قضيتي دعم الجيش وملف العسكريين المخطوفين وسبل إطلاق سراحهم سالمين. وقالت المعلومات إنه اتفق على ثلاثة عناصر هي: أولاً، التعامل مع هذه القضية بعيداً من المزايدات نظراً لدقتها ولضمان سلامة العسكريين. وثانياً، عدم المبادلة بينهم وبين أي إرهابي قيد التوقيف. وثالثاً، تأكيد مرجعية اللبنانية وسيادة لبنان.

أما في شأن النتائج التي سجّلت حتى الآن بخصوص إطلاق العسكريين، فلم يسجّل أي عنصر إيجابي حتى اليوم، خصوصاً أن الجهات الإقليمية وتحديداً قطر وتركيا لم تعطيا إشارات واضحة وإيجابية. وتوقعت مصادر مطلعة أن يكلّف مجلس الوزراء الذي يلتئم اليوم برئاسة الرئيس تمام سلام المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم القيام بالاتصالات الخارجية بهذا الخصوص بدءاً من تركيا وقطر. كما أشارت إلى أن رئيس الحكومة تمام سلام سيقوم بزيارات لبعض الدول العربية الخليجية لحض هذه الدول على تقديم المساعدات العسكرية للجيش بينها الإمارات وقطر. لكن مصدراً وزارياً آخر لاحظ أنه حتى لو لم يتم تكليف اللواء إبراهيم رسمياً من المجلس، فهو معني بإجراء الاتصالات مع الدول التي تستطيع المساعدة في إطلاق العسكريين.

وكانت هذه المواضيع مدار بحث أمس بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وكل من سلام وقائد الجيش العماد جان قهوجي. وأوضح سلام «أن قضية العسكريين ليست اليوم أو غداً وإنما معركة طويلة مع ناس لا يعرفون لا ديناً ولا هوية ولا مذهب».

وعلم أن بري وضع سلام وقهوجي في أجواء لقائه أول من أمس مع سفراء الدول الكبرى وجرى الاتفاق في اللقاءين على أهمية أن يتجاوز موقف الدول الكبرى التصريحات إلى الأمور التنفيذية لدعم الجيش، وأن يكون التنسيق مع هذه الدول عبر الطرق السياسية والدبلوماسية والعسكرية.

من جهته، أشار وزير البيئة محمد المشنوق لـ«البناء» إلى «أن رئيس الحكومة حريص على إبعاد ملف العسكريين المخطوفين عن الاعلام لا سيما أن التسريبات ستعيق الوصول إلى حل في هذه القضية الانسانية والوطنية»، معتبراً «أن حياة كل عسكري مختطف على يد تنظيم داعش وجبهة النصرة رهن بالتسريبات الإعلامية التي من شأنها أن تدفع المجموعات الارهابية إلى القيام بأعمال انتقامية بحق العسكريين». فيما أكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» أن «مجلس الوزراء ليس هو المخول تكليف مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم التفاوض في مسألة المختطفين، فالتكليف يحصل من قبل وزير الداخلية نهاد المشنوق»، مع إشارته إلى أن اللواء إبراهيم كان حاضراً اللقاء الذي جمع المشنوق بأهالي العسكريين المخطوفين منذ أيام.

وشدد على «ضرورة أن يكون البلد في حال طوارئ، فالخطر المحدق يتطلب التعاطي معه بمسؤولية». وشدد «على أن الحفاظ على الأمن في البلد لا ينتظر إذناً من أحد».

وإذ اعتبر أن رئيس الجمهورية هو صمام الأمان للبلد، أكد درباس أن الانتخابات الرئاسية تنتظر ما سيؤول إليه التفاهم الإيراني السعودي.

أمنياً، أوقف حاجز الجيش في وادي فيسان الهرمل أمس سيارة نوع «فولفو» يقودها المواطن أحمد محمد الحجيري وبرفقته المواطن أشرف محمد عز الدين، كانت متجهة إلى الشمال، وضبط بداخلها عدد من قذائف «آر.بي.جي».

مناخات حلحلة

في السياق السياسي، تتحدث مراجع مطلعة عن وجود مناخ دافع أكثر من السابق حيال إمكان نجاح الاتصالات بإحداث حلحلة في ملف الانتخابات الرئاسية، وعزت هذه المراجع هذا التفاؤل الحذر إلى استشعار الجميع في الداخل إلى خطورة ما يتعرض له لبنان من أخطار والحاجة إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي تمهيداً لإعادة العمل للمؤسسات، لأن في ذلك المدخل الجدّي لتحصين الوضع. وأيضاً إلى بداية مؤشرات حلحلة في الوضع الإقليمي، وهذه الأجواء نقلها أمس زوار الرئيس بري الذي رأى أن التقارب السعودي ـ الإيراني فيه تباشير خير وله انعكاسات إيجابية على لبنان.

ورداً على الانتقادات التي وجهت إلى تحرك بري والنائب وليد جنبلاط على خط الاستحقاق الرئاسي، أوضح وزير المال علي حسن خليل أن حراك بري «لا يعني على الإطلاق تجاوز أي مكون من مكونات البلد، بل هو نابع من حرص أكيد على إنجاز هذا الاستحقاق المهم لكل اللبنانيين وللمسيحيين بالدرجة الأولى».

وأكد أن التواصل والتنسيق بين بيري وجنبلاط «يبدأ وينتهي بالقيادات المسيحية الفاعلة سياسياً ونيابياً». وأوضح أنه «ليس هناك مبادرة بالمعنى الدقيق».

وفي هذا الاطار، توقعت مصادر بكركي لـ«البناء» أن يلتقي البطريرك الماروني بشارة الراعي في روما التي يتوجه إليها اليوم ومن ثم إلى الفاتيكان، الرئيس سعد الحريري للبحث في ملف الانتخابات الرئاسية، في ظل التحرك الفاتيكاني لوضع حد للفراغ الحاصل في سدة الرئاسة، مع إشارتها إلى أن هذا الاستحقاق مرتبط بالتفاهم الأميركي الإيراني، ولفتت المصادر إلى أن الراعي «لا يزكّي ولا يقصي أي مرشح رئاسي وهو أعلن ذلك أمام سفراء الدول الكبرى الذين التقاهم أمس في بكركي.

وحضر الاستحقاق الرئاسي في اجتماع بطاركة الشرق الثاني في بكركي أمس والذي انضم اليه السفراء المذكورون وذلك لبحث أوضاع المسيحيين في المنطقة. ودعا البطاركة الكتل السياسية إلى «فصل انتخاب رئيس الجمهورية عن مسار الأوضاع الإقليمية والإسراع في التفاهم على الرئيس»، معتبرين «أن انتخاب الرئيس واجب قبل اتخاذ أي قرار في شأن الاستحقاق النيابي».

وأكد البطاركة في بيان «أن الأسرة الدولية مسؤولة عن تنامي «داعش» والحركات التكفيرية ويجب الضغط على مموّلي هذه التنظيمات لقطع مصادر الإرهاب». وأشار البيان إلى «أن الاعتداء على المسيحيين يأخذ منحى خطيراً، والسكوت عمّا يحصل هو الأشد إيلاماً».

مؤتمر في واشنطن لحماية المسييحن

إلى ذلك تستضيف واشنطن مؤتمراً تنظمه مجموعة من المسيحيين الأميركيين والعرب واللبنانيين ما بين 9 و11 أيلول المقبل تحت عنوان حماية المسيحيين. وعلمت «البناء» أن البطريرك الراعي سيحضر المؤتمر إلى جانب بطريرك السريان الكاثوليك أغناطيوس يوسف الثالث يونان، وبطريرك السريان الأرثوذكس أغناطيوس أفرام الثاني كريم، وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى