واشنطن تسعى لتحييد الشرق الأوسط من الصراع مع روسيا لبنان: أمن وتصريف أعمال وبري يفتتح الاستحقاق

كتب المحرر السياسي

يتغير المشهد الدولي والإقليمي مع تبلور حقائق جديدة أبرزها تراجع موقع سورية من ساحة للتنافس على الأدوار الإقليمية لحساب العراق، مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية حيث يتقابل مباشرة تحالف مدعوم من إيران يقوده رئيس الوزراء نور الدين المالكي، ومقابله مجموعة متنوعة من التحالفات التي لا يجمعها سوى السعي لإضعاف المالكي من دون أن يربطها تفاهم سياسي حقيقي أو مشروع سياسي واحد، لكنها تحظى بدعم وتمويل من السعودية وتشجيع من تركيا، بعد ترجمة التفاهم التركي السعودي الجزئي على عزل الخلاف حول مصر وتأثيراته عن المصالح المشتركة في كل من سورية والعراق، وجاءت الترجمة الأولى في انتخابات الائتلاف السوري المعارض وانضمام الإخوان للعباءة السعودية لإخراج قطر من المعادلة بصورة نهائية.


المعادلة العراقية تتقرر في الانتخابات النيابية التي تجرى نهاية هذا الشهر ويجري التنافس فيها على 328 مقعداً، لا يبدو كما في كل المرات السابقة، أن أحداً يستطيع جمع الغالبية اللازمة لتشكيل حكومة منفرداً، فالمالكي حاز فقط على 89 مقعداً في الدورة الماضية وشكل الحكومة من ضمن تحالف قامت إيران برعايته، وما تطمح إليه السعودية وتركيا هو حرمان إيران من هذه الفرصة بتجميع غالبية ترفض التعاون مع المالكي.

المالكي مطمئن إلى أن وضعه سيتحسن هذه المرة، وبالتأكيد لن يتراجع انطلاقاً من أن الحصة التي أخذها من طريقه التيار الصدري ستتضاءل هذه المرة لاعتبارات كثيرة، وسيكون بمستطاعه كسب جزء أساسي منها، لكنه مطمئن أكثر إلى كونه نقطة التقاطع الإيرانية الأميركية لرئاسة حكومة تضمن المصالح المشتركة على رغم موقف الثابت والحاسم بوجه السعودية وبدعم سورية.

المالكي مطمئن أيضاً إلى أن قرابة المئة من مقاعد البرلمان العائدة للتحالف الكردي والأقليات ستكون خارج المنافسة، وتنتظر كلمة السر الآتية من المعادلات الخارجية وسيكون المالكي بحسب المقربين منه هو الفائز بها، إضافة إلى أن التنافس سيجري بسبب ذلك على قرابة المئتي مقعد، يثق المالكي أنه سيفوز بغالبية مريحة منها تقارب الـ110 مقاعد، بما يجعله حكماً رئيس الحكومة المقبل، وكما هي الحال فإن ما بعد الانتخابات غير ما بعدها، فالنواب المنتخبون يتموضعون من جديد وفقاً لخريطة المجلس وتوازناته.

الرهان السعودي التركي على خلق استعصاء حكومي في العراق بمنع تشكيل حكومة، يفرض بحسب متابعي المشهد العراقي انطلاق مسعى أميركي لتسريع تفاهم إيراني سعودي، ربما يكون نجح السعوديون بالحصول على موافقة ضمنية على دعمهم لبلوغه من موقع قوة خلال زيارة أوباما للسعودية، فيبقى المالكي رئيساً للحكومة ولكن بما يضمن مشاركة جماعات تمثل المشاركة السعودية ولا يضمن من دونها تحقيق الغالبية.

من العراق سترسم توازنات جديدة، لكن واشنطن كما تشير المعلومات الواردة منها، خصوصاً بعد فشل الرهان التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي لوزير خارجيتها جون كيري، على صدمة كهربائية تعيد الاعتبار لإدارته وتغطي على فشلها التمادي في أكثر من ساحة وهزائمها في أكثر من مكان، باتت في مناخ مختلف كلياً عما كانت عليه قبل أزمة أوكرانيا، فقد تعاملت واشنطن طوال سنوات الربيع العربي، خصوصاً أزمة سورية، أن ساحتها الرئيسية هي الشرق الأوسط وأن إيران هي خصمها الرئيسي، وأن روسيا حليف لإيران يجب تحييده، بينما هي تجد الآن أنها أخطأت وتكتشف أنها كانت ضحية قراءة متسرعة متهاونة بما أعده لها الروس، وأن خصمها الرئيسي هو روسيا وعليها تحييد إيران ومن خلالها الشرق الأوسط.

في هذا السياق تقول مصادر أميركية أن المالكي من الثوابت، لأنه تعبير عن ترجمة لهذا المفهوم الأميركي بالانخراط مع إيران وتحييد الشرق الأوسط كساحة قتال، خصوصاً مع تراجع فرص الوصول لتوقيع الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي.

سورية التي تعرف جيداً ما يجري حولها، تتابع سيرها في الميدان العسكري نحو المزيد من الإمساك بجبهات القتال والتقدم بقوة نحو تأمين غالبية جغرافية وازنة تزيد على ثلاثة أرباع المناطق التي يتوزع عليها الناخبون السوريون، لإنجاز استحقاق رئاسي وفقاً لنصوص الدستور السوري، فاتحة الباب لما سيعرض عليها من فرص للحلول السياسية الجدية خارج نطاق المناورات وإضاعة الوقت وأدوات الضغط، سواء ما يصدر عن الأخضر الإبراهيمي أو عن بان كي مون، حول الربط بين الاستحقاق الرئاسي والحوار بحثاً عن حل سياسي.

لبنان من جهته وهو غير المدرك عبر غالبية السياسيين المتصدرين لساحة الاستحقاقات، أن أوان تحديد وجهة الاستحقاق الرئاسي فيه مؤجلة لما بعد العراق، وأن مهمة حكومته اليوم تختصر بتصريف الأعمال والاستثمار على الإنجازات الأمنية، يتخبط مشهده السياسي في البحث عن مقاربة لا تزال ضائعة ورمادية وسط مجموعة الاحتمالات المحيطة بمستقبل الرئاسة، في ما عدا ثابت واحد هو استبعاد التمديد للرئيس ميشال سليمان، لذلك جاء الكلام النبيه لرئيس المجلس نبيه بري، عن عزمه الدعوة لجلسة انتخاب قبل نهاية نيسان متوقعاً ألا تخرج بفائز يحتاج لثلثي الأصوات ليفوز، لكنها تضع على المحك تعهدات الأطراف خصوصاً المرشحين ومن وراءهم، أمام تحدي إثبات صدقيتهم بتأمين نصاب الجلسة الذي يكسر الحلقة المفرغة بانتظار التوافق.

موضوع السلسلة إلى الشارع

أما داخلياً، فعلى رغم الاستحقاقات التي تواجه الساحة السياسية من أمنية وإدارية، وصولاً إلى ملف الانتخابات الرئاسية، فالقضية الأبرز التي ستُشغل البلاد تتعلق بأزمة سلسلة الرتب والرواتب بعد عجز اللجان النيابية، عن الوصول إلى مقاربات مقبولة للتمويل، ما أدى إلى تأجيل إقرارها إلى فترة غير واضحة، لا بل إن مصدراً نيابياً شارك في اجتماعات اللجان لاحظ وجود هوّة كبيرة بين مواقف النواب، خصوصاً نواب تيار «المستقبل» الذين استخدموا كل التبريرات والحجج لعدم إقرار بنود التمويل.

… اللجان تماطل

وأدت هذه المماطلة من قِبل اللجان النيابية تحت ضغط الهيئات الاقتصادية إلى فتح الباب واسعاً أمام جولة جديدة من التصعيد النقابي والتربوي، بدأت بوادرها أمس بإعلان هيئة التنسيق النقابية عن إضراب عام شامل اليوم رفضاً لعدم إقرار السلسلة.

عراقيل لنواب «المستقبل»

إذن، فقد شكل يوم أمس، يوم المواجهة بعد أن طيّرت اللجان النيابية المشتركة السلسلة إلى موعد مرهون بنتائج ما سيحصل على ضوء المواجهة الصعبة التي فرضتها طريقة التسويف والتمويع التي مارستها الحكومات السابقة، والتي استكملت في المجلس النيابي من قوى سياسية معروفة، ولعلّ أبلغ دليل على هذه القوى اقتراح عضو كتلة «المستقبل» غازي يوسف بزيادة ضريبة الـT.V.A إلى 13 في المئة على كل المواد والسلع في محاولة واضحة لإجهاض السلسلة من جهة، ولخلق تنافر بين هيئة التنسيق النقابية والرأي العام عدا عن الهدف الأساسي وهو الدفاع عن مصالح الهيئات الاقتصادية، وهذه الروح في التعاطي مع قضية حق معلقة منذ سنوات جعلت النقاش في اللجان المشتركة حول التمويل يدور في حلقة مفرغة، الأمر الذي اضطر هيئة التنسيق للدعوة إلى الإضراب العام وحتى الانتفاضة واعتصام حاشد ستشهده ساحة رياض الصلح على بُعد عشرات الأمتار من مجلس النواب الذي ينعقد في جلسة تشريعية لمناقشة وإقرار جدول من 14 بنداً خالٍ من السلسلة.

وبحسب المعلومات المتوافرة لـ «البناء» فإن اتصالات جرت مساء أمس، خصوصاً على مستوى الكتل لتدارك الموقف، وتردد أن هناك محاولة لإقرار مشروع السلسلة وترك التمويل لإقراره لاحقاً، غير أن هذه الفكرة لم تتبلور أو تحسم، مع العلم أن باب المزايدات سيفتح اليوم في جلسة المجلس حول السلسلة للتنصل من مسؤولية المماطلة، وأوضحت المعلومات أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يراقب مواقف الكتل لكي يقرر الموقف الذي سيتخذه في الجلسة التشريعية.

بري مستاء من التصعيد

وعشية الجلسة لم يُخفِ الرئيس بري انزعاجه من موقف هيئة التنسيق التصعيدي، معتبراً أنه كان من الأفضل أن يعطوا إنذاراً حتى يوم الاثنين، مشيراً إلى أن اللجان تعمل بكثافة والمجلس لم يتلكأ، وكان يمكن أن تعقد اللجان جلسة مساء لولا جلسة مجلس الوزراء.

وجدّد بري التأكيد على الحق بالسلسلة، لأنه حق مكرّس، لكن التصعيد لا ينفع، داعياً كما أبلغ النائب علي بزي ـ أن يساعدوا أنفسهم لأن الضغط لا ينفع بهذا الشكل.

أما في شأن مشروع قانون تثبيت العاملين في الدفاع المدني فإنه في طريقه إلى الإقرار بعد أن رفع وزير الداخلية نهاد المشنوق «الفيتو» في ضوء مداخلات وحسابات سياسية.

هيئة التنسيق تضرب وتعتصم اليوم

أما على جبهة هيئة التنسيق النقابية، فأعلنت بعد اجتماعها عصر أمس الإضراب العام والشامل اليوم في الإدارات العامة والمدارس الرسمية والخاصة كافة رداً على عدم إقرار السلسلة وتنفيذ اعتصام مركزي أمام مجلس النواب خلال انعقاد الجلسة العامة.

وأكد رئيس الهيئة حنّا غريب الاستمرار بتنفيذ أشكال التصعيد المطلوبة كافة وصولاً إلى الإضراب المفتوح ومقاطعة الامتحانات حتى إقرار السلسلة، وقال إن اليوم سيكون الرد الشامل على الاستهتار الذي وجّهته اللجان النيابية بعدم إقرار السلسلة وهو يوم الانتفاضة لتحرير الدولة من الهدر والفساد والصفقات.

مجلس الوزراء يؤجّل التعيينات

كذلك أخذت سلسلة الرتب حيّزاً من جلسة مجلس الوزراء، فرأى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أن «موضوع سلسلة الرتب والرواتب دقيق جداً، وعلى مجلس النواب العمل على إحقاق التوازن بين الإنفاق والتقديمات والإيرادات، وندد سليمان بالاصوات الشاذة التي تصدر حول الخطة الأمنية. مشدداً على أن الجيش ينفذ القرار السياسي للدولة وهو غير منحاز لأي جهة سياسية أو طائفة. وكذلك كانت مداخلة لرئيس الحكومة تمام سلام حول الخطة الأمنية وموضوع السلسلة.

وكانت جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت عصر أمس في قصر بعبدا واستمرت حوالى خمس ساعات وتطرقت إلى الملفات المطروحة من اجتماعية وأمنية، خصوصاً موضوع النازحين السوريين في ضوء التقرير الذي قدّمه وزير العمل سجعان قزي. كما تناول البحث موضوع التعيينات، حيث تحدث الرئيس سليمان وعدد من الوزراء فجرى التأكيد على أهمية أن تتم التعيينات بعد إدراجها على جدول أعمال الجلسات للحكومة بعد الموافقة عليها من الجهات المعنية.

وأشارت مصادر وزارية إلى أن أجواء الجلسة كانت هادئة، وبعض البنود أخذت حيّزاً مهماً من النقاش، وقالت إنه جرى الاتفاق على إدراج بعض التعيينات في الجلسة المقبلة للحكومة.

بري يدعو لجلسة انتخاب قبل نهاية نيسان

أما في شأن الاستحقاق الرئاسي، فالبارز أمس تأكيد الرئيس بري أنه سيدعو إلى جلسة انتخابية لمجلس النواب قبل نهاية الشهر الجاري، معتبراً أن هناك فرصة أمام اللبنانيين لانتخاب الرئيس إذا أرادوا أن لا تحصل وساطات وتدخلات من الخارج.

وأوضح بري أنه مع المرشحين وعليهم، على الحياد، لكنه لم يتوقع فوز أي مرشح في الدورة الأولى من الانتخابات التي يحتاج فيها المرشح للفوز بثلثي أعضاء مجلس النواب.

الجيش سينتشر على الحدود الشرقية

في الشأن الأمني، تتحضّر وحدات الجيش وقوى الأمن الداخلي لتنفيذ الخطة الأمنية الشاملة في منطقة البقاع الشمالي، وهي متوقعة بحسب مصدر أمني اليوم أو غداً، وعلى أن تشمل تعزيز الوحدات المنتشرة في قرى المنطقة، بما في ذلك إقامة حواجز ثابتة ومتنقلة والقيام بمداهمات بحثاً عن مطلوبين بلغ عددهم حوالى 60 شخصاً عليهم مذكرات توقيف واستنابات قضائية، كما رجح المصدر أن يتم نشر قوة كبيرة من الجيش على طول الحدود الشرقية وجرود عرسال لمنع عمليات تسلل المسلحين وتهريب الأسلحة.

مداهمات في طرابلس

في الإطار ذاته، واصلت وحدات الجيش عمليات المداهمة في طرابلس، فنفذت أمس مداهمات واسعة في أحياء سوق القمح وساحة الأسمر والبرانية، وأوقفت عدداً من المطلوبين.

وعلى اثر بعض التوقيفات حصل تجمّع أمام جامع الناصري في التبانة احتجاجاً على مداهمات الجيش.

وأعلنت قيادة الجيش أن بعض الأشخاص أقدموا على قطع بعض الطرقات بالإطارات المشتعلة احتجاجاً على عمليات الدهم، وعملت وحدات الجيش على تفريق المحتجين وأوقفت شخصين لحيازتهما أسلحة حربية وسيارتين من دون أوراق ثبوتية.

حملة تحريض ضد الجيش

ولوحظ أن داعي الإسلام الشهال شنّ هجوماً عنيفاً على الجيش أمس ما يطرح علامات استفهام حول خلفيات هذه الحملة.

.. واعتداء في عكار

ومساء أمس، أقدم مسلحون مجهولون على إطلاق النار على دورية للجيش في جرود عكار ما أدى إلى استشهاد ضابط ورتيب وإصابة جندي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى