واشنطن وموسكو: صياغة الردود القاسية… جاري البحث عن الضربة القاضية!

د. محمد بكر

يبدو بالفعل، أنّ مرحلة ما بعد استهداف الطائرات الأميركية لمواقع الجيش العربي السوري، في جبل ثردة بدير الزور، لن تكون كما قبلها. قيل إنّ عدداً من الجنود الروس لقوا حتفهم أيضاً، في ذلك الاعتداء. لم تصبر موسكو طويلاً لصياغة ردّ مؤلم وحاسم، يكاثر سيلاً من الدلالات والرسائل. حاملة طائرات روسية حطت في البحر المتوسط. تمّ الحديث عن آلاف الجنود الروس، الذين سيشاركون في معارك حلب. وأكثر من مئة غارة، في تلك الجغرافيا. قبلها، نقلت وكالة «سبوتنيك» عن مصادر ميدانية، أنّ السفن الروسية استهدفت بصواريخ «كاليبر» مقراً لغرفة عمليات في دار عزة، بحلب، كانت تضمّ ثلاثين ضابطاً خليجياً وأميركياً و»إسرائيلياً». تصل مدلولات ورسائل كلّ ذلك جيداً إلى واشنطن، التي لا نعرف إنْ كانت ستصوغ، ربما، رداً آخر من عيار «القصف بالخطأ» لتعنون المرحلة الحالية بكلّ عناوين الكباش والصدام.

كان طبيعياً ومتوقعاً، أن تتملص الولايات المتحدة من الالتزامات كافة، التي صاغتها في اتفاق وقف إطلاق النار حول سورية، إذ لطالما تشي مفرزات هذا الاتفاق، عن اليد الطولى الروسية في رسم معالم أيّ تسوية مرتقبة. ربما، هذه الجزئية، هي الأكثر إزعاجاً للولايات المتحدة، التي لم ولن تنخرط بـ»الحصاد التوافقي» للنقاط مع الروس. من هنا، نقرأ ونفهم مدلولات خطاب أوباما، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وتوصيفه بأنّ الروس يحاولون استعادة ما سماه «المجد الضائع»، عن طريق القوة، منتقداً «الأقوياء» واستيلاءهم على السلطة من خلال تصدير المخططات السياسية للخارج. ولم يخف امتعاضه مما سماه: توغل موسكو في أوكرانيا.

يقول الكاتب رؤوبين باركو، في صحيفة «إسرائيل اليوم»: «من حسن الحظ أنّ الولايات المتحدة أخطأت وقامت بقصف الجيش السوري، لتفوق رسالة ذلك آلاف التنديدات الضعيفة التي أسمعَها كيري، خلال فترة التصعيد. إذ أنّ سذاجة كيري، خلال الاتفاق، كانت ستبدو لا حدود لها. وأنّ الولايات المتحدة، من خلال ذلك الخطأ، تكون قد زرعت العمود الفقري لقوتها». هذا الكلام الذي يشي، بالضرورة، عن استمرار الولايات المتحدة في مسلسل المراوغة والاستثمار في يوميات الميدان السوري، التي يُراد لها، أميركياً، أن تبقى في قلب النار، مثلما يُراد، أيضاً، المزيد من الانخراط الروسي في تلك النيران. من هنا، فإننا نعتقد جازمين بأنّ الولايات المتحدة ليست غير قادرة على فصل «المعارضة المعتدلة» عن الفصائل المتطرفة، كما رأى الخبير العسكري الروسي، موراخوفيسكي، بل إنها لا تريد أن تقوم بذلك الإجراء. ولعلّ أداء تحالفها الستيني الباهت في جزئية محاربة «داعش»، يشي عن نياتها الحقيقية في هذا المضمار.

الأيام المقبلة ستكشف عن ماهية السلوك الأميركي، لا سيما أنّ قرار روسيا، مع الجانب السوري، بالحسم العسكري في حلب، قد اتخذ، من جهة. وتقاسم وجهات النظر، بين التركي والإيراني، على قاعدة التعاون بين البلدين الإسلاميين الكبيرين، لإعادة الاستقرار للمنطقة، تمّ الإعلان عنه، من جهة أخرى، بحسب ما رشح عن لقاء روحاني ـ أردوغان، في نيويورك، إذ وجد الرئيس الإيراني، في الانقلاب الأخير، استكمالاً لمخططات الأعداء. ووضعه في سياق الاستهداف المشترك.

الكباش الروسي ـ الأميركي اليوم، ما يزال البحث فيه جارياً عن كلّ عوامل ومقومات «الضربة القاضية»، التي يتسابق فيها الطرفان لرؤية كل منهما، في عقر داره، مستسلماً وطائعاً ومؤتَمِراً. فما قاله بوتين، خلال لقائه أعضاء الحكومة، بأنّ هناك محاولات حثيثة للعبث في الداخل الروسي، سينسف نظرية «الشراكة» مع الخصوم، بالضربة القاضية.

كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا.

Dr.mbkr83 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى