مآزق وخيارات صعبة تواجه الإدارة الأميركية الجديدة

وليد زيتوني

يشكل شمال سورية من كَسَب حتى الحسكة، مروراً بحلب وأرياف حلب وضمنها منبج وجرابلس، جزءاً من المحور العملاني الذي تستهدفه المنطقة الأميركية الوسطى، الساعية إلى تطويق الصين من جهة، وروسيا من جهة أخرى، والفصل بينهما، وهذا المحور يشمل أيضاً ديار بكر وشمال العراق، والمنطقة الشمالية الغربية من إيران وصولاً إلى القوقاز.

تأتي معركة حلب وقبلها معارك ريف اللاذقية، لتعيق المخطط الأميركي، هذا المخطط الذي جاء نتيجة فشل مشروع التقسيم، الذي سقط بمعارك القلمون وتدمر وحمص وحماه وبتوسيع هامش الأمان المحيط بدمشق. وكذلك بسقوط مشروع الفدرالية الذي كان يستهدف اقتطاع جزء من الشمال لصالح تركيا، وجزء آخر لصالح إقامة كانتون كردي.

كانت معارك غرب حلب التي سطّر فيها الجيش السوري والقوات الرديفة، حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي بطولة قلّ نظيرها، أسّست لقاعدة انطلاق دينامية قادرة على توجيه الحركة العسكرية بأيّ اتجاه تتطلبه معركة المواجهة مع المشروع الأميركي. من هنا كانت الاستماتة الإرهابية لتحقيق تقدّم ما، خاصة في المداخل الجنوبية لحلب، بهدف جعل هذه المنطقة خطوط تماس، وتثبيت مجموعات إرهابية تستطيع الاندفاع حيث تقضي الحاجة.

لقد سبق لأميركا أن وجهت وكلاءها تضليلاً نحو الرقة باعتبارها مركز قيادة «داعش» في اللحظة التي بدأ فيها الجيش السوري التقدّم من محور أثريا ـ الرقة. في هذه اللحظة بالذات أعطت أميركا تعليماتها بالاستدارة الكاملة نحو جرابلس ومنبج ومنها نحو مدينة الباب الاستراتيجية، مستهدفة فتح أوسع نطاق ممكن جغرافياً من الشمال السوري لتحقيق ما تصبو إليه عملانياً في محورها الاستراتيجي الشمالي.

غير أنّ تضارب المصالح بينها وبين تركيا في ما خصّ التبني أو الإملاءات الأميركية للقوى الكردية، وَضَعَ تركيا في موقع تكتيكي متعارض مع الطرح الأميركي، فاتخذت تركيا قراراً بالدخول المباشر إلى جرابلس ومنبج وطرد ما يسمّى قوى «سورية الديمقراطية» منها، وإنْ كانت تركيا تاريخياً تسعى إلى تجسيد هذا الحلم.

هذا الواقع يطرح أسئلة عدة ترتبط باحتمالات قواعد الاشتباك الأميركي، بعد استتباب الإدارة الجديدة، خصوصاً بعد خروج «داعش» من الموصل و «جبهة النصرة» من الأحياء الشرقية لحلب، وتحشيدهما في كلّ من الرقة وإدلب.

هل ستلجأ الولايات المتحدة إلى خيار الدخول المباشر بقواها العسكرية لتحقيق أهدافها المرسومة؟ أم أنها ستواصل استخدام العناصر الإرهابية المرتزقة والعناصر الناتجة عن التجميع الايديولوجي الوهابي؟

بالنسبة للسؤال الأول دونه محاذير، فالانخراط في حرب مباشرة مع الاتحاد الروسي المصمّم على عدم ترك المنطقة تحت الهيمنة الأميركية، وعلى تعزيز قدراته الجوية في حميميم، وقدراته البحرية في طرطوس وتعزيزها بالدفاعات الجوية المناسبة، والقادرة على المواجهة مهما كان حجم هذه المواجهة، وربما في مرحلة لاحقة سيزيد من قدرة الدعم المدفعي والقوات الخاصة القادرة على حسم المعركة البرية. وبالتالي لن يبقى مجال للولايات المتحدة إلا اللجوء إلى المسألة الثانية، وهي تعزيز ما يسمّى بالمعارضة، بالقوى البشرية الجديدة وتزويدها بأسلحة أكثر تطوّراً. إلا أنّ هذا الطرح يتطلب صندوقاً مالياً كبيراً من دول الخليج. وهو أمر بعيد المنال واقعياً نتيجة للانخراط السعودي في حرب اليمن، وهبوط أسعار النفط، وفقدانها للاحتياط المالي الاستراتيجي.

واستطراداً، من المعروف أنّ تحريك الجيش الأميركي يتطلب ميزانية ضخمة عادة ما كانت تتغذى من «الصندوق الخارجي» وليس من حساب الخزينة الأميركية، لعدم وضع المكلف الأميركي تحت وطأة الحروب الخارجية، التي كانت تغذّي نفسها من نهب خيرات الدول الضعيفة والتابعة.

هل ستكشف الإدارة الأميركية نفسها في المرحلة المقبلة؟ أم أنها ستقدم على الانتحار؟ أسئلة برسم الأيام الآتية…

نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى