تدمر ليست معادلة مريحة للأميركي

وليد زيتوني

توضَع العملية العسكرية التي استهدفت تدمر في خانة الهجوم المضادّ الاستراتيجي في مسرح العمليات السوري الشامل. وهو ما يؤكّد مرّة جديدة على أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي المنسّق الأساس بين غرف العمليات المتوزّعة بين أنطاليا وأربيل وموك رغم الإعلان عن موت هذه الأخيرة.

غير أنّ الحركة التي يقوم بها العدو «الإسرائيلي» بالتنسيق مع السعودية وبريطانيا، خاصة ما يتعلّق بإنشاء ما يُسمّى «جيش سورية الجديدة» ليست إلّا وجهاً مقنّعاً لداعش أو النصرة.

فهذه التنظيمات التي تحمل من الأسماء ما يصعب بالحقيقة عدّها وإحصاءها، والتي تشتبك في ما بينها على الأرض حتى داخل الحيّ الواحد لا يمكنها بالتأكيد التنسيق بينها لشنّ هجوم معاكس بهذا الحجم. وبالطبع ليس بمقدورها أن تخوض حرباً في الموصل، وحرباً في حلب، وتتراجع أمام القوى المتقدّمة سواء في العراق أمام الجيش والحشد الشعبي أو في سورية أمام الجيش والقوى المساندة له بينما تخوض حرباً هجومية في تدمر مع تفاوت أهمية الأهداف لهذه التنظيمات.

فمحاولة التعويض الأميركية في تدمر لا تتناسب مع حجم الخسارة الواقعة حكماً في حلب، وأنّ التحرك التركي إلى مدينة الباب لا يمكن وصفه إلّا في خانة تنفيذ أمر العمليات الأميركي الشامل. وهنا لا بدّ من إبداء ملاحظة جوهرية في ما يتعلّق بموضوع ما يُطرح في الإعلام من اتفاقيات بين القوى الكبرى في ما بينها من جهة، وبين الدول الكبرى والدول الإقليمية من جهة أخرى. وهذه الملاحظة تنسحب على الولايات المتحدة الأميركية كدولة كبرى، كما على تركيا كدولة إقليمية. فكلتاهما لا تلتزمان بالاتفاقيات المعقودة. فهما تنطلقان دائماً من المصلحة المباشرة على قاعدة المفاضلة بينها وبين الاتفاقات المعهودة. وهذا الكلام يعيدنا إلى كلام سعاده: «إنّ الولايات المتحدة الأميركية قد سقطت من عالم الإنسانية الأدبي». وكذلك في موضوع التركي «العثملي» الطامع في بلادنا وعلى التحديد شمال سورية.

بالطبع، إنّ العمل العسكري ليس عملاً يقوم على ردّ الفعل، وإنّما على التخطيط المسبق حتى ما يسمّى بالهجوم المعاكس أو المضادّ، هو جزء من العملية الدفاعية. وعليه، إنّ ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية الآن هو عملية دفاعية للحفاظ على وجودها في سورية بعدما فقدت الأمل بالسيطرة على المحور الشمالي، والذي كان يشكّل شرياناً حيوياً لها للوصول إلى منطقة القوقاز.

إنّ دعم الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا للجماعات المسلحة الإرهابية للهجوم على حقول النفط السورية في حمص، الجزل والشاعر، ليس إلّا هبة مادية ومعنوية للوصول إلى تدمر بعدما انهارت هذه العصابات وبشكل دراماتيكي في معركة حلب الكبرى.

مهما يكن، لم تكن معركة تدمر لتحصل بهذا الشكل لولا الدعم المباشر للولايات المتحدة الأميركية سواء معنوياً بمجيء وزير دفاعها إلى العراق لحماية ما تبقّى من فلول «داعش» في الموصل، ومادياً عبر شبكة التشويش الإلكترونية التي قامت بها وسائط الهجوم الإلكتروني الأميركية ووسائط العدو الصهيوني على الوسائط السورية والروسية، وعمليات التضليل الواسعة عبر الدبلوماسية.

ومن حيث المبدأ، فإنّ دفاع أربعمئة جندي سوري عن تدمر في وجه الآلاف من المجموعات الإرهابية المسلحة بالدبابات والمدرّعات الخفيفة والرشاشات الثقيلة والصواريخ، يعتبر إنجازاً كبيراً لهذا الجيش، إذا ما أخذنا الفارق الكبير بقتلى العصابات الذي تجاوز ثلاثمئة قتيل في مقابل سبعة شهداء للجيش. وبالتالي، فإنّ إعادة التموضع دفاعياً في قواعد الانطلاق هو إجراء حكيم وواقعي نسبة إلى القوى الموجودة على الأرض.

نحن نثق بكلّ الإجراءات التي تتخذها القيادة التي تمتلك المعطيات كافة، وعطفاً نحن واثقون من النصر.

نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى