عرض دي ميستورا… فقّاعة الفراغ

معن حمية

أن يجدّد المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا اقتراحه بأن يكون لشرق حلب إدارة ذاتية، معنى ذلك، أنّ كلّ فلسفة المبادرة الأممية، تقوم على هدف محدّد هو إنقاذ المجموعات الإرهابية في شرق حلب ومنحها إدارة ذاتية بما ينسجم مع ما تسعى إليه تركيا وبعض الدول العربية المشغّلة للإرهاب.

مقترح الإدارة الذاتية الذي حمله دي ميستورا إلى دمشق أمس، وقوبل برفض سوري قاطع أعلن عنه وزير الخارجية وليد المعلم، هذا المقترح «الفخّ» ليس جديداً، إذ سبق لدي ميستورا أن أعلن عنه قبل أشهر، وتحديداً حينما أطبق الجيش السوري وحلفاؤه الحصار على المجموعات الإرهابية في حلب الشرقية، ويومها أبدى دي ميستورا استعداده لمرافقة مئات الإرهابيين لتأمين خروجهم من شرق حلب، وقد استفاض وقتذاك بالحديث عن «رواندا» جديدة قد تحصل في تلك المنطقة!

مع وضع المقترح الأممي مجدّداً قيد التداول، يظهر أنّ الدول المنخرطة في الحرب ضدّ سورية تمارس ضغطاً على المنظمة الدولية، بهدف تأمين كلّ أشكال المؤازرة للمجموعات الإرهابية في شرق حلب، وذلك على خلفية إتمام الجيش السوري وحلفائه كلّ الاستعدادات للحسم، وتأمين السلامة لمن تبقّى من المدنيين في هذه المنطقة.

الأمم المتحدة التي غابت كلياً عن السمع أثناء قيام المجموعات الإرهابية باستخدام الغازات السامة في قصفها المناطق والمدنيين، وتجاهلت تقارير روسية عن هذا الأمر الخطير، تعود لطرح الإدارة الذاتية في شرق حلب، مع إدراكها أنّ هذا الطرح لن يلقى آذاناً سورية صاغية، بل سيواجه بالرفض.

وعليه، فإنّ السؤال، إلى ماذا ترمي المنظمة الدولية؟

العارفون بطبيعة العمل الوظيفي الذي تمارسه الأمم المتحدة، والمتابعون لسلوك مبعوثها إلى سورية ستيفان دي ميستورا، يجزمون أنّ ما تقوم به هذه المنظمة، هو محاولة لإرساء معادلة أممية تقوم محلّ معادلة التفاهمات الروسية ـ الأميركية التي تمخّضت عنها هدنٌ متتالية، شكلت ضالة للمجموعات الإرهابية التي استفادت منها لتجميع قواها وتنفيذ هجمات إرهابية عديدة.

وتحاول الأمم المتحدة من خلال هذا الدور، أن تظهر بمظهر المنظمة التي يمكن أنّ تملأ مرحلة انشغال الولايات المتحدة الأميركية في صوغ ترتيباتها الداخلية بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً، وتسعى من وراء ذلك، إلى رسم نسق استباقي لما يجب أن تكون عليه السياسات الأميركية تجاه سورية، واضعة نفسها في موضع «لوبيات ومجموعات الضغط» التي تخشى أن يطرأ على الموقف الأميركي جديد بعد مجيء ترامب، الذي أعلن أولوية محاربة الإرهاب والتعاون مع روسيا الاتحادية…

والمفارقة أنّ دي ميستورا، يبدو مقتنعاً بأنّ الأمم المتحدة يمكن لها أن تملأ الفراغ في ظلّ شبه الغياب الأميركي، متناسياً أنّ أدوار هذه المنظمة في القضايا الدولية والإقليمية هي أدوار متمّمة للدور الأميركي، ولا تستطيع أن تتخذ قراراً واحداً إذا لم يكن الأميركي على رأس هذا القرار.

على أية حال، وفي ظلّ انتظار الخط البياني للسياسة الأميركية تجاه الأوضاع في سورية، فإنّ واشنطن ليست غائبة عسكرياً، فهي تدعم بقوة عدداً من المجموعات المسلحة تحت عنوان طرد «داعش» من الرقة، وذلك بعدما جعلت تركيا تتناغم معها في هذا الصدد، من خلال التسليم لها باستمرار دعم مجموعات متطرفة أخرى، للسيطرة على مساحات سوريّة واسعة، بما في ذلك منطقة الباب، علماً أنّ أيّ سيطرة لتركيا على هذه المنطقة عبر المجموعات التي تدعمها، سيكون له تداعيات كبيرة.

وعليه، وفي ظلّ التطورات السياسية والميدانية على أكثر من صعيد، وفي ظلّ القرار السوري بالحسم مدعوماً من الحلفاء، فإنّ مقترح دي ميستورا لا يعدو كونه فقّاعة، يزيد فراغ الأمم المتحدة فراغاً.

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى