سعيد تقي الدين

فادي عبّود

لم يُظلم أحد بإنكار إرثه، كما ظُلم المفكر والأديب سعيد تقي الدين. فهناك شبه تغييب لأعماله العظيمة وشبه تغييب لاسمه بالرغم من أفكاره التقدمية والتنويرية التي عالجت في الخمسينيات والستينيات أموراً مختصة بالمجتمع وبالعقيدة، والتي عبّر عنها بالكلمة الساخرة وبالأسلوب السهل الممتنع وقد تكون أعماله من أفضل ما كتب بهذا الأسلوب.

هذا المفكر الذي بذل الكثير من صحته وماله وحياته من أجل قضية آمن بها، وافتقد الوفاء في حياته كما في مماته. والمبدع الذي قدّم الكثير من العمل الجميل ولم يقابل إلا بالكثير من الصمت.

لقد ابتدع سعيد تقي الدين العديد من الأفكار المستقاة من الحياة الواقعية، مثل «الرأي العام بغل»، الزحفطونية، ما أفصح القحباء… ومن أقواله: «إذا أردت أن تقتل شخصاً ما، فلا تطلق عليه رصاصة بل أطلق عليه إشاعة».

إرث سعيد تقي الدين كبير ومتنوّع من الفلسفة والمسرح إلى الاجتماع والسياسة والقومية والنضال والعقائدية، ولعلّ أجمل ما كتبه وصفاً لانطون سعاده: «لم يعِد تلامذته بالمغانم، بل علّمهم ان يتغذّوا بالجوع من معجن الاضطهاد، لذلك لم يهرع إليه إلا الشريف المعطاء».

لم يبذل أحد في النضال القومي كما بذل سعيد تقي الدين وهذه من الأسباب التي أدّت الى تغييبه عن الساحة الأدبية والثقافية في لبنان، فالنضال القومي كلّفه ماله وحياته إلا أنه لم يتزعزع وهو القائل: «لو أنه قيل لي أيّ عمل في حياتك أنت أشدّ فخراً به من أيّ عمل سواه، لأعلنت فوراً من غير مفاضلة بين عمل وعمل، أنّ مفخرتي في الحياة هي أنني أحد العاملين في النهضة القومية الاجتماعية».

وترك تقي الدين إرثاً ثقافياً وفلسفياً كبيراً ومن أجمل ما كتبه: «قد أكون في الحقيقة غير كافر لأنني أؤمن بالحياة بخيرها، بعظمتها وعدلها».

من غير الجائز أن يبقى سعيد تقي الدين في الظلمة، عقاباً له على مسيرته النضالية في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهذا واقع اليوم شئنا أم أبينا، من تغييب اسمه من المناهج الدراسية، حتى في المواقع الأدبية التي تضمّ أسماء الأدباء الكبار لا يؤتى على ذكر سعيد تقي الدين إلا نادراً.

فاين نحن من مسرحيات سعيد تقي الدين؟ ولماذا عدم تجسيدها على المسارح؟ حيث يتفق الجميع على أنّ سعيد تقي الدين لم يأخذ حقّه النقدي كرائد في القصة والمسرح، أين نحن من الطبعات الجديدة لكتاباته؟ فلولا الجهد الذي قام به جان دايه وفاء للمناضل، لكانت معظم كتاباته في طور النسيان.

لقد تطرّق سعيد تقي الدين إلى الدور المدني للمواطن، وواجبات المواطن في الدفاع عن وطنه والتصدي للأخطار، ولذلك أسّس عام 1954، لجنة «كلّ مواطن خفير» لمكافحة النشاط الصهيوني في لبنان. وكانت غاية التحرك استقاء المعلومات لأيّ نشاطات تتعلق بالكيان الصهيوني في لبنان.

ويكون بذلك أسّس دوراً رائداً للمواطن الحقيقي، وهذا الدور يجب أولاً أن يتمّ تدريسه في مادة التربية الوطنية عبر إشراك المواطن في عملية الدفاع والتأسيس والحماية.

علماً أنّ أخطار العدو الصهيوني لم تتبدّل، ولكن اليوم هناك ما يهدّد بقاء الأمة أكثر من العدو الظاهر، إنه العدو الصامت والذي يتمثل بالفوضى وانعدام القيم المجتمعية وتفشي الفساد وتقديس الفاسد والاستخفاف بالآدمي، والخوف من المتسلّط والاستهتار بالذي يلتزم القوانين.

قد يكون من أفضل الطرق لإبقاء ذكر سعيد تقي الدين متقداً هو التشبّتت بروحية «كلّ مواطن خفير» وتعميمها والترويج لها، عبر حث المواطنين بأن يكونوا شركاء فعليين لتوجيه اصبع الاتهام إلى كلّ مخالف ومتجاوز وفاسد ومستهتر، وهؤلاء تعجّ بهم طرقات لبنان وإداراته ومؤسساته.

لنستذكر ما قاله سعيد تقي الدين: «إذا أردت أن تقتل شخصاً ما، فلا تطلق عليه رصاصة بل أطلق عليه إشاعة». وهو قال ذلك قبل انتشار عصر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على أنواعها وأشكالها. فكيف إذا لم يكن الخبر إشاعة وكيف اذا كان موثقاً بالصورة والمعلومات؟ ألن يساهم ذلك في إخافة المتسلّطين والفاسدين؟ ألن تشكل هذه الأداة سلاحاً أقوى من الرصاصة لإطلاق النار على آفة الفساد.

التاريخ لن يذكر النيات والأهمّ الأهمّ لن يذكر النق والعويل بتاتاً، فبدل البكاء على الأطلال يجب أقله إبراز مكامن الخلل.

فلنطلق هذه الحملة المتجدّدة، عبر صفحات التواصـل الاجتمـاعـي، وليتحوّل كلّ مواطن إلى خفير.

ملاحظة: تمّ إطلاق صفحة «كل مواطن خفير» على موقع الفايسبوك حيث يشارك كلّ مواطن بفضح المخالفات على أشكالها من الطرقات إلى الإدارات والمؤسسات، نتمنّى التفاعل معها .

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى