سُعار «إسرائيليّ» بعد قرار «اليونسكو»

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

من الواضح أنّ الاحتلال بعد قرار «اليونسكو»، منظمة التربية والعلوم والثقافة، باعتبار المسجد الأقصى مكاناً إسلاميّاً خالصاً، ومَعْلَماً تاريخيّاً وتراثيّاً وأثريّاً، ولا علاقة توراتيّة أو دينيّة أو تاريخيّة بين المسجد الأقصى وبين اليهوديّة، وما أعقبه من قرار لـ«لجنة التراث العالميّ» المنبثقة عن «اليونسكو» باعتبار كلّ الإجراءات والممارسات «الإسرائيليّة» في البلدة القديمة ومحيطها غير قانونيّة وباطلة وفق مواثيق الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. من الواضح أنّ هذه القرارات أفقدت دولة الاحتلال صوابها، فرئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وأركان حكومته لم يشنّوا حملة تحريض وتشهير وقدح ضدّ المؤسّسة الدوليّة فقط، بل وصفوا قراراتها بأنّها شكل من أشكال الهلوسة واللاساميّة، وبأنّها باتّخاذها مثل هذه القرارات إنّما تحرّض وتشجّع على تحويل الصراع إلى صراع دينيّ، وليشبّه نتنياهو نفي علاقة اليهود بالمسجد الأقصى جبل الهيكل كنفي علاقة المصريّين ببناء الأهرامات، وبناء الصينيّين لسور الصين العظيم.

ولم يكتفِ نتنياهو بذلك، بل قال بأنّه على كلّ يهودي قبل الخدمة في الجيش أن يشارك في الحفريّات أسفل المسجد الأقصى، وأنّه سيشارك في تلك الحفريات شخصيّاً، وأنّهم سيقومون بـ«تنخيل» التراب المسروق من أسفل الأقصى لكي يثبتوا العلاقة ما بين اليهوديّة و»جبل الهيكل»، وبلغ جنونهم ذروته من خلال محاولتهم إثبات تلك العلاقة عبر رقعة جلديّة مزوّرة عثروا عليها في صحراء النقب، قيل إنّ عليها اسم «يروشلايم».

الحرب على الأقصى عقب ذلك تصاعدت بشكل غير مسبوق، ويكفي هنا أن نشير إلى أنّ فترة العام السابق شهدت أكبر وأضخم عمليّات اقتحام للمسجد الأقصى، حيث بلغ مجموعها 14094 اقتحاماً، من ضمنها 113 عروساً وعريساً يهوديّاً أجروا «مراسيم الزواج التلمودي» في المسجد الأقصى، و25 يهوديّاً أجروا «مراسيم البلوغ اليهوديّ» في المسجد الأقصى. وفي تحدّ صارخ لقرارات منظمة «اليونسكو»، وفي إطار سياسة فرض الأمر الواقع، أعلنوا عن عدّة مشاريع على طريق تهويد المسجد الأقصى والفضاء المحيط به، حيث افتتحوا مقهى لجنودهم في منطقة الواد في البلدة القديمة بالقرب من بؤرة استيطانيّة تابعة لجمعيّة «إلعاد»، على طريق ذهاب وإياب المصلّين إلى ومن الأقصى، وهذا المقهى سيقدّم خدمات ترويحيّة لجنودهم مجّاناً تقديراً من «الشبيبة اليهودية» لجنود الاحتلال في توفير الأمن والحماية لهم، والحملة تصاعدت لكي تطال الأموات المحيطين بالمسجد الأقصى، حيث عمدوا إلى الاعتداء على قبور الأموات في مقبرة باب الرحمة الملاصقة للمسجد الأقصى، فجرفوا ستة قبور وحطّموا شواهد قبور أخرى، تحت حجّة وذريعة بأنّ المنطقة مصادرة من الحماية الطبيعية لعمل مسارات تلموديّة وتوراتيّة، علماً بأنّ المقبرة وقف ذري لآل الحسيني والأنصاري ومُقامة قبل 1400 عام، وفيها قبور عدد من الصحابة عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، والمجاهدين الذين شاركوا في فتح القدس.

تصاعدت عمليات التهويد بحق الأقصى، حيث أعلن عن خطة لربط القدس بتلّ أبيب بالقطار الخفيف عبر نفق يمتدّ لـ2 كم مربع وبعمق 80 متراً يلتفّ حول أسوار البلدة القديمة وليصل حتى ساحة حائط البراق. والهدف واضح هنا محو التاريخ والجغرافيا، وجلب أكبر عدد من المصلين اليهود والسيّاح إلى ساحة البراق، وتسهيل وتسريع عمليات الاقتحام بأعداد كبيرة جداً. الاحتلال يعاود السماح لأعضاء الكنيست الصهاينة باقتحام المسجد الأقصى عبر قرار جديد يجري إقراره، والتعدّي الصارخ على المشاعر الدينيّة للمصلّين المسلمين يتصاعد، حيث استجاب المتطرّف نير بركات، رئيس بلدية القدس المحتلّة لمطالب المستوطنين، بضرورة تخفيض صوت الآذان المنبعث من العديد من المساجد الملاصقة للبؤر الاستيطانيّة بحجة أنّ ذلك مصدر إزعاج لهم، فارتفاع صوت التكبيرات للصلاة تسبّب لهم صداعاً وحساسية زائدة، فهم يقولون كيف سيصدح صوت المؤذّنين في الأقصى والجوامع المحيطة، في مدينة يعتبرونها عاصمة لدولتهم، بل عاصمة لكلّ يهود العالم؟!

الحرب على الأقصى مستمرة ومتواصلة، والتحدّي الصارخ للقرارات الدولية، وآخرها قرار «اليونسكو»، لم يتوقّف. فها هو المتطرّف يهودا غليك، الذي يقف على رأس الاقتحامات للمسجد الأقصى بحجّة أنّه جبل الهيكل ولا يجوز منع اليهود من الصلاة فيه، دعا مع منظمات «ائتلاف من أجل الهيكل» و»إرث الهيكل» إلى مؤتمر عُقد في «الكنيست» الصهيوني أمس الاثنين، والهدف منه الدعوة إلى تكثيف اقتحامات الأقصى، وتوثيق «علاقة اليهود» بما أسموه «جبل الهيكل» المسمّى اليهودي للمسجد الأقصى وذلك تحت عنوان «محبّي صهيون». هذا السُّعار «الإسرائيليّ» المجنون بحق الأقصى يجب أن يتوقّف، فهو يدفع بالأوضاع نحو تصعيد غير مسبوق، ربما يدفع الأمور نحو انفجار شامل يطاول المنطقة بأكملها، ولذلك باتَ مطلوباً من الأردن، الراعي والمسؤول عن المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس بشكل مباشر، وأيضاً السلطة الفلسطينيّة والعرب والمسلمين، اتّخاذ خطوات عمليّة ترتقي إلى مستوى ما يتعرّض له الأقصى من مخاطر… خطوات من شأنها لجم هذا السُّعار الصهيوني المنفلت من عقاله، وكذلك باتَ مطلوباً منهم الضغط بشكلٍ جديّ وبلغة المصالح على كلّ الدول التي توفّر الرعاية والحضانة لدولة الاحتلال في المؤسسات الدوليّة لتبقيها فوق القانون الدولي، من أجل أن تُخضعها للقانون الدولي وتلزمها بمواثيقه واتّفاقياته، فاستمرار دعمهم لدولة الكيان الصهيوني في خرق القانون الدولي بشكل سافر سيجرّ المنطقة إلى صراعات قد تشمل كامل المنطقة، وخصوصاً إذا ما تجرّأت دولة الاحتلال على هدم الأقصى.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى