ترامب الأكثر «شعبية» بكلّ الأحوال كيف ذلك؟

روزانا رمّال

تساؤلات كثيرة تحوم حول المشهد الرئاسي الأميركي منذ لحظة ترشيح الجمهوري دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية الأميركية بشكل خاص، لإدارة البيت الأبيض واستقبال العهد الجديد، رغم التوافق العام على انّ واشنطن مقبلة على اسوأ مستوى للانتخابات الرئاسية لجهة المرشحين منذ 45 دورة سابقة.

يدرك الشارع الأميركي أنّ اختيار ترامب لرئاسة الجمهورية ليس خياراً مُوفّقاً، لكنه يدرك أيضاً انّ رجل الأعمال الدولي دونالد ترامب هو أحد رموز التاريخ الأميركي المعاصر والقطاع الاقتصادي والسياحي، وأنه ليس سهلاً اعتباره مرشحاً عادياً.

تكثر التقارير حول عدم رضى «جمهوري» على المرشح ترامب، وبعض منها يكاد يكون مصطنعاً نتيجة ضغوط «محدّدة» يعيشها، لكن في نهاية المطاف لا يمكن للحزب الجمهوري اعتبار خيار ناخبيه «ساقطاً»، والأهمّ أنه لا يمكنه ايضاً تحمّل خسارة لولاية ثالثة تحسب تلقائياً للحزب الديمقراطي بعدما فاز الرئيس باراك اوباما لسنوات أربع ثم عاد وفاز مجدّداً لولاية ثانية من أربع سنوات، فبات رئيساً لولايتين متتاليتن.

الحديث عن اعتبار الخيار الجمهوري سيّئاً لا يمكن احتسابه حقيقة كاملة، فالحزب الجمهوري ليس حزباً عادياً ولا عبثياً ولا يمكن اعتبار ترامب أحد مرشحي الحزب الخارج عن سيطرة رغبة الأكثرية فيه، فهناك بالتأكيد «شيء ما» يلوح في الأفق أوصله إلى مرحلة متقدّمة كهذه.

ربما اختير دونالد ترامب، حسب مراقبين أميركيين، كواحد من سيناريوات تعبيد طريق البيت الأبيض امام هيلاري كلينتون لضمان فوزها، فترامب ليس مرشحاً قادراً على الوصول إلى عقول وقلوب الناس في أميركا، وانّ الامر يتمثل برغبة الاستخبارات في إيصال كلينتون للرئاسة في ظرف دولي معقد كهذا، لضرورة أو حاجة ماسة تتمثل باستكمال الرئيس المنتخب ما بدأه اوباما من لحظة توقيع الاتفاق الأميركي مع طهران وصولاً للأزمة السورية والعلاقة الجديدة مع دول الخليج خصوصاً السعودية وقانون «جاستا» المستجد على العلاقة.. وكلها ملفات متشابكة ومرتبطة يستحيل فصلها أو استقدام رئيس آخر لادارتها من خارج الحزب الديمقراطي لظروف استثنائية تتعلق بالأمن القومي الأميركي فيكون الخصم سهل الإطاحة فيه فكانت عملية وصول ترامب للمرحلة النهائية ضمانة لهذا.

للوهلة الأولى يبدو الحديث ممكناً في عالم الاستخبارات، لكنه مرفوض بقوة أيضاً. فاعتبار ترامب ليس مرشحاً جدياً لقيادة أميركا غير وارد عند جزء كبير من محبيه، ترامب ليس شخصية عادية من تاريخ الولايات المتحدة الأميركية بل إنه الأكثر قدرة على الاستقلالية. فهذا الرجل يملك ما يكفي من المال ما يؤكد على عدم وقوعه في فخ الرشى والمال وتلقي الدعم المالي الخاص من دول خليجية، كما صار مع هيلاري كلينتون التي حصلت على مبالغ عربية طائلة من الرياض مثلاً مقابل المساعدة في الملف السوري وتقديم كلّ ما يلزم للعرب في مشروعهم ضدّ الأسد.

مسألة التحرّر من التبعية المالية قد لا يملكها مرشح آخر غير ترامب، وهذا الأمر يشكل خطراً على الاستخبارات الأميركية، فهي لن تقدر على السيطرة عليه، وهو بدوره لن يشتري مواقف أو يبيعها بل إنه بالحدّ الأدنى سيتصرف بطبيعية ووفق رؤيته الخاصة بدون التطرق إلى صوابية مواقفه من عدمها.

في حديث لبرنامج «كلام الناس» اللبناني أطلّ طوم براك مستشار دونالد ترامب ولفت النظر الى شيء مهم وأساسي في مطالعة حالة ترامب ومنطقية وصوله للرئاسة، فقال: «كان الرئيس الأميركي رونالد ريغان ممثلاً، أيّ فناناً، وكان الأميركيون ينتقدون الممثلين كثيراً في ذلك الوقت ولا يحبونهم وقد تخرّج من جامعة عادية وأقلّ من عادية ولم يكن أحد يسمع بها… كان ريغان مطلقاً ايضاً وهي سابقة في تاريخ المرشحين للرئاسة الأميركية… هذه المخاوف كلها مشابهة للمخاوف من صفات دونالد ترامب وواقعه، خصوصاً انه كان نجماً في تلفزيون الواقع، في المحصلة؟ كان ريغان من أفضل رؤساء أميركا بالنسبة للأميركيين مع أفضل عهد اقتصادي وسياسة تسامح خارجية لقد كان عهده الممتدّ على ولايتين ملوكياً، حسب طوم براك؟

من اليوم الأول يتحدث ترامب عن عدم قبوله لنتائج الانتخابات إذا خسر، ويبدو أنه ينطلق من مكان أساسي وهو ما يؤكد عليه أستاذ في جامعة واشنطن لـ «البناء» فيقول: «الإعلام اليوم مملوك من كبار رجال الأعمال اليهود الذين يوالون بشكل واضح السياسة الإسرائيلية الصهيونية، وهم مسؤولون عن تبييض صفحة هيلاري كلينتون، يوجد اليوم في أميركا فقط 6 محطات كبرى للتلفزة وهي جميعها مملوكة من اللوبي اليهودي».

يبدو ترامب شخصية خطيرة ومرشّح خطير أيضاً على عكس ما تروّج له الصحافة الأميركية المعروفة التوجهات والغايات. وهو يعيش حرباً ضروساً معها، يكفي النظر لصفحته على شبكات التواصل للتأكد من شعبية كبيرة تفوق شعبية هيلاري كلينتون لمتابعيه، هذه الشعبية والنتيجة المتقاربة قبل ساعات من النتائج تؤكد أنّ ترامب الأكثر شعبية في الشارع الأميركي، وأنه لو حظي بدعم الإعلام كما حظيت كلينتون بدون التركيز على توصيف سلبي مبكر له لكان توّج رئيساً بدون شكوك.

إمبراطورية ترامب الاقتصادية والسياحية والخدماتية جعلته أقرب إلى الشباب، وووفرت فرصاً كثيرة للعمل.. لا يمكن لميلياردير بهذا الحجم أن يكون مرشحاً عادياً من عمر السباق، ربما يعرف ترامب لماذا يحاربه الإعلام ويعرف أيضاً أنه لن يسكت بعد النتيجة.

دونالد ترامب الأكثر شعبية قبل النتائج وبعدها.. هذا ما لا يجاهر به الإعلام الأميركي المسيّس بامتياز.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى