التقارب بين ترامب وبوتين يقلق الغرب

جمال الكندي

ما زالت تداعيات فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية مدوية ومزلزلة في الساحة الأوروبية والعربية، وذلك لما تحمله شخصية الرئيس الأميركي الجديد من تناقضات وتقلبات لا تلاقي الرضا والقبول لدى ساسة أوروبا وبعض العرب.

استطلاعات الرأي في أميركا كانت تبشر بوصول هيلاري كلينتون إلى الرئاسة الأميركية، فهي كانت لها الأفضلية لدى الغرب وحلفاء أميركا من العرب، وتطمئنهم إلى أنّ نهج أميركا لن يتغيّر في كيفية التعاطي مع ملفات الشرق الأوسط الملتهبة، لا سيما الملف السوري.

فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية صفعة للإعلام الأميركي الذي ظلّ يبشر بفوز هيلاري كلينتون إلى آخر يوم قبل الانتخابات، وأنّ السياسات الداخلية والخارجية لأميركا باقية كما كانت في عهد أوباما، مع بعض الزيادة هنا والنقصان هناك.

جاء دونالد ترامب وقالها مدوية عبر فوزه بفارق كبير بينه وبين هيلاري كلينتون بأنّ الشارع الأميركي يريد رئيساً من طراز خاص، ليس سياسياً محنكاً ذا نظرة ايديولوجية مثل الزعماء الديمقراطيين، ولكن رئيساً يتكلم بنبض رجل الشارع الأميركي الذي يريد من الرئيس أن ينكفئ داخلياً أكثر من الاهتمام الخارجي، وهذه هي الاستراتيجية الجديدة للرئيس دونالد ترامب، من هنا ندرك لماذا يرفع ترامب شعار طرد المهاجرين الغير شرعيين والذين باتوا التهديد الحقيقي للمواطن الأميركي الذي يبحث عن العمل ولا يجده بسبب البطالة التي من أسبابها وجود هذه العمالة الغير شرعية والتي تأخذ أقلّ بكثير من المواطن الأميركي.

إنّ القلق الغربي من ترامب ناجم عن سياساته الخارجية والتي أعلن عنها من خلال حملته الانتخابية، حيث عبّر عن تقارب في وجهات النظر مع العدو الاستراتيجي لأميركا وهم الروس، وقال انّ الرئيس الروسي يحارب الإرهاب الداعشي في سورية ونوّه أنّ التعاون الحقيقي معه يعني محاربة داعش، وهو القاسم المشترك بينهما.

هذا القلق الغربي يحمل لواءه الحليف العتيد والقديم لأميركا، وهم البريطانيون، فقد ذكرت صحيفة «ديلي تيليغراف» أنّ «بريطانيا تواجه أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة بشأن خطط دونالد ترامب لإقامة تحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتصريحه أنّ داعش هو الهدف وليس الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وذكرت كذلك أنّ التحوّل الدراماتيكي في السياسة الأميركية أثار قلقاً كبيراً في وزارة الخارجية البريطانية، وهي تحاول معرفة مدى جدية الرئيس الأميركي الجديد في توجهاته هذه، وهل ترامب مستعدّ لأيّ تغيير في ما صرّح به.

لكن المقابلة التي أجراها مع «وول ستريت جورنال» تؤشر إلى أنه سيسعى لتحقيق التحالف مع روسيا في حلّ الأزمة السورية وفق رؤية مشتركة بينهما قاعدتها انّ داعش وأخواتها هي لبّ المشكلة في سورية وليس الرئيس الأسد.

لعلّ المستفيد الأول بوصول ترامب إلى حكم البيت الأبيض هما الرئيسان السوري والروسي، لما حملت أفكار الرئيس الأميركي الجديد من تقارب في وجهات النظر في طريقة حلّ الأزمة السورية، ونظرة ترامب إلى المعارضة المسلحة بأنها مجهولة الهوية وغير معلومة التوجه.

طبعاً هذا الكلام يعطينا الأمل ولو كان بسيطاً لقرب حلّ هذه الأزمة والتي سبب استمرار اشتعالها إلى الآن هو استثمار الإدارة الأميركية الحالية في دعم المسلحين بكافة توجهاتهم، وهو الذي يعارضه حسب تصريحاته الأخير ساكن البيت البيض المرتقب.

هنا نحن أمام تجربة أوباما خلال حملته الانتخابية وكلامه بتحقيق أمور كثيرة في الداخل الأميركي وفي السياسة الخارجية، منها على سبيل المثال إغلاق سجن غوانتانامو السيّئ السمعة، وهذا الأمر لم يتحقق في ولايتي أوباما الرئاسيتين، إذاً هل هي شعارات ترفع أثناء الحملات الإنتخابية وتنتهي بعد ذلك، وهذا الأمر جائز لأنّ ما جاء به ترامب يعتبر نقله نوعية، وقد سبّب هلعاً أوروبياً ترجم بلقاء وزراء خارجيتهم وإعلانهم تطوير قدراتهم العسكرية بشكل مستقلّ عن الولايات المتحدة الأميركية بسبب شكوكهم في مدى تعاون الرئيس الأميركي الجديد الأمني مع دول الاتحاد ضمن حلف شمال الأطلسي الناتو.

المراقب للمشهد الأميركي عليه الانتظار والترقب لحين تسلّم ترامب مقاليد الرئاسة في أميركا وتقييم المائة يوم الأولى لرئاسته، وهل سوف يفي بوعوده والتي يهمّنا فيها كيفية مقاربته للأزمة السورية وموقفه من الاتفاق النووي الإيراني، علماً بأنّ السياسة الأميركية ترسمها ما تسمّى الدولة العميقة والتي هي الجهات الأمنية الداخلية والخارجية في أميركا، والسؤال الجوهري الذي يطرح هنا هل وصول ترامب وتصريحاته الأخيرة والتي تتنافر مع شركاء أميركا التقليديين من الأوروبيين والعرب هي مرسومة من قبل دوائر صنع القرار الأميركي، وشخصية ترامب هي الشخصية المثالية المُراد بها إحداث هذا التغيير؟

إنّ الآتي من الأيام هو الكفيل وحده في تكذيب أو تصديق وعود دونالد ترامب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى