عقدة الحكومة: تقديس الرقم «24»… لماذا؟

روزانا رمّال

تؤكد مصادر سياسية بارزة متابعة تشكيلة الحكومة لـ«البناء» على انّ المسألة لا تزال في مربعها الاول، فالامر متوقف حتى اللحظة على عقدة الشكل قبل المضمون. فمسألة حسم عدد الوزراء في الحكومة بين 24 و30 وزيراً لم تحسم على انّ الرئيس المكلف سعد الحريري يجهد لتسويق تمرير التشكيلة بـ 24 وزيراً على انها الحلّ «الامثل» في وقت يعاني الرئيس الحريري من مسألة إقناع المعترضين بالعدد اولاً، وبالقدرة على إيجاد صيغة مرضية لجميع الأطراف بالحكومة المؤلفة من 24 وزيراً، فإذاً لماذا التسمك بهذه الدائرة الضيقة من المخارج في وقت يمكن للحريري اللجوء إلى خيار حكومة الثلاثين 30 وزيراً من دون أن تتأخر ولادتها.

وتتساءل المصادر: «لماذا يتمسك الحريري بالعدد، علماً انّ مقتضيات الحاجة هي التي تقرّر عدد الوزراء عادة في تركيب الحكومات؟ وهو ما يؤكد انّ المعضلة ليست تمثيل «القومي» او «المردة»، بل هي عقدة «قانون الانتخاب»، وهو الامر الذي يقلق تيار المستقبل والقوات اللبنانية أكثر من ايّ فريق سيتمثل بالحكومة، وعلى انّ المهمة الأولى أمام الحكومة العتيدة هي «إقرار قانون للانتخاب» والإشراف على الانتخابات، فإنّ هذا يعني الحاجة الى ثلثي أصوات الوزراء للتصويت على قانون انتخاب جديد. وفي هذه الحالة يصعب على الحريري تقبّل السير بحكومة من 30 وزيراً لأنها كفيلة بتأمين أصوات 20 وزيراً أيّ الثلثين بدون اصوات المستقبل والقوات، وهنا فإنّ تمرير قانون النسبية مثلاً يصبح امراً واقعاً يسير فيه التيار الوطني الحر الذي ينادي بالنسبية منذ فترة اذا تمّ الاتفاق عليه، فيبطل العمل بقانون الستين حكماً، وهو ما يجهد الحريري للإبقاء عليه بعاملين أساسيين الأول التمسك بعقدة تمثيل «القومي» و»المرده» كتغطية للسبب الاساسي، فيتمسك بحكومة من 24 وزيراً يمكنه على أساسها استبعادهما كمكوّنين يضيفان صوتيهما بشكل مضمون لإقرار القانون الجديد بدلاً من استعصائه بحالة الحكومة من 24 وزيراً، حيث يصبح ثلثا عدد الاصوات يعني الحاجة لأصوات 16 وزيراً، والثاني استنفاد الوقت الكفيل قانونياً بانتاج قانون جديد واعتماد قانون للانتخابات والسير فيه بالمهل القانونية والدستورية فينفد الوقت ويضطر الجميع الى الامتثال للامر الواقع والمضيّ بقانون الستين الذي هو ساري المفعول بطبيعة الحال، فيصبح افضل الممكن بدلاً من تمديد آخر، وهكذا يضطر التيار الوطني الحر للسير أيضاً بالانتخابات على اساسه.

يحتاج الحريري والقوات معاً، حسب المصادر ضمان بعض المناطق، حيث الحضور المختلط مثل عكار وزحلة والشوف ودائرة بيروت الأولى، وهذا غير ممكن بدون تحالف القوات والمستقبل في قانون الستين.

وعلى انّ الاولوية للعدد بالنسبة للمهتمّين بانتصار سياسي وانتخابي، حيث من المفترض أن لا يكون هو الهدف، يصبح السؤال الأبرز عن مفهوم الوحدة الوطنية وحكومة الوحدة الوطنية بتجرّد، فماذا تعني «الوحدة الوطنية» إذا لم تكن تعني إشراك الخصوم بالحكم؟

ترجح أجواء مقربة من حزب الله لـ«البناء» انه بالنسبة للحزب فالاولوية هي لحكومة وحدة وطنية، فالعدد ليس «مقدساً» والوحدة الوطنية تعني جمع أكبر قدر ممكن من الأفرقاء على طاولة مجلس الوزراء، فيصبح الإنجاز وطنياً بامتياز، والا فإنّ استبعاد أيّ طرف يعني التنصّل من عنوان عريض لمرحلة وفاق ووحدة أنتج على أساسها وصول العماد ميشال عون لقصر بعبدا ومعها تسمية للرئيس سعد الحريري بأكثرية مطلقة، بالتالي لا يجب أن تكون الترجمة مخالفة لتطلعات جامعة تستجلب المعترضين على الحكم قبل المصفقين له من أجل تأمين اكبر مظلة دعم له وتذليل عقبات قد تستجدّ إذا كبرت المعارضة بوجهه.

ووسط كلّ هذا ربما يأتي تصريح لافت لوزير الداخلية نهاد المشنوق بما يمثله، كأحد أبرز صقور تيار المستقبل، ليؤكد الحديث عن أنّ مسألة التعطيل لم تعد تتعلق بعقد حقائب ولا تتوقف عند مسألة فيتوات موضوعة من هنا وهناك تسقط جميعها في لحظة تحوّل سياسي، وهو قوله «إن وزارة الداخلية جاهزة الآن للقيام بالانتخابات حسب قانون الستين وأي قانون آخر هي بحاجة لوقت للتحضير له».

يقطع المشنوق الطريق على مساعي التحضير لايّ قانون انتخابي جديد ويعطي ضوءاً أخضر من الحريري تؤكد نيات التسويق لفكرة الإبقاء على قانون الانتخاب القديم، وفي هذا الكلام تأكيد على مخاوف الحريري من نتيجة انتخابات على أساس القانون النسبي والتي ربما تعيد الى حساباته ما أخذته اليه بعض الشخصيات التي انشقت عن تياره كالوزير اشرف ريفي بعد امتحان الانتخابات البلدية الخطير ومن بعض ممن تستهويهم لعبة السلطة التي أصبحت مادة دسمة في شارعه، خصوصاً إثر سقوط مجمل رهانات الحريري في سورية وتحجيمه مادياً ومخاطرته بأخذ شارعه الى مكان مجهول ظهر في خانة «اللاعودة» إضافة الى انّ شارع الحريري الذي لم يستفق من صدمة وصول العماد عون لسدة الرئاسة بعد، هو شارع «غير مضمون» بالنسبة له، ما يضطره الى الإيحاء بانّ العقد ليست انتخابية بل تتعلق بالتسميات والتشكيلات فقط، بينما هو منهمك بإعداد بيته الداخلي بين انتخابات داخل تيار المستقبل وتصحيح صورته شعبياً…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى