ويسألونك عن سلمان أين هو الآن؟

مصطفى حكمت العراقي

لم يعد خافياً على أحد حجم المشاكل والكوارث التي تعصف بدولة آل سعود، في الحجاز. ومدى الهزائم التي لحقت بالمملكة وسياساتها ومشاريعها والمحاور التي أدخلت نفسها فيها، حتى وجدنا أنّ حلفاءهم تخلوا عنهم. وأنّ من راهنوا عليهم سابقاً، تركوهم الآن، في منتصف الطريق، بلا هزيمة كاملة وعجز رهيب عن تحقيق أيّ انتصار. وهنا، توالت التخبّطات على سلمان الملك الشكلي ونجله محمد الملك الفعلي، اللذين يسيران نحو الانحدار أكثر فأكثر. وهو ما أشارت اليه بواطن خطاب الملك سلمان، في افتتاح الدورة السابعة لمجلس الشورى السعودي، حيث ابتدأ حديثه عن الأوضاع الاقتصادية الداخلية للمملكة والأزمات التي يتعرّض لها اقتصاد المملكة، بعد رعونة ساستها بحرب عبثية في أسواق النفط، حطمت اقتصاد المملكة قبل غيرها، فوجدنا العواقب قاسية على المجتمع السعودي، ففرضت الضرائب وتمّ رفع الدعم عن الخدمات والحاجيات الأساسية وهنا، اعترف العاهل السعودي بسيئات سياساته الاقتصادية، واصفاً هذه الخطوات بالمؤلمة والعابرة، متحجّجاً بأنّ عدم السير بإجراءات كهذه، سيؤدّي لعواقب اسوأ على اقتصاد مملكته، رغم تجاهله لما حصل، مؤخراً، من اتفاقات لدول الإنتاج النفطي، في أوبك، حول تخفيض الإنتاج، الذي جاء على خلاف هوى الرياض. وتمّ تحت وطأة الهزائم في باقي المشاريع، لتأتي الاتفاقات النفطية حلقة أخرى في سلسلة الهزائم.

أيضاً، الحرب الظالمة على الشعب اليمني، كانت حاضرة في الخطاب، إذ قال إنّ أمن اليمن – الجار من أمن المملكة ولن نقبل بأيّ تدخل في شؤونه الداخلية، أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله ممراً أو مقراً لأيّ دول، أو جهات، تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها. وهنا يستمرّ الخطاب الرسمي السعودي وكيفية تعاطيه مع الحرب على الشعب اليمني، باسطوانته نفسها، المشروخة والملوّنة بكلمات وردية غير معبّرة تماماً عن مدى الظلم والحقد والتخريب والوحشية، التي أظهرتها قيادة المملكة تجاه جارها، فلم تبق في الكون مؤسسة أو منظمة أو هيئة تعنى بحقوق الإنسان، إلا وانتقدت واستصرخت من ظلم الرياض تجاه الشعب اليمني، الذي لم يقدّم الا مزيداً من الإصرار والصمود والثبات والسير بخطى ثابتة وحكيمة، نحو مزيد من الانتصار والتحرّر من التبعية، التي أطلقت الرياض حربها على اليمن، بعد أن أيقنت بأنها أصبحت شيئاً من الماضي. رغم ذلك، فإنّ معطيات تراجع أدوار الرياض في لبنان، بعد هزيمتها في ملف الرئاسة. وكذلك، فشلها في العراق ورهانها الخاسر على مجاميع إرهابية وشخصيات سياسية من الداخل، أكل الدهر عليها وشرب.

لذلك، ستتجه المملكة وقيادتها، في المرحلة المقبلة، للخروج من البئر اليمنية العميقة، بأقلّ الهزائم، إنْ أرادوا النجاة بما تبقى لهم، أو الرحيل بلا عودة. فالحرب المستعرة التي أوشكت على دخول شهرها الواحد والعشرين، دون نتيجة تذكر، أو تحقيق أي من النقاط والأهداف التي رسمتها المملكة، كشروط لإنهاء الحرب، بعد تزايد الضغوط وارتفاع الأصوات التي تتعرّض لها العائلة الحاكمة في الرياض، من حلفائها في واشنطن وأوروبا، قبل أعدائها. وهنا يمكن التنويه بما أصدره البيت الأبيض من قرار ينص على تجميد نقل ذخائر دقيقة وصواريخ حديثة الى الرياض، معللا ذلك مسؤول أميركي في تصريح صحافي، بأنّ بلاده أوضحت للرياض بأنّ التعاون الأمني الأميركي معها، ليس شيكاً على بياض. وليس مفتوحاً بلا حساب، قائلاً: إنّ لدى واشنطن مخاوف حيال الحرب. ونتيجة لذلك، قرّرت عدم المضيّ قدماً في بعض صفقات الأسلحة والذخائر.

هنا، يكمن الكذب الأميركي، فلا مخاوف من أفعال تقوم بأسوأ منها واشنطن ذاتها. ولكن الأخيرة عوّدتنا بأنّها في لحظة وجوب التسويات وتبدل الأدوات، فإنها ترمي ذيولها بأسرع مما يرمي الشخص منديله الورقي. وهو ما لم ولن تصدّقه بعض حكومات التبعية العربية.

اللافت في كلام العاهل السعودي، تجاهله مرغماً لا راغباً، أو تناسياً، كما حاول بعض أبواق الرياض وصف ذلك، فلم يتكلم بشكل مباشر عن الملف السوري والحرب على سورية، التي اتخذتها الرياض حرباً لكسر العظم ووسيلة لرسم المصير. فما أنفقته الرياض على دعم الإرهابيين في سورية، كان يكفي لتحرير الاراضي الفلسطينية المحتلة في يومين، من براثن الكيان الصهيوني «الصديق – القديم الجديد» للرياض. كما أنّ العاهل السعودي لم يتكلم عمّا يجري في مدينة حلب، من انتصارات باهرة للدولة السورية وحلفائها وخسارة بامتياز، للجماعات الإرهابية المسلحة المدعومة مالياً وعسكرياً وفكرياً وإعلامياً وعددياً من الرياض، بشكل أساسي وباقي حلف الشر، الذي شكلت المملكة رأس حربة فيه، مع سادتها في واشنطن وعواصم الشرّ الغربي وأخواتها في أنقرة والدوحة.

قادة الرياض، بدأوا بالتوجه نحو القبول بواقع الهزائم. وتحوّلت خطبهم من التهديد والوعيد والتعالي والتكبّر والحلم بمواقع بعيدة عن واقعهم الحقيقي والتبجّح بالوضع الاقتصادي ومحاولات كسب ذمم الحميع بالمال وشراء القوانين والقرارات والمواقف، إلى رضى مرغم بواقع مرير أفرزه الميدان وواقع الحلفاء وقصر الاختيار. فمن اقتنع بالصهاينة رفيقاً وبواشنطن سيداً وبالخيانة طريقاً وبالكذب والخداع وسائل للعيش، عليه تذوّق نتائج خياراته، طال الوقت أم قصر…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى