عبر «أثير» من مسقط: ابن دريد وأدونيس وكلام في الشعر

بلال شرارة

لا يزال الوطن العربي بخير، إذ تتسع دائرة الشعر في بركة دمائنا الراكدة في أوطاننا المهتوكة. تتسع هذه الدائرة لتصبح مساحة للشعر أكبر من قرطاج الوطن الذي أقامته أليسار على مساحة جلد ثور. تتّسع رغم هذا الموات وهذا اليباس والقحط. أشهد أنه لم تزل هناك مساحات لقلوب بشرية لم يصبها التصحّر بعد، بل هي ربما ستنتصر عليه لأنّ الشعراء والنقاد العرب ربما قصّروا في كلّ شيء، خصوصاً المشاركة في كلّ ما ينتج حياة مجتمعاتهم ودولهم، ولكنهم لم يقصّروا في كتابة الأشجار وجعلها امتداداً لأفقهم. طبعاً أنا أقصد أنّ شاعراً واحداً لم يكتب غابة مليئة بالسلطة ومخبريها وأجهزتها، أنا أقصد الأشجار المتواضعة باخضرارها، المزهوّة بمكان إقامتها، تلك المقيمة في حدائق منازلنا الأمامية وفي الكروم وعلى جنبات طرقاتنا واقفة كحراس لمخيّلاتنا لعلها تكتب ذاكرتها وآمالها عن سلوكنا الطريق من وعْرِ الشعر إلى أوطان دافئة

ليلة السبت 11 / 12 / 2016 افتُتحَ مهرجان أثير الثاني للشعر دورة ابن كثير وقد عرض فيلم وثائقي عنه أنتجته «أثير»، وقد تحدّث بدايةً الإعلامي موسى الفرعي رئيس تحرير «أثير» عن «أثير» الحلم والمؤسسة، وعن ارتكابها فعل الدهشة، خاطبنا واحدة واحدة وواحداً واحداً، قال إننا نجتمع في هذا المكان الآسر الأخّاذ تحت سماء الشعر في حضورٍ عربيٍ يتميّز بالنص وبوجود كبيرنا الذي علّمنا الشعر: … أدونيس.

قال مضيفنا باسم مؤسسته إنّ استمرار المهرجان بشكل سنوي توثيق لقيم الجمال العليا التي بها تصبح الحياة جديرة بأن تُعاش. فنحن نؤمن بالجمال مبدأ ونعيشه أسلوب حياة وانّ المهرجان طريقنا في الدفاع عن هذه الجماليات التي يمثلها إرثنا العربي الكبير الذي يُحيل الأرض بساطاً من أغنيات الحب في عصرٍ لم تتمكّن فيه خريطة الوطن الكبير الفكاك من دمويتها، بعد ذلك أعلنت الشاعرة والناقدة الكويتية سعدية مفرح بيان لجنة التحكيم لـ«مسابقة أثير الشعرية» والذي حدّد:

المرتبة الأولى: المجموعة الموسومة بـ «شمعة في العدم» للشاعر اليمني محمد المهدي.

المرتبة الثانية: المجموعة الموسومة بـ «تركنا نوافذنا للطيور» للشاعر المغربي محمد عريج.

المرتبة الثالثة: المجموعة الموسومة بـ «وإني قليل فكوني كثيري» للشاعر السوري ياسر الأطرش.

بيت القصيد في مهرجان هذا العام كان ضيف الشرف: أدونيس هو قرأ أوجاعه، أوجاع الوطن، آلامه. أعلن «الثابت المتحوّل» أنه يمضي الى استراحة الشاعر المحارب، دعا الأجيال الشعرية الى حمل الراية، قرأ أدونيس قصيدة الوقت… قرأ قليلاً وكثيراً استدعى الرمل، واللهب، القاتل، الضحايا عظامهم المهترئة، «رأس طفل هذه الكتلة، ام قطعة فحم؟»، استدعى شبهة الجار الجلاد. استقرأ أدونيس الخيط النحيل؟ سأل «لمن النملة تعطي درسها؟ ولمَ الدهشة؟» استعاد أدونيس فلسطين، بكت لغته، استعاد إليه بيروت وصيدا وصور… قرأ في كفّ الأيام «سيكون الصدق موتاً… ويكون الموت خبز الشعراء». أضاف الشاعر وهو يلقي من «جريح قلب» الذي سمّي أو صار وطناً ليس إلا زماناً يطفو على وجه الزمن، ثم أنّ أدونيس أمام هذه الجمهرة من الشعراء من كلّ أنحاء الوطن العربي حمّلهم وصاياه واستدعاهم الى الفعل.

المهرجان استمرّ على مساحة أيام من هذا الأسبوع وشارك فيه شعراء من البلد المضيف، العراق، المملكة العربية السعودية، الكويت، تونس، جمهورية مصر العربية، الإمارات العربية المتحدة، السودان، وموريتانيا ويشارك في أوراق نقدية د. عائشة الدرمكية بورقة تحمل عنوان: «شعرية القصيدة المعاصرة في عُمان»، ود. حسن مجرد بورقة تحمل عنوان: «الإحساس بالأفول في مراثي ما بعد الكلاسيكية المحدثة العربية»، وبلال شرارة بورقة بعنوان: تداول السلطة الثقافية الشعرية أنموذجاً ، وسعدية مفرح بورقة بعنوان: جناية التهميش على الشعرية العربية – فهد العسكر أنموذجاً.

إذن يحدث في الوطن العربي شيء غير جناية تمويل انتحارنا، يحدث أن يعتبر أحد ما أثير مثلاً أنّ الشعر قنبلة العرب الصوتية لا تزال توحّد حتى في زمن التفكّك، وأنها تصيب من الوجدان حياة مقابل الموت الكثير. أنا في سلطنة عُمان وفي مهرجان أثير للشعر رأيت أشكال ألوان من العرب. وفي هذا البلد الذي كان مستغرقاً في احتفالاته بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف ويوم القوات المسلحة كان هناك متسع للإحساس بالشعر بالمعنى والمبنى في مساحة وقت المهرجان. كان هناك متسع لزيارة المتحف، عُمان القديمة. لأرى كلّ هذا الأبيض كقلبي الذي ترتديه البيوت، لأفهم أنّ الزمن والبحر هما أستاذا مدرسة الحكمة في هذا البلد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى