هذا ما حمله وزيرا خارجية كندا وألمانيا إلى لبنان

روزانا رمّال

ثلاث زيارات لوزراء خارجية دول بارزة إلى لبنان في غضون أيام، وزير الخارجية الكندي ستيفان ديون، وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير ووزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو، في وقت لم تتشكل بعد الحكومة اللبنانية التي تتعرّض للمزيد من التعقيد يوماً بعد الآخر بحسابات محلية، لكن من دون أن يعني هذا غياب العنصر الدولي المؤثر.

زيارات من العيار الثقيل كلها توجهت نحو قصر بعبدا تحمل في جعبتها الكثير مما يدعو للقلق على تحديات كبرى وضعت بوجه العهد، فبحسب مصادر سياسية رفيعة مطلعة على أجواء زيارة وزير الخارجية الكندي ستيفان ديون الى بيروت لـ»البناء» فإنّ محورها يصبّ عند ما سمّي «إغراء» او عروض قدّمت للرئيس عون ووزير الخارجية جبران باسيل تتعلّق بمصير اللاجئين السوريين في لبنان، فعلى ما يبدو فإنّ كندا قلقة جداً لمصيرهم بعدما أظهرت عمليات الجيش السوري تقدّماً بارزاً على جبهة حلب، فجاء الوزير الكندي حسب المصدر ليؤكد على الآتي:

تعارض كندا مشروع إعادة النازحين السوريين الى بلادهم قبل انتهاء الحرب فيها أو قبل حصول التسوية السياسية، في الوقت الذي كان فيه موقف الرئيس العماد ميشال عون واضحاً وجازماً أمام الموفد الكندي الذي يتمحور حول السعي لإعادة النازحين الى مناطق آمنة، بالاتفاق مع النظام السوري، ضمن مناطق تخلصت من الإرهاب وأصبحت صالحة للسكن، وهي أراضٍ كبيرة وواسعة في سورية، لأنّ لبنان حسب موقف الرئيس المعروف الذي كرّره لا يمكن أن يتحمّل مثل هذه الأعباء لفترة طويلة.

يضيف المصدر لـ «البناء»: لقد عارض الوزير الكندي موقف الرئيس عون ووزير الخارجية وطرح عرضاً يشمل «لمّ شمل العائلات التي هاجرت من سورية الى لبنان في مقابل طرح لمّ شمل العائلات اللبنانية إلى كندا، أيّ بمعنى آخر تسهيل ذهاب اللبنانيين إلى كندا مقابل تسهيل عودة السوريين من كندا إلى سورية، وكأنّ كندا مهتمّة باحتضان لبنانيين مقابل تجاوب الدولة اللبنانية مع كلّ ما يلزم من أجل إيجاد تطبيع مع حالة النزوح وتأمين تداخل مع المجتمع اللبناني.

أما في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره اللبناني جبران باسيل، فلفت ديون الى انّ «انتشارنا في المنطقة سيكون بغية مساعدة لبنان، وهي مسألة رئيسية بالنسبة لنا»، معتبراً انّ «الحلّ بالنسبة للأزمة السورية هو ان يتوفر الأمن والاستقرار في سورية كي يتمكن السوريون من العودة الى منازلهم، وسنساعد لبنان على استيعاب النازحين، وأنّ كندا ستعزز وتقوّي علاقتها مع لبنان، ونأمل أن تتشكل الحكومة العتيدة بسرعة.

كلام الوزير الكندي واضح، فكندا مستعدّة لتقديم كل ما هو مطلوب حكومياً ومالياً من أجل تجاوب لبناني في مسألة النزوح السوري، لكن بمقابله ايضاً كلام ثابت لوزير الخارجية جبران باسيل يقول فيه حول مسألة توقيت عودة النازحين أنّ «الحلّ يبدأ بالمباشرة بإعادة النازحين الى المناطق الآمنة والمستقرة في سورية من دون» انتظار» انتهاء الحرب او التسوية السياسية، فعودة اللاجئين السوريين لا يجب أن تكون فقط مؤشراً للسلام ونهاية الحرب عندما تحصل، عودتهم تساهم في صناعة هذا السلام منذ الآن».

اما بالنسبة لوزير خارجية المانيا وهو المرشح الوسطي في بلاده لرئاستها فرانك فالتر شتاينماير، فبحسب المصادر نفسها لـ»البناء» فإنّ فحوى الزيارة تتمحور بالتالي وهو عرض من نوع آخر يتمثل باستعداد المانيا لتوفير دعم للبحرية اللبنانية «لسلاح البحر» إضافة الى دفع 235 مليون يورو في إطار مشاريع تؤدّي الى توظيف سوريين في لبنان بمشاريع تموّل من قبل المانيا، وبين الزيارة الكندية والزيارة الألمانية قلق كبير حول مستقبل العهد ومصير البلاد في ظلّ عدم تشكيل حكومة حتى الساعة، وهي ما قرئت على أنها محاولات تهدف الى وضع الرئيس ميشال عون أمام ضغط مسألة النزوح وتعاونه بمقابل إنجاح عهده وتسهيل انطلاقته في حال التجاوب مع العروض المطروحة والزيارات المتتالية، ولا تبدو بطبيعة الحال هذه الزيارات منفصلة عن بعضها البعض، فهي تصبّ في خانة واحدة تشرح كلها هواجس الغرب من انتقال الإرهاب الى اوروبا بعد تسللهم من حلب وهروبهم منها. وبالتالي فإنّ مسألة دعم سلاح البحر للجيش اللبناني مرتبطة بملفات الهجرة غير الشرعية من جهة البحر المتوسط وهو الأمر نفسه الذي تعيشه كندا بين هواجس انتقال الإرهاب اليها بمسميات هجرة ولجوء سياسي.

توريط لبنان بتداعيات الحرب السورية بأقلّ الأكلاف غربياً يبدو هدفاً محسوباً لا يزال يلوح في أفق المخارج التي طرحت مسبقاً في الأمم المتحدة لدى الحديث عن بنود طرحت وتتضمّن تأمين بيئة حاضنة للسوريين وسياسات دمج اجتماعي في البلاد. وهو الأمر الذي يرفضه اللبنانيون بشكل قاطع لما في ذلك من مخاوف توطين وتغيير ديمغرافي مع مرور السنوات، مع العلم انّ الوزيرين الضيفين لم يحملا كلاماً حول توطين في هذه المرحلة مكتفيين بمسألة «الاندماج».

اختبار شديد الدقة يعيشه الرئيس عون اليوم في الملف الأكثر حساسية وتعقيداً، حيث يقع على عاتقه على ما يبدو التصدي لمغريات تطرح في أول ايام عهده وكأنها محاولات لإرسال رسائل تعقيد واردة لإقلاع مسيرة العهد في حالة عدم التجاوب مع موقف ثابت للرئيس عون من مسألة النزوح وهو ما يكرّره أمام ضيوفه دائماً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى