الخطر التركي.. طاعون يجتاح شمال سورية!

محمد ح. الحاج

من المفيد جداً العودة إلى التاريخ ومقارنة أحداث جرت ماضياً بما يجري حاضراً، وحتى مقارنة تصريحات مسؤولي تلك الأيام بمسؤولي الحاضر وخاصة في العلاقة بين تركيا وجوارها السوري سواء في العراق أو الشام.

من يجرّب المجَرّب… عقله مخرّب

8 كانون الأول عام 1936

أرسلت الحكومة التركية إلى السكرتير العام لعصبة الأمم مذكرة تطلب فيها تسجيل الخلاف بين فرنسا وتركيا على مصير لواء الاسكندرون بعد استقلال سورية لبحثه في الجلسة المقبلة لمجلس العصبة، استناداً إلى المادة 11 من ميثاق العصبة، التي تقضي بوجوب اتخاذ المساعي الودّية في جميع الظروف التي من شأنها أن تؤثر في العلاقات الدولية.

10 كانون الأول 1936

نظر المجلس في الخلاف التركي – الفرنسي على مصير لواء الاسكندرون بعد استقلال سورية. وعرضت تركيا اقتراحها بإنشاء دولة مستقلة فيه شأن دولتي سورية ولبنان، وإنشاء اتحاد فيدرالي بينها. وقد صرّح وزير خارجية تركيا في هذه الجلسة بأن ليس لتركيا أيّ مطمع سياسي في بسط سيادتها على لواء الاسكندرون، وهي لا تقصد من وراء إثارة هذه القضية سوى حماية حقوق أبناء جنسها والمحافظة على حياتهم وحرياتهم…!

على اثر الاتفاق الذي تمّ بين فرنسا وتركيا على منح الاسكندرون وانطاكية استقلالاً ادارياً في ظلّ حماية فرنسية تركية مشتركة، نشر سعاده في جريدة «الشرق» بتاريخ 29 كانون الثاني 1937 مقالاً جاء فيه:

«إنّ الاحتفاظ بحق الدفاع عن لواء الاسكندرون للقوات التركية والفرنسية يعتبر تمهيداً عملياً لتهديد استقلال سورية وخسارة كبيرة لمصالح الأمة السورية. إنّ فقد السيطرة السورية على لواء الاسكندرون، خسارة لا تنحصر في دولة الشام، بل تشمل لبنان وفلسطين وشرق الأردن والعراق، لأنها فقد بقعة خصبة وموقع هامّ للتجارة والأعمال الحربية، وتهديداً لا يقتصر على كيان دولة الشام بل يتناول سورية الجغرافية كلّها. ثم يضيف في مكان آخر: «إنّ الأمة السورية لا تريد أن تختنق بين الضغط التركي والضغط الصهيوني».

اليوم يصرّح قادة تركيا أيضاً بأنه لا أطماع لهم في أراضي دول الجوار، وأنهم يدافعون عن «أمنهم القومي»، وعودة إلى ما فعله أسلافهم في موضوع اللواء على أرض الواقع من تهجير لسكان اللواء وتزوير الانتخابات، والخروج على قرارات عصبة الأمم والاتفاقيات المعقودة، من إلغاء تعليم اللغة العربية وفصم عرى العلاقات مع الوطن الأمّ و… استخدام الابتزاز السياسي مع دول المغرب للموافقة على ضمّ اللواء إلى تركيا، ومقارنة كلّ ذلك بما يتمّ الإعلان عنه اليوم وما يجري على أرض الواقع يدرك المتابع والمحلل والمراقب حالة الفصام الواضح بين الأقوال والأفعال، وأنّ ذريعة الدفاع عن الأمن القومي، تعطي لسورية والعراق الحق وعلى نفس القياس بالتدخل في الأراضي التركية وضرب مصادر دعم العصابات القادمة من الأراضي التركية ومعابرها باتجاه الأراضي السورية وأيضاً بالاستناد إلى بعض مواد القانون الدولي دون العودة إلى مجلس الأمن أو المؤسسات المختصة في الأمم المتحدة.

محاولة استغباء للعقل

أم رهان على فقد الذاكرة؟

كما كان موقف الرئيس التركي انفعالياً بشأن مطالبته بسحب قواته من الأراضي العراقية، وخروجه على الأعراف الدبلوماسية خطابياً على الأقلّ، كذلك جاء موقف الكثير من المسؤولين في حكومته وخصوصاً رئيس الوزراء وبعض المحللين وأساتذة القانون في تركيا واستغرابهم عدم سماح الحكومة العراقية للقوات التركية بالمشاركة في تحرير الموصل، ويتجاهل هؤلاء ما يعلمه العالم كله عن أطماع تركيا في الموصل، وما أعلنه أخيراً الرئيس التركي من استحضار الماضي والمطالبة بإعادة النظر في اتفاقية 1923، وما ينطبق على العراق ينطبق على سورية ولا يشفع للرئيس التركي إعلانه والتزامه احترام سيادة الدول المجاورة على حدودها المعروفة رغم شعوره بالألم الشديد، وربما يمتدّ ألمه بعيداً لفقدان سيطرة دولته على سورية ولبنان وفلسطين ومصر وغيرها!

احترام حدود دول الجوار يا سيد أردوغان لا يعطيك الحق بالتواجد على أراضي العراق في معسكر بعشيقة، حتى ولو كان هذا التواجد جاء قبل سنتين بطلب من حكومة أو شخصية رسمية عراقية، لأنّ طلب الانسحاب وإخلاء المعسكر يأتي أيضاً بطلب حكومي ورسمي مدعوم بإجماع نيابي، واحترام سيادة دول الجوار والحفاظ على استقلالها لا يعطيك الحق باجتياح الحدود السورية وفرض سيطرة جيشك على آلاف الكيلومترات، وإقامة المؤسسات تحت يافطات تركية وعلم تركي كما يحصل في جرابلس وزارة صحة تركية ومستوصف تركي في جرابلس وربما وزارة تعليم ولغة تركية وعلم تركي وعمليات تتريك، ويتحدث المسؤولون الأتراك عن احترام سيادة الدول وحدودها! أما المطالبة بمنطقة آمنة فلا تكون تحت العلم التركي والسيادة التركية، ولو كانت لدعم ما يسمّى «الثورة» كما يُقال لتمّ رفع العلم الذي تتبناه هذه المسمّاة «ثورة»، وتواجد ما يُقال عن وزارات تابعة لها، حتى «الثوار» أصبحوا مجنّدين مع الجيش التركي ليس إلا ويتقاضون رواتبهم منه بعد أن انسلخوا عن ولائهم لأيّ طرف آخر بما في ذلك السعودي والقطري، «ثورة» ولاءاتها تمتدّ وتتوزّع ما بين تركيا والصهاينة على أرض الجولان المحتلة ما عادت، وما كانت ثورة من الأساس وهي مؤامرة، وأكرّرها مليون مرة… مؤامرة خارجية وألف دليل وإثبات ، بأدوات شبه داخلية تعيش في الخارج وترتبط باستخبارات متعدّدة الجنسية وقد اكتشف ذلك الشعب السوري وأغلبه يندفع اليوم للاصطفاف مع قواته المسلحة مدافعاً عن وجوده المستهدف… تركياً باقتطاع المزيد من الأرض، وصهيونياً بإقامة حزام آمن وجدار طيب اجتراراً للتاريخ واستعادة للحالة التي سقطت في الجنوب اللبناني، وأميركياً باحتلال منطقة وإقامة قواعد عليها.

الإصرار التركي على المشاركة في عمليات تحرير الموصل ليس منطقياً لأنه لن يكون بالتنسيق مع القوات العراقية ولا يتفق مع خطط غرفة العمليات المركزية وبالنتيجة سيؤدّي إلى صدام عنيف مع القوات العراقية النظامية والقوات الرديفة يقود إلى حرب إقليمية قابلة للتطور ولا يستفيد منها غير داعش، وقد يذهب الظن بالبعض ونحن منهم أنّ الإصرار التركي قد يكون بوجه من الوجوه لتوفير محور أو محاور لانسحاب قوات داعش وحمايتها أو التغطية على انسحابها والالتحاق بالقوات التركية بعد تغيير مظهرها كما حدث في جرابلس وباقي القرى التي تقدّمت إليها القوات التركية شمال حلب والتي اختفى منها داعش بطريقة مريبة.. وكانت نتيجتها تضخم أعداد ما يسمّيه الأتراك.. «جيش حر»، والذي تمّ فضحه بعد انسحاب وحدات حقيقية منه والتحاقها بـ»قوات سورية الديمقراطية»… وإنْ كانوا أقلية إلا أنّ ذلك ينمّ عن شعور بالكرامة الوطنية، فالعثماني الجديد ليس محرراً للمنطقة من داعش بل هو الوجه الآخر للاحتلال التركي بعد توفير داعش الذريعة والمبرّر، تماماً على النمط الأميركي الذي أوجد داعش للتدخل في المنطقة واعادة احتلال العراق، وربما أيضاً احتلال الجزيرة – شرق الفرات ولو تحت يافطة العلم الكردي وإقامة قاعدة جوية في دير الزور كما جاء في اتفاقية كتبنا عنها سابقا بين أردوغان ووزير خارجية فرنسا ألان جوبيه عام 2010.

أيها العثماني الجديد، كيف نصدّقك ونغمض العين عن أفعالك التي لا تنسجم مع أقوالك بل تناقضها تماماً، هل تحاول استغباء العقل السوري أم تراهن على فقدانه الذاكرة؟ أم على بعض من لا يزال الحنين يشدّهم إلى الخلافة؟ وتذكرنا بقصة العفريت الذي دخل بلدة فأرعب سكانها، لكنه بدأ بالصراخ لا تخافوا فأنا لن أؤذيكم، وكان في تجواله كلما صادف طفلاً يلتهمه… وحدهم من ليس لديهم أطفال اقتنعوا بأنه لن يؤذيهم فهو لا يأكل الكبار لأنّ لحومهم غير صالحة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى