الحريري رئيساً لحكومة العهد الأولى… بأصوات تقارب المئة أمل وحزب الله سيمتنعان عن تسمية مرشح تعبيراً عن الإيجابية

كتب المحرر السياسي

اتخذت موسكو الترتيبات اللازمة لترجمة نتائج الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية روسيا وسورية وإيران، سواء لجهة قرار المضيّ بخيار الحسم العسكري في حلب، بعدما كشف الهجوم الأخير لجبهة النصرة حجم العلاقة العضوية بين أطراف مثلث النصرة والجماعات المسلحة والتحالف الدولي الإقليمي المعادي لسورية، وبعدما صار ثابتاً أنّ الطريق الوحيد لفصل هذه المكونات عن بعضها، وتمهيد الطريق للمسار السياسي، الذي يشكل التفاهم الروسي الأميركي الموقع في جنيف قبل شهرين، وصفته الوحيدة، هو تعريض أطراف هذا الحلف للمزيد من النار حتى يتمّ تخيير أطرافه بين خوض الحرب أو الانسحاب منها. هذا ما حمله الإعلان الروسي عن قرب اكتمال عدة الحرب الحاسمة بوصول المدمّرات الروسية خلال أيام إلى البحر المتوسط من جهة، والإنذار الذي تبلّغته تركيا بوقف العبث على الحدود مع سورية، وجاء إعلان وزير الدفاع الروسي عن تأجيل البحث بحلّ سياسي إلى أجل غير مسمّى متزامناً مع المحادثات التي جرت بين رئيسي الأركان الروسي والتركي التي أصرّت موسكو على توصيفها، كمناسبة للتأكيد على ضرورة فصل النصرة عن الجماعات المسماة بالمعارضة المعتدلة كي يكون ممكناً الحديث عن التهدئة.

كما في سورية تزاوج السياسة والميدان، في اليمن والعراق، حيث يرصد السعوديون والأتراك التعقيدات التي تحول دون المضيّ في طريق التصعيد، بينما حمل تعاملهما مع الرئاسة اللبنانية تعبيراً عن درجة الشعور بالإحباط، فغاب الرئيس التركي رجب أردوغان عن مهنئي الرئيس اللبناني بانتخابه، بينما جاء اتصال الملك السعودي أمس في آخر القائمة، التي تصدّرها متصلو أول أمس وفي طليعتهم الرئيسان الإيراني والسوري.

الرئاسة بما ترجمته كثمرة للتوازنات الجديدة في المنطقة تواصل اندفاعتها، بتسريع الاستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة، لتبدأ مسيرة تشكيل الحكومة الجديدة، وقد بات محسوماً لواء رئاستها للرئيس سعد الحريري، التي يحوز تأييد كتلته وتكتل التغيير والإصلاح المعلن، ومعهما ترشيح كتل القوات اللبنانية وحزب الكتائب واللقاء الديمقراطي والمردة، إضافة لأغلبية النواب المستقلين، ما يجعل المجموع يقارب المئة صوت قبل أن تحسم الكتل الأخرى وفي مقدمتها كتلتا التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة قرارها، الذي يرجّح أن يذهب باتجاه عدم تسمية الرئيس الحريري، لأن لا تفاهمات تجمعها معه، ولأنّ التفاهم عليها سيبدأ مشواره الطويل بعد تسمية الحريري رئيساً للحكومة، لكن في المقابل يرجّح امتناع الكتلتين والحلفاء عن تسمية مرشح آخر غير الحريري لرئاسة الحكومة علامة على الإيحابية في التعامل مع العهد الجديد، ومقاربة الاستحقاق الحكومي بانفتاح على الحوار سعياً للتوافق.

رحلة العهد تبدأ اليوم

لم يكن حال قصر بعبدا في اليوم الأول للعهد الجديد كحال أيام السنوات الماضية التي سمحت للفراغ أن يتسلل الى كرسي الرئاسة ومكاتبها والأروقة والبهو الخارجي، فيوم أمس عاد النشاط الى الدوائر ومكاتب الموظفين جميعها وشهد استقبالات لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبرقيات تهنئة وبعض التشكيلات الأمنية والإدارية.

وبعد أن تسلّم مهامه الدستورية بدا الرئيس عون كمن يخوض سباقاً مع الوقت، فالخطوة الأولى في رحلة إطلاق عجلة الدولة وإصلاح المؤسسات والنهوض بالوطن تبدأ اليوم بإجراء استشارات نيابية ملزمة مع الكتل النيابية تستكمل غداً وبناءً على نتائجها يصدر الرئيس عون مرسوماً بتكليف رئيس لتشكيل الحكومة الأولى للعهد، والأغلب أن المهمة ستُوكل الى الرئيس سعد الحريري.

وفي سياق ذلك، أعلنت كتلة المستقبل أمس بعد اجتماعها في بيت الوسط برئاسة الحريري ترشيحها للرئيس سعد الحريري لتولي رئاسة الحكومة، وسرعان ما لاقاها تكتل «التغيير والإصلاح» بتأكيده على تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة.

وبعد اجتماعه الأسبوعي في الرابية، اعتبر رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الذي تلا بيان التكتل أن «كل أصواتنا ستصبّ من دون أي صوت ناقص لمصلحة الرئيس الحريري، فنحن عندما نعطي نعطي كاملاً، ولا نسمح بأي خلل».

وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «رئيس الجمهورية سيجري المشاورات بروح منفتحة على جميع الكتل وسيؤكد أمامها على ضرورة مشاركة جميع الأطراف في الحكومة، وأنه سينصح الرئيس المكلف فور تكليفه بأن تكون الحكومة جامعة وحاضنة كل القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي وعلى قاعدة الميثاقية والمناصفة والشراكة المتكافئة».

أما في مسألة الثلث الضامن فتوقعت المصادر «ألا يشكل هذا الأمر عقدة أمام التأليف، خصوصاً بعد خلط الأوراق والتحالفات السياسية وانتهاء ما سُمّي بـ 14 و8 آذار، فضلاً عن أن الرئيس عون هو الضمانة للجميع، وبالتالي لن يطلب حزب الله ولا فريقه السياسي ثلثاً ضامناً، فثقته بالرئيس عون هي ضمانته والأمر اليوم يختلف عما كان عليه في حكومات رئيس الجمهورية السابق».

ولفتت المصادر نفسها الى أن «العهد لا يستطيع الانطلاق من دون وجود حركة أمل وحزب الله في الحكومة، كما لا يمكن أن تؤلف الحكومة من دونهما»، متوقعة مشاركة الرئيس بري وحزب الله في الحكومة إذ «لا يمكن للحزب المساهم الأكبر في إنجاز الاستحقاق الرئاسي أن يبقى خارج حكومة العهد الأولى، لكن في الوقت نفسه الرئيس عون يدرك أن الثنائية الشيعية ثابتة لا سيما في مسألة تشكيل الحكومة». وشددت على أن «عون يريد التوازن في إعطاء الحقوق ولن يسلب أحداً حقه في التمثيل وهو الذي عانى طويلاً من سلب الآخرين حقوقه وحقوق مَن يمثل».

وعن العلاقة بين عون والحريري خلال العهد المقبل، لفتت المصادر الى أن عون أثبت من خلال التجربة أنه رجل حوار ومبادئ وأب لكل اللبنانيين وسيسعى الى تغليب منطق العدالة وتحقيق الشراكة والمساواة في الحكم».

ورجّحت مصادر في 8 آذار لـ «البناء» أن يرتفع عدد الوزراء في الحكومة المقبلة الى ثلاثين وزيراً، لوجود اعتبارات عدة سيأخذها رئيسا الجمهورية والحكومة المكلف بعين الاعتبار، لا سيما لجهة ما قاله رئيس المجلس في خطابه أمام الرئيس المنتخب بضرورة فصل وزارة الخارجية عن وزارة المغتربين واستحداث وزارة جديدة مخصّصة للمغتربين، فضلاً عن تمثيل الأقليات المسيحية والمسلمة إضافة الى أنها ستكون حكومة وحدة وطنية ما يفرض ضم جميع الكتل النيابية».

وقالت مصادر في «التيار الوطني الحر» لـ «البناء» إن «مسألة توزيع الحقائب أمر سابق لأوانه، فهناك مرحلة الاستشارات ومن ثم تكليف الرئيس ليبدأ تشكيل الحكومة وبعدها يعرض الرئيس المكلف تشكيلته على رئيس الجمهورية ويناقشها معه، إما يوافق عليها وإما يطلب تعديل بعض الاسماء او الحقائب». ورجحت أن يعتمد التيار الوطني الحر مبدأ فصل النيابة عن الوزارة في هذه الحكومة، كما أكدت أن «التكتل لم يحسم بعد أسماء الوزارات التي سينالها، موضحة أنه بحسب الحقائب التي ستكون من حصته سيختار شخصيات مناسبة لهذا المنصب ولديها قدرة على تنفيذ مشروع الإصلاح والتغيير».

.. و«التنمية والتحرير» لن تعرقل

وقالت مصادر في كتلة التنيمة والتحرير لـ «البناء» إن «الكتلة ستحسم أمر تسمية الرئيس المكلف اليوم بعد اجتماعها برئاسة الرئيس بري وستبلغه لرئيس الجمهورية، خلال الاستشارات النيابية الخميس المقبل»، أما في مسألة تشكيل الحكومة، فأكدت المصادر أن «لا نية لدى الكتلة ولا لدى رئيسها لعرقلة مسار التأليف وأن الكتلة بانتظار ما سيعرض لجهة شكل الحكومة، إذا كانت حكومة فريق معين أو وحدة وطنية أم موسّعة أم مصغرة». وشددت على أن «موضوع عدد الحقائب الوزارية والأسماء لم يطرح بعد ولم تحسم الكتلة بعد تسمية الرئيس، وعلى أساسها ستقرر إذا كانت ستدخل الحكومة أو تبقى في المعارضة».

ولفتت المصادر الى «أجواء إيجابية لدى رئيس المجلس تجاه العهد الجديد واستعداده للتعاون»، إلا أنها توقعت أن «يطول مسار تشكيل الحكومة وقتاً ربما لا يقل عن شهرين». وعما اذا كان رئيس المجلس لا يزال مع الحريري ظالماً أم مظلوماً كما أعلن سابقاً، أجابت المصادر: «هذه المقولة كانت قبل الانتخابات الرئاسية أما الآن فلا أعلم، يبدو أن الامور قد تغيّرت». وعن التفاؤل في العهد الجديد، فضلت المصادر «الانتظار لبعض الوقت وترقب المواقف ليظهر المسار الذي سيسلكه العهد».

.. و«الوفاء للمقاومة» تحسم اليوم

وعلمت «البناء» أن «كتلة الوفاء للمقاومة ستعقد اجتماعاً صباح اليوم قبل توجّهها الى قصر بعبدا للتباحث بشأن تسمية الرئيس». وقالت مصادر في 8 آذار لـ «البناء» إن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أعلن أن «لا مانع لدى الحزب من وصول الحريري الى رئاسة الحكومة، فحزب الله لا مشكلة لديه في هذا الجانب بعد انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، ولم يكن يوماً ضد وصول الأقوياء في الطوائف الى مواقع الرئاسات في الدولة». موضحة أن حديث السيد نصرالله عن عدم ممانعة لوصول الحريري يترجم في الاستشارات، إما تسمية الحريري وإما عدم تسمية أي شخصية ثانية». ولفتت المصادر الى أن «حزب الله سيقف على خاطر رئيس المجلس في عملية تشكيل الحكومة، فإما يدخلان معاً الى الحكومة وإما يذهبان الى صفوف المعارضة».

وعن سبب ازدحام المواقف الإقليمية والدولية المهنئة والمؤيدة للرئيس عون، شددت المصادر على أن «الاتجاه الدولي والإقليمي كان واضحاً في حرصه على لملمة الوضع في لبنان والنأي بالنفس عن بركان النار المشتعل في المنطقة، وبالتالي الحفاظ على الدولة من خلال التسوية الرئاسية تحت رعاية دولية».

وأبدت المصادر ارتياحها الى «خطاب القسم للرئيس عون، إذ لا مشكلة لدى فريق المقاومة بتأكيد الرئيس على التزام لبنان بميثاق الجامعة العربية، مع ترحيبه بما قاله الرئيس عن حق لبنان بالمقاومة وبتحرير أرضه».

وفي ما لم تحسم بعض الكتل النيابية موقفها بانتظار الاتصالات، فمن المرجّح أن تؤدي حصيلة الاستشارات إلى فوز الحريري بما يقارب 99 نائباً في حال امتنعت كتل «التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» والحزب السوري القومي الاجتماعي والبعث عن تسمية الحريري. بينما تسمّي جميع الكتل الأخرى الحريري.

استقبالات وبرقيات مهنئة

واستهلّ رئيس الجمهورية نشاطه أمس، باستقبال نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس الذي حضر خصيصاً الى لبنان لتهنئة رئيس الجمهورية بانتخابه.

وكان الرئيس عون التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي هنأه بانتخابه، وعرض معه أوضاع المؤسسة العسكرية والأوضاع الأمنية في البلاد.

ووقّع العماد قهوجي، مذكرة بفصل التشكيلات وعيّن العميد سليم الفغالي قائداً للحرس الجمهوري، على أن يتسلم مهامه في 7 تشرين الثاني الحالي.

أما في المواقف الدولية، فقد رحب مجلس الأمن الدولي بانتخاب الرئيس عون رئيساً لجمهورية لبنان، كما تلقى عون اتصالاً هاتفياً من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز هنّأه به على انتخابه رئيساً للجمهورية. وأكد العاهل السعودي للرئيس عون حرص المملكة العربية السعودية على الوحدة الوطنية بين اللبنانيين وعلى العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين الشقيقين.

وقد شكر الرئيس عون العاهل السعودي على تهنئته، مقدراً للمملكة العربية السعودية حرصها على تشجيع اللبنانيين على التلاقي والوحدة، متمنياً أن تستمرّ المملكة بدعم لبنان في المجالات كافة. وفي نهاية الاتصال جدّد العاهل السعودي تأكيد اهتمام المملكة بلبنان واللبنانيين.

كما تلقى عون برقية تهنئة من ملك المملكة الأردنية الهاشمية عبد الله الثاني ومن سلطان عمان قابوس بن سعيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى