المساعي الحكومية الجدية بدأت مع نهاية شهر استيعاب الخلاف الرئاسي جمع الحكومة وقانون مختلط نسبي وأكثري يدمج المشروعين على النار

كتب المحرر السياسي

في المشهد الإقليمي نهاية الشهر الحلبي هي محور الحركة السياسية والدبلوماسية حيث يرفع الأتراك صوتهم العدائي لسورية لجمع قوى المعارضة المصابة بالنكبة الحلبية، ولمّ شملها في مفاوضات ستنطلق بسقوف منخفضة عنوانها ما قاله المبعوث الأممي صاحب وصفة هيئة الحكم الانتقالي سابقاً، عن سقف حكومة موحدة في ظلّ الرئيس السوري بشار الأسد، بعدما قالت حلب الكلمة الفصل وبقي زمن يستثمر لتحضير ما بعد حلب، بينما تستعدّ المدينة العريقة للاحتفال بنصرها.

لا مانع لدى موسكو وفقاً للمراقبين الروس بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لتركيا، من تولي أنقرة دور عراب المعارضة وجمع شتاتها تمهيداً للاستسلام العسكري إذا بقي وقت لذلك، ومواكبته في السياسة نحو جنيف بالسقف الجديد عندما يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وفقاً للمسارات التي يرسمها الجيش السوري في الميدان تباعاً.

الاستعدادات الروسية الأميركية لملاقاة اللحظات الفاصلة بدأت عبر إعادة التذكير بالتفاهم الروسي الأميركي والمعوقات التي منعت تطبيقه ووصفها الروس بلسان الوزير لافروف بالفشل في الفصل بين المعارضة وجبهة النصرة، واكتفى نظيره الأميركي جون كيري قبيل لقائهما في روما، بالحديث عن الوضع الإنساني الصعب في حلب والحاجة لتسريع المساعي السياسية، ووفقاً للمصادر المتابعة التي وصلتها بعض الأجواء عن التحضير للقاء الوزيرين أنه تمّ التفاهم على مواكبة حثيثة للوضع الميداني ومدى نضج ظروف الذهاب نحو جولة جديدة من المفاوضات السورية السورية، وضمن معادلات العودة لتفاهم جنيف بين موسكو واشنطن، بعدما طلب الوزيران من الخبراء العودة للبحث بالخيارات.

بالتوازي مع نضج الملف السوري ميدانياً رغم الإنكار السياسي المتواصل من رموز المعارضة الموزعة بين أنقرة والرياض، بقي الملف اليمني عالقاً بين حاجة سعودية للنزول عن شجرة التصعيد، والتمسك بحلفاء لا يبقى لها شيء بدونهم، وارتياحها لما فتحه التفاهم النفطي مع طهران وموسكو من أبواب مشرعة للتهدئة الإقليمية.

لبنانياً يواصل المشهد الحكومي تعقيداته، ومراوحته مكانه بدون تبلور مساع جدية نحو الحلحة، لكن مصادر واسعة الإطلاع قالت لـ«البناء» إنّ الشهر الأول من العهد والتكليف برئاسة الحكومة بعد سنيتن من المواجهات القاسية كان ضرورياً ليخرج كلّ فريق ما لديه، لتهدأ الأمواج ويبدأ البحث في رمالها عن المفيد الذي يبنى عليه، ولذلك يمكن القول إنّ العمل الجدي يبدأ اليوم لتشكيل الحكومة، ووضعت المصادر الاجتماع الذي ضمّ رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل ومسؤول التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا في خانة التمهيد لجولات عمل حكومية يشتغل عليها مكوك الاتصالات المتعدّد الرؤوس الذي يضمّ إلى باسيل وصفا المعاونين السياسيين للرئيسين نبيه بري وسعد الحريري وزير المالية علي حسن خليل ونادر الحريري، وهي جولات لم تبدأ ولم تتبلور تفاصيلها بعد، رغم محدودية العقد التي يجب الاشتغال على معالجتها لتبصر الحكومة النور، وفي طليعتها تمثيل تيار المرده بحقيبة وازنة.

وفقاً للمصادر ذاتها يبدو السير بالجمع بين الحكومة وقانون جديد للانتخابات يتقدّم على فرضية قانون الستين عبر بوابة القانون المختلط بين الأكثري والنسبي الذي تتقابل فيه نسختان، واحدة يتبناها رئيس المجلس النيابي وثانية تعرف بثلاثية تحالف القوات اللبنانية وتيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي، يستدعي الدمج بين الصيغتين ساعات عمل بين أطراف المكوك التواصلي الرباعي لبلورتها، ومواكبتها لحلحلة حكومية ليكون الحلّ المرتقب قبيل الأعياد.

لبنان نافذة لتركيا المحاصرة

على رغم شعار التهنئة لرئيس الجمهورية ميشال عون الذي حملته زيارة وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو الى لبنان، لكن منطق الحسابات والمصالح التركية على مستوى المنطقة يتجاوز العنوان الشكلي الى أهدافٍ ومرامٍ أخرى، فتركيا اليوم ليست نفسها طوال سنين الأزمة السورية لا سيما العام الأخير منها حيث وقف جيشها على الحدود الشمالية لسورية مهدّداً متوعّداً باحتلال مدينة حلب التي تعود اليوم الى حضن الدولة السورية وبإقامة المنطقة العازلة قبل الدخول الروسي العسكري على خط الحرب السورية الذي خلط الأوراق وبدّل المعطيات لصالح محور المقاومة الذي أحبط بصموده الرهانات وأسقط المشاريع فضلاً عن محاولة الإنقلاب الداخلي الذي كاد يطيح بنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أما اليوم تعيش تركيا اهتزازاً في مجتمعها السياسي وأزمات مع الدول المجاورة وتهديدات اقتصادية وأمنية نتيجة سياساتها الداعمة للإرهاب وتتعرّض لضغوط روسية – إيرانية تحاصرها من كلّ حدبٍ وصوب للجم دورها السلبي في سورية دفعتها للتراجع عن دعواتها المتواصلة لإسقاط الرئيس بشار الأسد، فوجدت الساحة اللبنانية نافذة لإظهار أنها لا تزال موجودة في المعادلة السورية بقوة ولها حلفاء من العرب وفي لبنان عبر علاقات وصداقات مع تيارات وأحزاب وشخصيات سياسية واقتصادية.

تحاول أنقرة عبر علاقاتها السياسية مع أطراف محلية الى حجز موقع لها في العهد الجديد، غير أنّ التنافس التركي السعودي في المنطقة رغم عدائهما المشترك لسورية سيحول دون توسع هذا الدور، فالمملكة التي ترزح تحت وطأة أزماتها في المنطقة ستعمل على تقليص دور أنقرة.

تصويب أوغلو على دمشق

وأبدت مصادر مراقبة للحركة التركية في المنطقة استغرابها لتصويب الوزير التركي في مؤتمره الصحافي من وزارة الخارجية ضدّ الرئيس الأسد بشكلٍ قاسٍ ولافت»، مشيرة لـ«البناء» الى «محاولات تركيا لتحويل لبنان الى منصة للتهجم على سورية».

واعتبرت المصادر أنّ زيارة رأس الدبلوماسية التركية سياسية بامتياز ولا تحمل نوايا إيجابية لكن حجم الدور التركي في العهد الجديد يتوقف على السياسة الخارجية التي سيتبعها لبنان تجاه القضايا الاقليمية لا سيما الأزمة السورية».

ومن دون أن يظهر كأنه يردّ على نظيره التركي، قال باسيل ردا على سؤال: «إنّ الشعب السوري هو من يقرّر نظامه ومستقبله مصيره، وعلينا أن نحترم خياره لكن يجب أن نتأكد من وحدة الأراضي السورية وسلامتها وحريتها. كما أنه يجب ان يبقى النظام علمانياً يجمع مختلف الأديان لكي تتمكن بالتعبير عن رأيها».

وكان الوزير التركي قد بدأ زيارته من بعبدا حيث أبدى استعداد بلاده لمساعدة لبنان في المشاريع الانمائية، خصوصاً تلك التي تتعلق بالاهتمام بأوضاع النازحين، وشدد من عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري على أهمية الحوار داخل البرلمان وعلى مستوى الشعب، كما عرض مع رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام الاوضاع العامة، ومع الرئيس المكلف سعد الحريري أموراً سياسية، وأشاد في مؤتمرٍ صحافي مشترك مع وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في قصر بسترس بالدور الذي يلعبه اللبنانيون في استقبال المزيد من المهاجرين واللاجئين الهاربين من الحرب والعنف في سورية، داعياً الى تشاطر هذا العبء في ظل نزوح أكثر من مليون شخص الى لبنان».

أما المسؤول الالماني الذي وصل الى بيروت أمس للتهنئة، وصف من قصر بعبدا العلاقات اللبنانية- الالمانية بالـ «ممتازة، لان البلدين يتقاسمان العديد من القيم نفسها ويعملان سوياً من أجل السلام في منطقة الشرق الاوسط من خلال اعتماد الحلول السياسية العادلة». ومن قصر بسترس حيث عُقد لقاء ثلاثي ضمّ الى شتاينماير باسيل وأوغلو، أعلن الوزير الالماني «مواصلة دعم بلاده للبنان بمساهمة قدرها 10 ملايين يورو لمواجهة أزمة النازحين».

وفي سياق ذلك، وصل مساء أمس رئيس الدبلوماسية الكندية ستيفان ديون الى بيروت على رأس وفد نيابي على أن يبدأ جولته على المسؤولين ومخيمات النزوح السوري الاثنين المقبل، ومن المتوقع أن يزور بيروت ايضاً وزير خارجية فرنسا جان مارك أيرولت.

الحكومة معلقة على حقيبة المرده

وفي ظلّ الحراك الدبلوماسي الكثيف باتجاه لبنان، لا جديد بانتظار نتيجة الاتصالات التي انطلقت مع عودة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى بيروت يوم أمس لتذليل آخر عقد التشكيلة الحكومية المعلقة على نوعية الحقيبة التي سينالها تيار المرده. وأكدت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» أنّ «الحكومة ستتشكل قريباً»، مشيرة الى حرص الرئيس عون على تمثيل كل الأطراف كما يستحقون بحجم تمثيلهم النيابي لا سيما أنه أكد على حكومة الوحدة الوطنية في خطاب القسم»، وأوضحت أن «العقدة موجودة بين الرئيسين بري والحريري ولا تزال عصية على الحل، فالرئيس بري لا يريد حلحلة الوضع إلا برضى الوزير سليمان فرنجية المصر على حقيبة من ثلاث هي الطاقة والاتصالات والاشغال ومن الصعب أن يحصل على أي منها».

وأشارت المصادر العونية الى أن «الحصة المسيحية ستقسم بالتساوي بين القوى المسيحية، ولن تنال القوات حصة أحد، إذا أن التيار سيحصل على 3 وزراء والقوات على 3 ورئيس الجمهورية وزير مسيحي واحد ويضاف إليه وزيرين واحد شيعي والآخر سني مقابل أن يأخذ الثنائي الشيعي وزيراً مسيحياً ورئيس الحكومة المكلف وزيراً مسيحياً وبذلك يصبح عدد الوزراء 9 ويبقى 3 وزراء مسيحيين يوزعون بين الوزير ميشال فرعون والقوى السياسية الأخرى».

ورداً على سؤال حول اللقاء بين باسيل والحاج وفيق صفا، أشارت المصادر الى أن «العلاقات بين حزب الله والتيار جيدة جداً ولن يستطيع أحد دق إسفين بيننا وبين حزب الله والعلاقة وجودية ونقدر وجود حزب الله وجهوده في إيصال الرئيس عون الى سدة رئاسة الجمهورية ونتفهم في الوقت نفسه حرصه على العلاقة مع الرئيس بري وعلى أن مصلحة المقاومة فوق كل اعتبار».

ووجه الرئيس عون أمس عبر بيان لمكتبه الاعلامي دعوة أبوية الى «أي مسؤول أو سياسي للاجتماع به في القصر الجمهوري كي يودع هواجسه لدى فخامته المؤتمن على الدستور وعلى تحقيق عدالة التمثيل في السلطات الدستورية، كما على حسن عملها وفقاً لأحكام جوهر الدستور ونصه طالما انّ الغاية هي المصلحة الوطنية العليا».

وأكدت مصادر «المرده» لـ«البناء» أنّ هذه الدعوة لا تكفي بل على رئيس الجمهورية أن يوجه دعوة شخصية للمرده الى بعبدا للحوار معنا، أما غير ذلك فنعتبر أننا غير معنيين بأيّ دعوة»، وكشفت أنّ «عرضاً تلقته المرده من الحريري يتضمّن إسناد التربية أو الصحة لها مقابل الوزارات الثلاثة التي تطالب بها، ما لاقى رفضاً قاطعاً من المرده»، وأوضحت المصادر أنّ «الوزير فرنجية منذ بداية التأليف طالب بواحدة من حقائب ثلاث وهي الاتصالات أو الطاقة أو الأشغال للمشاركة في الحكومة، وهذا حقنا ولن نشارك إذا لم ننل أيّ منها وإلا فليشكلوا حكومة من دوننا رغم أنهم لا يستطيعون لأنّ ذلك سيسبّب أزمة وطنية وميثاقية وسياسية»، وأشارت الى أنّ «فرنجية تنازل عدة مرات يوم كانت العلاقة جيدة مع الرئيس عون لكن بعد أن ساءت العلاقة اليوم فهو غير مستعدّ للتنازل».

وإذ استغربت المصادر محاولات التيار الوطني الحر لعرقلة إسناد حقيبة أساسية للمرده أكدت أنّ «الكرة في ملعب الرئيسين عون والحريري المعنين بتشكيل الحكومة، وشدّدت على الاتفاق مع الرئيس بري حول الأشغال وأنه عندما تحسم لصالح حركة أمل نحلّ الأمر في ما بيننا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى