العمالة صورة وصوت… «إذا لم تستحِ فافعل ما تشاء»

اياد موصللي

في كلّ أمّة هنالك عملاء، وفي التاريخ مرّت أسماء كثيرة لعملاء بدءاً من يوضاس الذي خان المسيح وباعه بالفضة… إلى أولئك الذين خانوا سعاده وقتلوه غدراً من حكام ذلك الزمان… وليس انتهاء بهذه المجموعة التي رسمت لنفسها صورة لم تستطع كلّ القوى التي تتستّر خلفها أن تعطّرها وتبدّد نتانتها، وأعني بها الحثالة الشامية التي تصف تصرفاتها بالمعارضة الباحثة عن الحرية والسيادة، فلم تكتفِ بتدمير بلادها واستقدام العملاء والمرتزقة ليقتلوا ويهدّموا ويدنّسوا المعابد والمقدّسات، ويزيلوا معالم تاريخ صنعته أمة حيّة أبت أن تندثر في زوايا النسيان، فكانت الحضارة في العالم واحدة من إنتاجاتها… هذه المجموعة تبرّجت وتزيّنت بالخيانة دون خجل أو حياء، وظهر مَن يتكلّم باسمها ناطقاً رسمياً، ويُدعى المصري، نادى «إسرائيل» لنجدته ودعمه ضدّ حكومته وشعب بلاده.

ذكّرني هذا العميل بموقف مماثل، فهؤلاء يتنكّرون ويتكرّرون في مراحل التاريخ. ففي العام 2005 بثت قناة «الجزيرة» مقابلة مع مَن سمّى نفسه «زعيم» المعارضة السورية رئيس حزب الإصلاح السوري فريد الغادري الذي قال:

«كنت أقول دائماً إننا بحاجة لبني مسلم جديد، وإنني آسف لأنّ القوات الأميركية لم تزحف بعد العراق على سورية… ومن المهمّ ان يفهم الإسرائيليون أنّ المستقبل يكون مختلفاً تماماً لأنّ لإسرائيل دورها في الديمقراطية السورية».

في كلّ أمة يظهر عملاء وفي تاريخنا مرّت أسماء لعملاء بعضهم خجل عندما افتضح أمره وانكشف اسمه، فاختفى وتوارى، وبعضهم غسل عاره فانتحر ووضع حداً لخيانته، ولكنني لم أسمع أنّ عميلاً بلغت به الخيانة حدّ المجاهرة بعمالته وتبريرها كما فعل المصري وقبله الغادري وهما وجه لحثالة تجمّعت تحت ستار ما سمّي معارضة وإصلاح! هذا الأمر المرفوض في تاريخ بلادنا، حيث عرف شعبنا بالكرامات والأسماء والمواقف البطولية في مقارعة الأجنبي والمحتلّ من زنوبيا ملكة تدمر، وصلاح الدين الأيوبي، ويوسف العظمة، وابراهيم هنانو، وسلطان الأطرش، وفوزي القاوقجي، وسعيد فخر الدين، وغسان جديد، وعساف كرم. وأسماء الأبطال في بلادنا تتساوى مع أعداد سكانها فنحن ننتمي إلى أمة أبت أن يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة…

من حق كلّ مواطن في أيّ وطن أن يفكر بحرية وطنه وتقدّمه وتطوّره، ومن حقه أن يفكر بحكم صالح يحكمه، ومن حقه أن يسعى بكلّ الوسائل الشريفة الوطنية المخلصة من أجل إنقاذ وطنه مما هو فيه إذا كان الوطن يرزح تحت وطأة حكم مستبدّ قاس ظالم… ولكن ليس من حقه أن يدعو أجنبياً وعدواً إلى مساعدته في ما يريد. فهذا عار نشأنا على هدر دم مَن يدعو إليه أو ينادي به. لكن الانحطاط أتحفنا بشواذات ومفارقات عديدة وكثيرة أبرزها المجاهرة بالخيانة من دون حياء…

هذه المواقف الخيانية التي رأيناها تصدر مؤخراً مما سمّي «المعارضة السورية» المقيمة في اسطنبول وباريس، عاصمتي الاستبداد والاستعمار الأول لبلادنا. هذه المواقف أعادتني إلى مراحل العز في بلادنا، وذكّرتني بصفحة مشرقة من تاريخ البطولة والشرف، حيث اتّسمت بها سورية بكلّ كياناتها… هذا الموقف نقلني إلى العراق وإلى صفحة مشرّفة من تاريخ البطولة فيه.

كان العراقيون كغيرهم من شعوب بلادنا يرزحون تحت وطأة الاحتلال العثماني وأجهزته القمعية ومشانقه التي تأرجحت عليها جثث الأحرار… فعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى وجد العراقيون الظرف مناسباً لإعلان الثورة ضدّ الدولة العثمانية المحتلة بلادَنا، وتنادى الضباط الأحرار لتدارس الأمر وقرّروا أن يتصلوا بالانكليز لا ليطلبوا دعمهم وتأييدهم في ثورتهم ضدّ الأتراك، بل لينالوا وعداً بأنهم إذا ثاروا على الأتراك وانتصروا فإنّ الانكليز الذين يحاربون ضدّ العثمانيين لن يعارضوا الاستقلال والسيادة…

ومن أجل ذلك اتصل الضباط الأحرار بعجمي بك السعدون شيخ عشائر السعدون يستمزجون رأيه وموقفه باعتباره صديقاً وحليفاً قوياً للأتراك.

فأجابهم السعدون: «إذا كان الانكليز يتعهّدون لنا بتحقيق الاستقلال الذي سنحارب من أجل الحصول عليه، فأنا أول من ينضمّ إليكم… اما أن نحارب الأتراك العثمانيين لنستبدلهم بالانكليز فهذا أمر لا أرضى به، فأنا لا أستبدل عبودية بأخرى…».

وبعد اتصاله بالانكليز واجتماعه مع الجنرال «غورانغ» عاد السعدون غاضباً وأبلغ الضباط بما يلي: «الانكليز يرون فينا سلعة تُباع وتُشترى، فهم رفضوا إعطاءنا وعداً بالاستقلال، بل تعهّدوا بما يلي:

1 ـ الاعتراف بسيادتي على عشائر السعدون التي هي تحت لوائي…

2 ـ يدفعون لي مبلغ مئتي ألف روبية نقداً وفوراً وتخصيص راتب شهري وتزويد رجالي بالسلاح.

وقد أجبت أنني «لن أردّ على هذا العرض، لأنني سأحقر نفسي إذا فعلت…».

وقام أحد الموجودين وذكّر المجتمعين بما حصل «لمولود مخلص» الضابط العراقي الذي ذهب مع اثنين من رفاقه الضباط وطلبوا وعداً بالاستقلال مقابل ثورتهم ضدّ الأتراك. فرفض الانكليز إعطاء هذا الوعد واعتقلوه ورفاقه وأرسلوهم أسرى إلى الهند…

تذكّرت هذا ولم أنسَ أبداً أنه عندما تصبح المسألة مسألة وطن ننسى أيّ انتماء غير الانتماء الوطني، ونتوحّد في صف واحد من أجل حريتنا وسيادتنا الوطنية وسلامة أرضنا…

ما عرف تاريخنا المجيد فئة تدّعي الانتماء للوطن وتتصرّف من أجل مصالحه بالارتماء تحت أقدام عدو لعن في الدنيا والآخرة…

معارضون، ولكن بقدراتهم طالبو تجديد، لكن بمفاهيمهم هم جزء من أمتهم يطالبون بديمقراطية وتشريعات تضمن تطوّراً للحكم وتقدّماً لآلته وأجهزته وتحديثاً لمفهوم الدولة، يطالبون يساومون يناقشون يبحثون ويتباحثون مع أهلهم وأبناء وطنهم وقومهم، ولكنهم ما كانوا ولن يكونوا أبداً أدوات في يد أجنبي يمنحهم ما يطلبون، والحرية لا تُمنح ولا تُعطى بل تُبنى…

معارضون نحترمهم ونجلّهم عندما يكون شعارهم «إذا لم تكونوا أحراراً من أمة حرة فحريات الأمم عار عليكم»، وشعارهم الأساسي نحن نكون شهداء، ولكننا إنْ لم نكن كذلك فلن نكون أبداً عملاء…

ولنذكر دائماً أنّ «أزمنة مليئة بالصعاب تمرّ على الأمم الحية فلا يكون لها خلاص منها إلا بالبطولة المؤمنة المؤيدة بصحة العقيدة…».

نريد أبطالاً يصنعون الحرية مؤمنين بعقيدة صحيحة بدمقراطية حية تولد الحياة لا ديمقراطية العمالة… ديمقراطية الإيمان بأنّ مَن تقاعس عن الجهاد مهما كان شأنه فقد أخّر سير الجهاد…

نريد مؤمنين بأننا كلنا مؤمنون منّا مَن آمن بالقرآن ومنّا مَن آمن بالإنجيل ومنّا مَن آمن بالحكمة وليس لنا من عدوٍّ يقاتلنا في ديننا ووطننا إلا اليهود…

لقد شاهد أجدادنا الفتوحات والفاتحين، أما نحن فسنضع حداً للفتوحات والفاتحين… والعملاء.

وسننتصر بجيش مؤمن يحارب ليغيّر مجرى التاريخ…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى