الرئيس ترامب… وفنّ التعاطي مع الاتفاق حول النووي الإيراني

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

نشر موقع «Crisis Group» تقريراً جاء فيه:

لا تزال اتجاهات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب غير محدّدة المعالِم، غير أن خطابه الانتخابيّ ألقى بظلال من الشكّ حول مستقبل ناجح وواضح الأفق في مسار الاتفاق النووي متعدّد الأطراف مع إيران. وقد يساعد الموقّعون على الاتفاقية: الولايات المتحدة، الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا والمملكة المتحدة، في إنقاذ هذه الاتفاقية في الوقت الحالي.

إذاً، لا يزال الكثير غير مؤكَّدٍ حيال سياسة ترامب الخارجية، لكن، المتابع والمحلّل لمضمون خطاباته الانتخابية، ولمواقفه من تغيير النظام في إيران، تثير القلق حول جدوى هذا الاتفاق النووي. يمكن لزوال هذا الاتفاق أن يثير أزمة قد تهيمن على فترة رئاسته، وتعمّق التوترات في المنطقة المضطربة وتطيح بالمساعي الدبلوماسية متعدّدة الأطراف. والبعض الآخر، ممن له مصلحة في الحفاظ على الاتفاق، لا سيما ما تبقى من اتفاق مجموعة الـ«P5+1» أي الصين وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وروسيا، الذين تفاوضوا على هذا الاتفاق في ظلّ حكومة أوباما… يجب أن نأمل الأفضل، وكذا توقّع الأسوأ.

وبعد مرور أكثر من سنة على دخول هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ، برهنت «خطّة العمل الشاملة المشتركة JCPOA » على نجاحها: فقد منعت بشكل فعال إقفال جميع الممرات المحتملة لإيران للتسابق نحو التسلّح النووي، بينما تفتح الأبواب على مصراعيها أمام إعادة تأهيل البلاد دولياً واقتصادياً ـ حتى لو كانت وتيرة الانتعاش عقب تخفيف العقوبات أكثر بطأً مما كان متوقعاً. ومع ذلك، فإن الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً أدان بشكل معيب لا لبس فيه كل ما له علاقة بـ«JCPOA» على نحو جوهريّ. وبوجود ترامب في السلطة، فإن بإمكانه التنصّل من أو الامتناع عن اتخاذ خطوات إيجابية حاسمة لتأمين مصدر رزق الاتفاقية، على سبيل المثال لا الحصر، التجديد المؤقت للتنازلات بهدف مواصلة تعليق العقوبات النووية الأميركية على إيران. ويمكن أن تفاجئنا الولايات المتحدة بعودة عقوبات الأمم المتحدة على إيران من جانب واحد، على رغم آلية تسوية المنازعات في «JCPOA» والمعارضة المحتملة من مجموعة «P5+1» وغيرها ممن هم غير راضين للغاية عن تنفيذ الاتفاق حتى الآن، وعدم وجود الأساس الشرعي لإعادة تسمية إيران كمهدّد للسلام والأمن الدوليين بعد إغلاق ملف أنشطتها النووية السابقة في كانون الأول 2015.

وقد حذّر البعض من نقّاد الحزب الجمهوريّ من مغبّة إلغاء هذا الاتفاق بمثل تلك الطريقة، إذ أن هذا من شأنه أن يؤدي بالتأكيد، إلى إلقاء المجتمع الدوليّ اللوم مباشرةً على الولايات المتحدة. ويبدو أن معظم المتشككين يفضلون إعادة إدخال العقوبات غير النووية على إيران، مع فرض قسريّ لبعض الزيادات التدريجية الهادفة إلى إقناع القادة الإيرانيين بأهمية إعادة التفاوض حول الاتفاق.

يمكن لهذا الاتفاق أن يُقوّض من قبل بعض اللمسات الأخف وطأةً، ويمكن حتى، أن ينهار كل ما حصل، هكذا، بدون بذل جهود تُذكر، فالتنفيذ الباهت للقرار يؤشر على إمكانية حدوث ذلك. ويتطلّب الحفاظ على تنفيذ «JCPOA» إدارة سياسة واشنطن بحسن نية تامة: منح تراخيص لمشاريع التجارة المشروعة مع إيران في الوقت المناسب، إصدار المبادئ التوجيهية لتوضيح النقاط الغامضة حول قانون تخفيض العقوبات وتقديم المساعدة في تحديث مفاعل «آراك» الذي يعمل بالماء الثقيل في إيران ـ وهو مشروع مشترك للولايات المتحدة مع الصين ـ بهدف حماية الاتفاق من الضغوطات الخارجية، خصوصاً لناحية إمكانية عرقلتها من قبل الكونغرس، كمثل منع بيع طائرات الطائرات المدنية إلى إيران، على سبيل المثال، وهو ما يتعارض مع نصّ الاتفاقية.

وفي حين أنه من السابق لأوانه الحكم على الإدارة الأميركية الجديدة، فإن معارضتها لـ«JCPOA»، تظهر طبيعة السياسة التنفيذية الضيقة للاتفاق: اتفاق الحدّ من التسلّح الذي يسمح للعدوّ القادم من البرد، ألّا يعمد إلى تغيير سياساته على نطاق واسع. والسؤال المشروع هنا، حول ما إذا كانت عرقلة هذا الاتفاق، وتعزيز أو إضعاف قدرة الولايات المتحدة على معالجة الشواغل الأخرى، يبدو ثانوياً.

إنه لمن المبكر التنبّؤ بعواقب تخريب اتفاق «خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA»، ومع ذلك، يمكننا الأخذ بالاعتبار عدداً من الملاحظات الإجرائية:

ـ إن إغراق الاتفاق، في الوقت الذي تلتزم إيران به، من المؤكد أنه سيُضعف، إن لم يسبّب بانهيار التحالف الدوليّ الذي كان حاسماً في فرض العقوبات التي تنصّ عليها المفاوضات. ما من شأنه أن يضع الولايات المتحدة في مواقع أضعف، وليس أقوى، لإعادة التفاوض حول صفقة أكثر ملاءمةً و/أو لإعادة تشكيل سياسات إيران الإقليمية أو المحلية. كما سوف تُضعف أحادية واشنطن ـ بالتأكيد ـ كلاً من مركزية النظام المالي الأميركي وهيمنته على العالم، ومدى فعالية هذه العقوبات كأداة من أدوات فنّ الحكم الخاصة بها.

ـ من المؤكد أن إيران ستردّ في حالة إحياء برنامجها النووي. فالرضا المبدئيّ حول ترامب في طهران ـ على رغم ميول هذا الأخير الانعزالية، ورغبته في تحسين العلاقات مع شريك إيران الوثيق أي روسيا، وإعطائه الأولوية لمحاربة «داعش»، والذي من شأنه أن يرتدّ إيجاباً في مصلحته ـ قد يزيد من خطر المبالغة في ردود الفعل حيال محاولات الولايات المتحدة تقويض هذا الاتفاق. وكان البرلمان قد كلّف الحكومة تقديم إجابات حول برنامج تخصيب اليورانيوم، والتعاون مع مفتشي الأمم المتحدة لإعادة النظر بمضمون الصفقة. لكن، حتى الاستجابات المدروسة الأكثر ليونةً، واحتمال تجدّد المواجهة النووية وتعقيد المفاوضات المستقبلية عن طريق زيادة تقويض الثقة المتبادلة، أصبحت غير ذي جدوى. ويمكن أن توفر ـ في حدّها الأقصى ـ الأساس المنطقي لبحث بعض مؤيدي تغيير النظام، بهدف تبرير عمل عسكري ضدّ إيران. وحتى لو كانت إيران موافقة على فرض قيود أكثر صرامةً على المدى الطويل، فهي من المؤكد، ونظراً إلى امتعاضها من سياسة تطبيق تخفيف العقوبات، ستطالب بأثمان باهظة مقابل تقديمها للتنازلات. وهذا يفترض ـ بالطبع ـ أنه على الإدارة الأميركية القادمة السعي إلى تحقيق تحسين هامشيّ في الاتفاق، وليس الاستسلام لإيران في شأن القضايا النووية وغيرها، التي، وفي ظلّ سنوات طويلة عِجاف من المواجهة، عجزت عن تحقيق ما كانت تصبو إليه.

ـ التوتر المتفاقم قد يدفع إيران إلى مضاعفة السياسات التي تُقدّم أساساً لأمنها القومي: الصواريخ البالستية وأنظمة الردع التقليدي و«السياسة الدفاعية إلى الأمام»، من دعم الشركاء والوكلاء الإقليميين في بغداد وبيروت ودمشق، والتي تهدف في الظاهر إلى ردع الهجوم على أراضيها. وهكذا، ومن خلال زعزعة الـ«JCPOA»، يمكن للإدارة الأميركية الجديدة أن تستهلّ ما تصبو إليه بدعوى منع: إصرار إيرانيّ أكبر، عدم استقرار إقليمي أوسع، انخفاض احتمال التوصّل إلى حلول في شأن الصراعات الدائرة في سورية واليمن والعراق ـ والأماكن حيث تتواجد إيران، التي تشكل جزءً من المشكلة، لذا، لا مفرّ ـ بالتالي ـ من أن تكون جزءاً من الحلّ.

إنه لمن المبكر أيضاً، تقييم تقدير الإدارة الأميركية الجديدة جميعَ هذه المخاطر. لكن، وبينما تقوم بتحديد سياستها، فإن لدى أعضاء مجموعة الـ«P5+1»، الفرصة لتحديد أفكارهم وتثبيطها وحتى ردع الولايات المتحدة عن تقويض الـ«JCPOA». وعليهم في الوقت عينه، أن يباشروا إلى إعداد خطط للطوارئ لإنقاذ الاتفاق، في حال خسرت الولايات المتحدة، التي كانت سبباً في فرض هذه العقوبات. وإذا كانوا سينتظرون ليتحققوا ما إذا كانت سياسة ترامب تدميرية كما يتوقعون ويخشون، فإنهم قد لا يكونوا قادرين على الردّ بسرعة كافية للحدّ من الأضرار الحتمية الناتجة، وذلك على النحو التالي:

ـ على الاتحاد الأوروبي الذهاب أبعد من ذلك في دعمه لـ«JCPOA» وإعادة إحياء «حظر النظام»، والنهي عن الامتثال لأوامر الولايات المتحدة في ذهابها بعيداً في مسألة فرض العقوبات التي تفتقر إلى موافقة لجنة «JCPOA» المشتركة. ويوفر مثل هذا التشريع الاطمئنان السياسي للشركات الأوروبية الراغبة في الدخول مجدداً إلى السوق الإيرانية من خلال توسيع عدم الاعتراف بأحكام الولايات المتحدة وقراراتها الإدراية التي لها كبير الأثر على العقوبات الأميركية، فضلاً عن إنشاء بند «الإرجاع»، بهدف التعويض عن الأضرار المترتبة على العقوبات المزعومة الانتهاكات. وإنشاء مثل هذا الإجراء الوقائيّ من دون المساس بالتزامات إدارة ترامب أمام الـ«JCPOA»، من شأنه أن يرسل إشارة قوية مفادها، أنه إذا سارت واشنطن بعيداً عن الصفقة، فإنها لن تفعل ذلك وحدها، في حين أن كلّ ما يجري يدلّل على أن الدول الثماني والعشرين في الاتحاد الأوروبي سوف تدافع عن هذه الاتفاقية.

ـ يجب على كلّ من الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا والمملكة المتحدة، الإعلان رسمياً عن أن العقوبات الأميركية الجديدة الأحادية الجانب هي عقوبات غير مبرّرة من قبل أغلبية أعضاء اللجنة المشتركة والتي تتداخل مع إدراكها أن إيران ستستفيد إلى حدّ كبير من تخفيف العقوبات في ظلّ الـ«JCPOA» وقد يكون هذا سبباً لبدء النزاعات ضدّ الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية «WTO» وغيرها من المحاكم والمؤسسات الدولية. وفي أواخر التسعينات، نجح الاتحاد الأوروبي في تحدّي العقوبات التي فرضتها عليه الولايات المتحدة باتباع نهج مماثل. وفي الوقت عينه، على هذه الدول أن تستمرّ في دعم إيران بقبول انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية «WTO».

ـ يجدر بالمبادرات الواردة أعلاه أن تشترط على إيران الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها ضمن شروط «خطّة العمل الشاملة المشتركة». وذلك من خلال تفعيل أنشطتها النووية وقطع الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، من أجل الانتقام لجهود واشنطن لتمييع الصفقة والتي من شأنها أن تجعل من المستحيل على الآخر الوقوف في وجه الولايات المتحدة. وعلى المنوال نفسه، فإن التزاماً راسخاً من قبل قوى عالمية أخرى تقف إلى جانب إيران طالما أنها تتمسّك بالصفقة التي قد تعزّز تواجدها في طهران وتحثها على الاستمرار بالقيام بذلك.

ـ وبالقدر نفسه من الأهمية، يتعيّن على طهران تجنّب الاستفزازات، سواء كانت من طبيعة فنية أو طبيعة سياسية. وهذا يعني الحدّ من المخالفات الفنية لـ«JCPOA»، وحتى لو لم يفعلوا ذلك بدقة قد تؤدّي إلى مخالفات مادية، كمثل مفاعل الماء الثقيل المضغوط في المفاعلات النووية خارج إطار هذه المجموعة. فضلاً عن ضرورة امتثال إيران لقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة الصادر عام 2015 رقم 2231 من خلال الامتناع عن اختبار الصواريخ البالستية متوسطة المدى وأسلحة الشحن إلى الجماعات المسلحة في المنطقة، إضافة إلى عدم احتجاز حاملي الجنسيات المزدوجة بسبب عدم تقبّل وجوههم، ما سيوفر الذخيرة لمنتقدي الصفقة في واشنطن. وفي نهاية المطاف، فإن الاتفاق النووي ـ وحتى لو أُحيط به جدارٌ ناريّ من الصراعات المحيطة ـ فإنه سيبقى قائماً إلا إذا كان مصحوباً بتقدّم ملموس لتخفيف الاحتقان والتصعيد بهدف التوصل إلى حلول في شأن الصراعات الدائرة في الدول المجاورة على سبيل المثال، عن طريق الحفاظ على الميليشيات الشيعية من شمال العراق واستخدام نفوذها مع الحوثيين للمساعدة في جعل حرب اليمن تحت السيطرة، حيث سيكون نهج البناء الذي يمكن أن يساعد في تعزيز الاتفاق النووي.

ـ يُفترض بإيران ومجموعة «P5+1» عقد اجتماع آخر للجنة المشتركة قبل انتقال الولايات المتحدة إلى استخلاص الدروس من تنفيذ الصفقة حتى الآن، وتوضيح النقاط الغامضة المتبقية، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى لغة الاتفاق على خصوصية كافية على سبيل المثال تحديد أشكال اليوارنيوم المنخفض التخصيب أو الذي ينبغي ألا يُحسَب نحو الحدّ الأقصى أي 300 كلغ .

ـ إن التقرير الثاني للأمم المتحدة في شأن تنفيذ قرار 2231، والذي صادقت عليه الـ«JCPOA»، يشكّل فرصة سانحةً للأمين العام الجديد لتعزيز الرسالة الموجهة إلى الولايات المتحدة والعالم بالقول أن الاتفاق يلعب دوراً رئيساً في حفظ السلام العالمي والأمن من خلال تعزيز وتقوية المعايير الدولية لعدم الانتشار. ولهذه الغاية، ينبغي على الأمم المتحدة أن توازن بعناية تامة تقريرها المقرر أن يصدر في 16 كانون الثاني، لتعكس ليس فقط طبيعة التطورات المتعلقة بالقيود المرفقة بالتقرير «باء»، إنّما أيضاً في إطار التقدم الملحوظ في تنفيذ أحكام «JCPOA» كما هو مبيّن في التقرير «أ».

تفرض حسابات التفاضل والتكامل التي حدت بإيران ومجموعة «P5+1» تقديم تنازلات بعد 13 سنة من المواجهة وسنتين من المفاوضات التي لا تزال تحمل: البدائل لهذه الاتفاقية ـ سباق العقوبات مقابل أجهزة الطرد المركزي التي يمكن أن تبلغ ذروتها في إيران بهدف الحصول على القنبلة أو تعرّضها للقصف، ما سيؤدي إلى نتائج أسوأ من ذلك بكثير. وذلك بغضّ النظر عما اذا كانت الإدارة الأميركية القادمة ستتوصل إلى هذا الاستنتاج أم لا، يتعين على الدول التي تفاوضت في شأن هذه الصفقة أن تبذل قصارى جهدها للحفاظ عليها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى