… ونحن نطالب بإلغاء كلّ مفاعيل معاهدة لوزان

وليد زيتوني

تعاني تركيا الممسوكة من حزب العدالة والتنمية بسلسلة من العقد السياسية المرتهنة لبنية العقل التركي، المستولد من تاريخ مشحون بمظاهر سلطوية سلطانية، غير قادرة على التكيّف مع متطلبات العصر الحضارية والإنسانية. فهذا العقل ما إن يستنسخ تجربة حديثة حتى يعود لينفث فيها ترسّبات الماضي، ويعجنها ويطبعها بطابعه، فتصبح التجربة تكراراً للماضي التركي المقيت.

ففي محاولتها الدخول إلى العصر الحديث، عبر مطالبتها المتكرّرة كي تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، وانخراطها فعلاً في منظمة حلف شمال الأطلسي، تظاهرت وكأنها تعبر النفق نحو مدنية وحضارة أوروبية، بل وأكثر من ذلك، طرح وزير خارجيتها الأسبق أحمد داوود أوغلو في كتابه «الهدف الاستراتيجي» نظرية متقدّمة في العلاقات الدولية، تقوم على «مشاكل صفر»، خصوصاً مع جيرانها من الناحية الجغرافية.

إلا أنّ ممارسة السلطة في تركيا أثبتت وكأنها تعيش في القرون الوسطى، وبالتالي لم تصل إلى تحقيق هدفها المرسوم، إنما وصلت إلى عكسه تماماً. فها هي وبجردة سريعة على شبكة علاقاتها مع محيطها، يتبيّن لنا التالي: دخلت في حرب مع سورية الشام التي كانت قد فتحت صدرها للتعاون والتنسيق، ومنحتها من الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ما لم يُعطَ لدولة أخرى، واستكمالاً لعدائيتها، فقد نهبت ثروات ومصانع المنطقة الشمالية، بالأخصّ مدينة حلب، التي كانت تزخر بمئات المصانع والمنشآت الإنتاجية، واستكمالاً لعدائيتها أيضاً زجّت بقواتها إلى منبج وجرابلس، ولم تزل تنظر بعين الطمع إلى الرقة ونفطها وسدّها المائي.

وعلى المنوال نفسه نسجت علاقتها مع العراق، تحت عنوان محاربة داعش والإرهاب، واستفادت من هذه الحرب، التي يخوضها العراق بكلّ جدارة، لتدق إسفينها بإدخال قوى عسكرية إلى شمال العراق بحجج إثنية واهية. وكما في العراق وسورية فإنّ التاريخ التركي موسوم بمذابح الأرمن، ولا يزال حتى يومنا هذا يدعم أذربيجان بمواجهة أرمينيا في إقليم ناغورني كاراباخ. ولا يقلّ التركي عدائية تجاه اليونان، فمشاكل الحدود التاريخية لا تزال ناراً تحت الرماد، وخصوصاً في ما يتعلق بالاجتياح التركي لقبرص.

في الخلاصة وصل مشروع «مشاكل صفر» إلى «مشاكل مع الجميع»، فالرؤية العلمية في نظرية داوود أوغلو التي استندت في توصيفها على تحديد عناصر الدولة والأمة عند نيكولاس سبيكمان، سقطت بالممارسة الأردوغانية وبالضربة القاضية.

إنّ الانفصام الحاصل بين النظرية والتطبيق، هو حاصل نتيجة إلباس الطورانية التترية لباس «التمدّن الغربي». فالطبع التركي الأردوغاني العدائي غلب التطبّع الأتاتوركي المنسوخ عن الغرب، أو كأنها كالغراب الذي حاول في مشيته أن يقلّد مشي الحجل.

وإذا كان أردوغان يطرح مسألة تعديل اتفاقية لوزان الصادرة عام 1626، فإننا في الحزب السوري القومي الاجتماعي، لا نعترف، أصلاً، بهذه الاتفاقية، لأنها صادرة عن جهات غير مؤهّلة للبتّ بمسألة السيادة على أرضنا وحق أمتنا، وهي تماماً كاتفاقية سايكس ـ بيكو ووعد بلفور وسيفر وسان ريمو، اعتداء صارخ على هذا الحق وهذه السيادة.

وعليه، فإنّ العودة إلى ما قبل اتفاقية لوزان الممهورة بالخاتم الاستدماري الاستعماري تستوجب مراجعة كلّ النتائج التي ترتبت عليها، وبالتالي إعادة كلّ أراضي سورية الطبيعية إلى حضن الأرض الأمّ. فمن مرسين إلى كامل كيليكية والاسكندرون هي جزء لا يتجزأ من أرضنا القومية التي لا يمكن لأيّ فرد أو سلطة قائمة أن تتنازل عنها لأنها ملك التاريخ، ملك الحاضر، وملك الأجيال التي لم تولد بعد…

نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى